مأساة الكادر اليمني في السلطة والأحزاب السياسية

> عبدالعزيز يحيى محمد:

> في حين تزخر اليمن بأعداد كبيرة من الكوادر المؤهلة والمقتدرة علمياً في شتى مناحي ومجالات الحياة، إلا أن حجم ومستوى ما يستفاد ويوظف ويستغل منها- كما ونوعاً- على صعيد واقع الحياة العملية، يقل بصورة لا تقارن بحجم ونوع القدرات والمهارات والخبرات التي تمتلكها كادراتنا الوطنية.

ولا شك أن السبب الرئيسي لظهور واستفحال ذلك الخلل الخطير في جسم وبنيان الدولة والمجتمع في بلادنا، يعود لطبيعة السياسات التي تمارسها السلطة تجاه مسائل تأهيل وتوظيف وتعيين وترقية الكادر، حيث جعلتها وتجعلها تتم بما يحقق ولاء وطاعة الكادر لها وللقائمين عليها، وليس بما يحقق الفائدة والمنفعة للمجتمع، الذي دفع ثمن تأهيلها وتدريبها، ويدفع قيمة العمل الذي تقوم به وتؤديه، الأمر الذي نجده ينعكس سلباً عند تنفيذ مؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة للأعمال والمهمات والواجبات الملقاة على عاتقها والمكلفة بها إزاء كافة القضايا والأمور المتصلة بحياة جميع أفراد المجتمع.

وبالمقابل نجد أن ذلك الخلل الخطير يتواجد وينتشر كذلك في أهم مؤسسات المجتمع الأخرى، حيث تأتي الأحزاب والتنظيمات السياسية في مقدمتها، فمن الملاحظ أن أداء وإعداد وتنفيذ عدد من هيئات وتكوينات الأحزاب السياسية اليمنية لجزء كبير من برامجها وخططها وأنشطتها وأعمالها المختلفة يفتقر الى القدر المطلوب من الدقة والتنظيم والبرمجة والتخطيط، وذلك ليس بسبب نقص أو قلة الكادر الحزبي المؤهل في معظم تلك الأحزاب وفي أغلب هيئاتها وتكويناتها، وإنما بسبب ضعف وسوء استغلال وتوظيف وتسخير للطاقات والقدرات والإمكانيات التي تمتلكها وتختزنها الكادرات في هذا الحزب أو ذاك، من قبل قيادات الهيئة الحزبية المعنية وبالذات من قبل أولئك الذين يتحملون المسؤولية الأولى فيها.

فلا توظف تلك القيادات- مثلاً- امكانيات منظمتها المادية والمالية الممكنة والمتاحة ليكون جزء منها في خدمة اولئك الكوادر ليتمكنوا على أساسها من وضع وإعداد ورسم الخطط والبرامج التي يقترحونها ويتصورونها ويرونها- بحكم مؤهلاتهم وخبراتهم- ممكنة التحقيق والتطبيق على صعيد الواقع العملي، مما ينعكس ايجاباً لصالح الحزب والمجتمع.

ومن المؤسف القول: إن الأمر عند بعض من المسؤولين الأوائل في تلك الهيئات والتكوينات الحزبية لا يتوقف عند تلك الحدود التي ذكرنا بعضها أعلاه فحسب، بل يتجاوزها إلى حدود التجاهل والإهمال بل والإبعاد بشتى الطرق والأساليب المباشـرة وغير المباشرة للكوادر المؤهلة، ليتم الاستعاضة عنها بكوادر أخرى موالية لـها، أقل منها مستوى وخبرة ومهارة، وذلك عـند قيامهم - مثلاً- بترشيح أحد الكوادر ليقوم بالإشراف أو التنفيذ لعمل أو مهمة ما ذات صـلة وعـلاقـة سـواء بالحـزب أو المجـتمع.

وفي رأيي أن مبعث ذلك يعود بعضه - الأهم والأكبر- إلى أن المسؤول الحزبي الأول في الهيئة المعنية وبمساعدة عدد من أعضائها الذين تم اختيارهم من قبله، لمعرفته الأكيدة أن ولاءهم سيكون له وليس للحزب الذي ينتمون إليه، يسعى إلى جعل تلك الهيئة وسيلة يحقق من خلالها أهدافه ومصالحه وطموحاته الشخصية من جهة، ومعبرة عن آرائه وتصوراته الخاصة من جهة أخرى، ضارباً بذلك أهداف ومبادئ ومصالح ورؤى الحزب الذي ينتمي اليه عرض الحائط.

وكل ذلك ناتج عن ان الثقافة التي تعشعش في دماغ ذلك المسؤول الحزبي الذي يمارس مثل تلك الأعمال والافعال، وتسيطر وتتحكم بتفكيره وسلوكه، هي ثقافة (خردة) منحدرة من أفق قروية، قبالة ثقافة كونية، ثقافة مدنية حضارية تتقدم وتزدهر.

ونظراً لفقدانه القدرة على الاتصال والتفاعل مع تلك الثقافة الكونية، نجد أن مواقفه من قضايا ومسائل الحياة المعاصرة الاساسية والجوهرية كالحداثة والديمقراطية، يشوبها أحياناً (التعالي المفرغ) من أي مضمون ومعنى، وأحياناً أخرى يشوبها (النقد الغبي) لها، كونه لا يسند مواقفه تلك بصددها سوى جهل لا حد له بقيم ومبادئ تلك القضايا والمسائل، وامتثاله في الوقت ذاته لثقافة (بدوية) متخلفة كما سبق وأشرنا.

وعليه فإنه من الطبيعي أن نجد أن ذلك المسؤول ينظر ويتعامل مع بقية القضايا والمسائل بنفس مستوى نظرته وتعامله مع قضايا الحداثة والديمقراطية.

فمثلاً علينا أن لا نستغرب حين نرى ونلحظ أنه ينظر ويتعامل مع ممتلكات الهيئة الحزبية وإمكانياتها المادية والمالية وحتى البشرية التي تقع في إطار الهيئة التي يرأسها، على أنها ملكية خاصة تتبعه، وبالتالي عليه أن يتصرف بها كيفما ومـتى ولمن يشاء، بما يخدم ويحقق مصالحه وأغراضه وأهدافه الخاصة والشخصية علـى كافة المستويات السياسية والحزبـيـة وغيرها.. ومن هنا لن يكون المستفيد من تلك الامكانيات والقدرات سوى الموالين له سياسياً، حيث يصبح أبناء منطقته وعشيرته هم الأكثر استفادة ومنفعة من تـلك الامكانيات، وبصرف النظر عن كونـهـم أعضاء فـي الحزب الـذي يمتـلكها أم لا.

وحتى تستطيع الأحزاب معالجة وتصحيح تلك الاختلالات الخطيرة، التي من شأن بقائها واستمرارها أن يضعف ويهدد وحدتها وتماسكها الداخليين، فمن الضروري أن تتمسك الأحزاب التي تتضمن أنظمتها الداخلية مادة تنص على عدم جواز بقاء أي قيادي في الهيئات الحزبية العليا التنفيذية والمسؤولين الأوائل في منظمات الحزب على مستوى المحافظات لأكثر من فترتين متتاليين، عليها التمسك بتطبيق تلك المادة، وعدم التهاون في تنفيذها مهما كانت الأسباب والمبررات.

أما بالنسبة للأحزاب التي لا تنص أنظمتها الداخلية على ذلك، فعلـيها أن تسـعى إلى تضمينها مادة بذلك المعنى والمضمون.

من جهة أخرى أرى ضرورة أن يراعي أي حزب عند ترشيحه لأعضائه في الهيئـة القيادية والمسؤول الأول لها، وبالذات في المحافظات والمديريات، عدداً من الاعتبارات منها: وجود تناسب بين إمكانيات وقـدرات أولئك الأعضاء السياسية والعلمية والحزبية والثقافية من ناحية، وبين إمكانيات وقدرات الاعضاء الذين ينتمون إلى تلك الهيئة من ناحية أخرى، مع إعطاء اعتبارات خاصة ومميزة لنوع وطبـيعـة التركيبة السياسية والثقافية والتـعليـمية والاجتماعية لسكان كـل محافـظة على حـدة، حيث تأتي محـافظة عـدن في مقدمتها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى