قبل أن نقصف طهران

> يوسي يونه:

> رداً على اصرار ايران مواصلة مشروعها الهادف الى الحصول على السلاح النووي هناك من يسارع الى قرع طبول الحرب بقوة فيقترحون ان تبادر اسرائيل الى عملية عسكرية هدفها القضاء على المشروع النووي الايراني. المؤيدون لوجهة النظر هذه يزعمون ان حصول ايران على سلاح غير تقليدي يشكل تهديداً حقيقياً لوجود اسرائيل وبصورة خاصة بعد تصريحات أحمدي نجاد المتعلقة بازالة اسرائيل عن الخريطة. وهم يجدون ارتباطاً مباشراً وحتمياً بين الامرين فإيران ترغب في الحصول على سلاح نووي من اجل ازالة اسرائيل. وقبل ان تتحول هذه النظرة حقيقة بديهية توجه الطريقة التي ستختارها اسرائيل لمواجهة ايران علينا ان نفكر ببضعة امور.

لقد اثبتت حرب لبنان الثانية اننا لم نتعلم قاعدة اساسية: قبل القيام بمبادرة عسكرية واسعة علينا التفكير باليوم التالي. لسنا بحاجة الى لجنة تحقيق كي ندرك ان قرار شن الحرب لم يأتِ نتيجة تفكير منهجي في اهدافها والوسائل التي باستطاعتها الدفع نحو مبادرة سياسية جديدة. ويبدو ان كلام كلاوسفيتز "الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل اخرى" لم يترك اثراً على احد في القيادتين العليا السياسية والعسكرية في اسرائيل.

على كل من يفكر جدياً في مهاجمة المنشآت النووية في ايران مواجهة عدد من المسائل الاساسية: هل سيكون بامكاننا استعادة النجاح الذي حققناه في الهجوم الجوي على العراق عام 1981؟ هناك شك كبير. فالمنشآت الايرانية موزعة على اماكن مختلفة، بعضها موجود تحت الارض ومحمي ببطاريات للصواريخ المضادة للطائرات. وبغض النظر عن نتائج الهجوم من الواضح ان رد فعل ايران سيكون مثل رد فعل العراق على الهجوم على مفاعل تموز: فمساعي ايران للحصول على السلاح النووي ستتكثف ولن يتوقف المشروع وانما سيعرقل فقط.

ثمة مسألة اخرى: هل ستمارس ايران ضبط النفس كما اختار العراق ان يفعل بعد الهجوم عليه؟ من المنطقي ان يكون الجواب سلبياً. فبعكس العراق الذي كان حينئذ في ذروة حربه الشاملة على ايران وغير قادر على السماح لنفسه بفتح جبهة جديدة؛ ايران ليست في هذا الوضع فهي سترد على اسرائيل منزلة بها المصائب. وليس من الواضح ابداً ان بمقدورنا شن هجوم عسكري محدود من نوع ضربة كبيرة ننهي بها المسألة. فايران دولة غنية بالموارد وباستطاعتها ان تجر اسرائيل الى صراع عسكري طويل ومؤلم ربما بواسطة اتباعها في الشرق الاوسط. وسيكون لهذه الحرب بالاضافة الى الخسائر الكبيرة في الارواح تأثيرها المدمر على الاقتصاد الاسرائيلي. علينا ان نتذكر ان الحرب العراقية - الايرانية استمرت ثماني سنوات وأوقعت اكثر من مليون ضحية من الجانبين وكلفت نحو 1,2 تريليون دولار.

اذا كان صحيحاً ان ايران تشكل خطراً على وجود العالم الغربي كله كما يردد زعماؤه، على هذا العالم ان يأخذ على عاتقه المبادرة. من الخطأ ان تعتبر اسرائيل نفسها مقاولاً لتنفيذ مشروع الغرب، فقبولها بهذه المهمة المريبة سيزيد من اقتناع العالم الاسلامي عامة والعربي خاصة ان اسرائيل هي الممثل للاستعمار الغربي. كما ستعزز النظرة الى اسرائيل بصفتها جسما دخيلا ومعقل الصليبية في الشرق الاوسط،الامر الذي سيبعد أكثر فأكثر احتمالات التوصل الى اتفاقات سلام بين اسرائيل وجيرانها في المستقبل المنظور.

من الصعب معرفة مدى استعداد الدول الكبرى في الغرب لوضع حد للمشروع النووي الايراني بالوسائل العسكرية. ومن الواضح ان الحماسة الاميركية للتورط في مغامرة عسكرية في المنطقة قد تراجعت بصورة كبيرة بعد الغرق في الوحل العراقي. ولا يعني هذا ان الدول الغربية واسرائيل يمكن ان تقبل بوجود سلاح نووي ايراني. ربما علينا ان نغير طريقة التفكير والنظر الى مواصلة الشرق الاوسط السعي للحصول على السلاح النووي كأمر لا يمكن الحؤول دون حدوثه. وعلينا ايضاً ان ندرس من جديد البديهة القائلة ان حصول ايران على السلاح النووي (او اي دولة اخرى في الشرق الاوسط) معناه الهجوم النووي عاجلاً ام آجلاً على اسرائيل.

ان التحدي هو في التوصل الى اتفاقات سياسية في زمن توازن الرعب، حين لا تعود اسرائيل الوحيدة التي تملك سلاحاً غير تقليدي. اي عليها البحث عن سبل للتوصل الى اتفاقات سلام تقوم على الردع النووي المتبادل. لقد نجح هذا الامر بصورة جيدة في اماكن وأوقات مختلفة، ويمكنه ان ينجح ايضاً في الشرق الاوسط.

قد تكون وجهة النظر هذه مرفوضة بسبب الانقسام الحاد بين العالم المتقدم والعقلاني (الغرب) والعالم المظلم والاصولي (الشرق الاوسط المسلم) وكثيرون في دوائرنا قد يرفضون هذا السيناريو رفضاً قاطعاً. ولكن اصحاب هذا الرأي لا يعيرون انتباههم الى الواقع الايراني. وحتى لو كان هذا التقسيم التبسيطي والساذج صحيحاً، فان سلوك اسرائيل خلال العقدين الاخيرين لا يسمح لها بالانتماء الى الامم المتنورة والعقلانية لا سيما في ظل الحماسة الاصولية التي رافقت مشروع المستوطنات.

من هنا فوجهة النظر التي تتحدث عن حرب ثقافات في الشرق الاوسط لا تساعد على فهم طبيعة الصراع ولا تساعد على الاقتراب من حله وانما على العكـس من ذلك تعمل على استمراره.

وتفضل وجهة النظر هذه دائـــماً الخيار العسكري على السياسي، متذرعة "بعدم وجود من نتحاور معه او نتفاوض"، وفي حال قرر اصحاب هذه النظرة خوض هجوم على المنشآت الايرانية النووية فانهم يعكسون بذلك نظرتهم الكارثية الى الامور.

بروفسور محاضر في جامعة بن-غوريون

في النقب ومشارك في معهد (فان لير في القدس) عن «يديعوت احرونوت» الاسرائيلية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى