«الأيام» في غياهب سجن أمن القبيطة .. سجناء ينامون مع العقارب وبؤساء خلف القضبان

> «الأيام» أنيس منصور حميدة:

>
منظر داخل السجن شديد الظلام في رابعة النهار
منظر داخل السجن شديد الظلام في رابعة النهار
آثرت على نفسي بعد استعادة حريتي التي سلبت مني لأيام خلف قضبان سجن أمن القبيطة بدون وجه حق أن أكرس هذه التجربة لنقل معاناة آخرين يقبعون داخل هذا السجن ويقاسون ظروفاً لا تتوفر فيها أبسط المقومات.

ومن خلال هذا الاستطلاع أنقلكم لمعايشة أوضاع سجناء سجن أمن القبيطة عن كثب.

< كان أول ما وقفت عليه في داخل سجن أمن القبيطة هو الاوضاع التي يعيشها القابعون خلف قضبانه ويرزحون تحت أغلاله ويصرخون من خلف أبوابه وجدرانه وليس لصرخاتهم إلا رحمة المولى العلي القدير.. وزعت نظراتي نحو جنبات السجن فإذا هو مبنى قديم يتكون من غرفتين ضيقتين وحمام أشد ضيقا وتفوح منه رائحة النتانة التي تزكم الأنوف، أما جدران السجن فقد أتت عليها الرطوبة ولن تجد نوافذ تخفف عنك بنسمات هواء أو حتى بصيص ضوء يخفف الظلمة المطبقة.

في هذا المبنى الذي أُدخلت إليه ببلاغات كيدية كاذبة وجدت تسعة من المساجين وقد تجمعوا حولي وهم من قبيلة آل سعيد وأخبروني أن سبب سجنهم يعود الى خلافات ومواجهات مع آل عسقد، وقد اكتظت بنا جميعا غرفة السجن الذي كنا فيه وبسبب الزحام الشديد كان الجميع يتناوبون في مواعيد النوم فالبعض منهم ينامون فيما الآخرون يضطرون الى شغل وقتهم بأي أمر كلعب الورق حتى يحين موعدهم في النوم.

ومن المساجين الذين تحدثوا الي السجين شاكر محمد احمد القباطي الذي شرح لي معاناة السجن قائلا: «الوضع متردٍّ جدا هنا» موضحا لي ان سبب سجنه اتهامه بتكسير أثاث منزلية واعتدائه على منزل في وقت لم يكن فيه أحد من الساكنين.

وأضاف قائلا: «بالنسبة للإضاءة فغير متوفرة ونقوم بشراء الشمع على حسابنا الخاص ولا يوجد ماء وندفع أجرة لبعض حراس السجن مقابل إحضار ماء للوضوء والاغتسال، وحمام السجن وضعه في أسوأ حال» ثم رفض شاكر استكمال الحديث عما يحدث في السجن بحجة النعاس والإنهاك وحاجته الى النوم.

نعم وضعية السجن في حال ليس له مثي ، فلقد شاهدت مساجين محشورين في زوايا السجن، ورأيت حمام السجن الذي تزكم رائحته الأنوف وغير صالح على الاطلاق للاستخدام الآدمي.. ووضع عام يفقدك القدرة على إغماض عينيك والخلود للراحة للحظات.

من اليمين شاكر ومحمد شكري ومأمون الصغير
من اليمين شاكر ومحمد شكري ومأمون الصغير
في يومي الثاني في السجن وعند الصباح تدافع نحوي السجناء يعرضون مظالمهم وأوراقهم مطالبين بإيصالها إلى جهات الاختصاص عندما علموا إنني من صحيفة «الأيام» فجمعت كمية من رسائل التذلل الممتلئة بعبارات الاستعطاف والاسترحام من هؤلاء السجناء البؤساء خلف أبواب سجن أمن القبيطة يترقبون زيارة أهليهم وذويهم وقد امتلأت أعينهم بالدموع.

ومنهم الوالد محمد قائد حسن شكري الذي يعاني من الصمم، وكانت لغة التخاطب معه هي الإشارات والكتابة على الورق وعرض علي قصاصة ورقية يشكو فيها من ظلم واقع عليه وأنه يتعرض لسخرة واستحقار من قبل إدارة الأمن منذ ثمانية أشهر قضاها في السجن الاحتياطي ولا يدري لمن يشكو ومن سيخرجه وإلى متى سيظل مسجوناً، وكتب قصاصة أخرى مفادها أن السجن خانق وشديد الحرارة لعدم وجود نوافذ للتهوية، وتوجد فيه حشرات ضارة وعقارب مما يقض مضاجعهم ويحرمهم نومهم.. بهذه اللهجة المؤلمة عبر محمد شكري عما يصيبهم من لضى ووجع في عصر ولج فيه العالم بوابة الألفية الثالثة وبات الزمان زمن العولمة والتكنولوجيا فيما حقوق المسجون بسجن أمن القبيطة ما زالت موروثة من العصر الحجري.

وحينما فتح بواب السجن الغرفة الشرقية ألقيت نظرة سريعة فإذا بمساجين آخرين في مشهد سريالي بالغ التعقيد خصوصاً وجود الوالد محمد القتيب الذي زين السجن بمغامرات وقصص قديمة يساور المساجين الشك بعدم صحة بعض منها لأنها وصلت إلى حد الخيال، فيما أتى الي السجين مأمون الصغير ناجي للبوح بما ضاق به صدره قائلا: «السجن مليء بالأتربة والقمامة يتم جمعها في إحدى زوايا السجن ونقوم نحن بالتنظيف والكنس حتى البول نجد مشقة وتعباً بتفريغه وقد أعطانا حارس السجن علباً بلاستيكية كي نتبول فيها.. بعض من المساجين ينامون أمام بوابة الحمام من ضيق السجن».. ونفس هذه المشقة والتعب لاقاها وعاناها كاتب هذا الاستطلاع حيث منع من الذهاب لدورة المياه وتعرض أهله وأقاربه والزائرون لتفتيش دقيق، حتى لقيمات الطعام وحبات الفطير يتم تفتيشها واستخراج ما بها.

سجين آخر يدعى محمد احمد السعدي تحدث لـ «الأيام» قائلا: «تم إدخالي الى السجن صباح أمس قسرا وظلماً بذريعة أحجار وصخور وسط الخط العام» وشكا من معاملة تعسفية لاقاها عندما تم إدخاله إلى السجن.. وللعلم فالسجناء لا يخرجون عند انتهاء سجنهم إلا بدفع ما تسمى (الرسامة) وهي عبارة عن مبلغ مالي يعطى لحراسة السجن.

سجين آخر اسمه مقبل سالم بن سالم لا ادري إن كانت قصته ستوقظ ضمائر المسئولين النائمة فحياته كلها في الصيد حيث يقتات من صيد الأرانب البرية و(الادافين) والحمام البري وقصة سجنه انه معسر وليس لديه مبلغ ما حكم عليه، وقال: «اكتب في صحيفة «الأيام» بيني وبين خصومي رب العالمين».

مقبل سالم مسجون معسر
مقبل سالم مسجون معسر
هذه بعض من مواجع المساجين في سجن أمن القبيطة وغيض من فيض معاناتهم المؤلمة التي قادتهم اليها ظروف الفاقة والفقر والتهم الباطلة، ولا نبالغ إن قلنا إن كل ركن في هذا السجن البليد يحكي قصة مأساة بل إن كل حجر أصم يشهد على فاجعة هذا المكان بعبارات سطرت على جدرانه منها قوله سبحانه وتعالى: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} وأبيات شعر تقول «لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً/ فالظلم يرجع عقباه إلى الندم.. تنام عيناك والمظلوم منتبه/ تدعو إلى الله وعين الله لم تنم» و«زنزانة الرعب ما أقسى لياليك/ تباً لك وتباً لبانيك».

لقد قابلت المآسي وجهاً لوجه فلكل فرد في هذا المكان الكئيب حكاية ومأساة، وتساءلت ألم يكن بالإمكان توسعة هذا السجن وتحسين أوضاعه؟.. وماذا يقول القائمون على سجن امن القبيطة والمسئول عنهم عن هذه النفس التي كرمها الله سبحانه وتعالى ولاقت القهر والضيم بهذا السجن؟.. لقد دخلت امرأة النار بسبب هرة حبستها لا هي أطعمهتا ولا تركتها تأكل من خشاش الارض كما اخبرنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.. فماذا هم فاعلون؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى