(الغدر) .. أصدق إنباء من الكتب

> أحمد عمر بن فريد:

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
من المنظور الأول.. وباستثناء الخاطفين أنفسهم، الذين أقدموا على خطف السياح الفرنسيين في محافظة شبوة، لم يختلف اثنان حتى من أهالي الخاطفين (أهل عبدالله بن دحة) على (تجريم وتخطيء) مثل ذلك العمل اللاإنساني بحق أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل في الأسباب الداعية إلى حجزهم كرهائن في جبال منطقة رفض الشاهقة، بمديرية الصعيد محافظة شبوة لمدة تجاوزت العشرة أيام تقريباً، ومن الجانب الآخر - وهو الأهم من الأول بكثير - لم يعلم الخاطفون الفتية المدفوعون إلى ذلك الفعل بإرادة قبلية بحتة (هُيئت) لها الظروف والأجواء والمعلومات الدقيقة، أن الجنسية الفرنسية بحد ذاتها، كانت ذات قيمة كبرى في عملية الاختطاف لدى (الغير) الذي ينظر إلى تلك الحادثة من منظار اقتصادي صرف، يستطلع به المشهد ككل، بدءاً من الجبال التي آوت (الفرنسيين) حتى مشروع الغاز (الضخم) في منطقة بلحاف بشبوة أيضاً!! وفي هذه المسألة دلالة كبيرة ومغزى أكبر .. أن الكثير من أبناء شبوة يتحركون في الاتجاه المعاكس لمصالحهم الذاتية، وفي الاتجاه المناسب لمصالح الآخرين المتناقضة مع مصالحهم!! من دون أن يعلموا في حقيقة الأمر البعد (العميق) لمثل تلك (التخريجات) المطبوخة بعيداً عنهم والتي يكونون أبطالاً لها (بالوكالة).

فيما يخص المنظور الأول فقد كان التحرك لإنقاذ الرهائن كما هي العادة ذا طابع قبلي بحث، حيث تقاطرت الشخصيات القبلية- ذات الاعتبار الكبير - في مساعيها الطيبة لإنقاذ الموقف ولحفظ ماء الوجه للدولة وللقبيلة معاً.. وشخصياً، كنت أتابع بشكل تفصيلي جميع الجهود الكبيرة التي كان يبذلها كل من الشيخ عوض بن الوزير والشيخ صالح بن فريد والشيخ محسن أحمد بن فريد، من أجل التوصل إلى حل مشرف لتلك القضية المحرجة إلى أن تمكن (ابن الوزير) من استخلاص (الرهائن الأجانب) بـ (رهائن محليين) وفقاً للعرف القبلي حتى يتم التعامل مع مطلب الخاطفين المتمثل في نقل (إخوانهم) المسجونين في (أبين) إلى صنعاء العاصمة ومحاكمتهم هناك بحسب النظام والقانون!

إلى هنا .. يبدو أن المسألة قد انتهت في - شقها الأول على الأقل - حتى أن الخاطفين، وبعد أن شعروا بالأمان، عادوا إلى الخروج وإلى ممارسة حياتهم الطبيعية على مشهد ومسمع من رجال الدولة - وخاصة أفراد الأمن - فيما يدل على أن التسوية القبلية التي حُلت بها القضية كانت بمثابة (الفصل الأخير) من تلك المسرحية المزعجة، إلا أن المنظور الآخر من القضية أو ما يمكن أن نطلق عليه (البعد الأعمق) قد آثر لحسابات أخرى ألا تنتهي القضية عند هذا الحد، وفضل وفقاً لما ذكرنا سابقاً من أبعاد وأسباب وجيهة! أن يسدل الستار على (المنظور الأول) فقط، عصر يوم الجمعة الماضي الموافق 29/9/2006م، حينما داهمت قوات الأمن المركزي بقيادة مدير أمن محافظة شبوة (شخصياً) منزلاً في مدينة حبان كان فيه بعض الأفراد الخاطفين، فتم تطويق المنزل وإطلاق ما في حوزتهم من ذخائر وقنابل ومسيلات الدموع، في مشهد بدا خارجاً عن المألوف لأبناء حبان ومغايراً لأجواء رمضان الكريم المسالمة، ومفاجئاً- حتى النخاع- لأهل الدار أنفسهم، وبدا واضحاً من تلك العملية العسكرية، أن كل رصاصة كانت تطلق فيها باتجاه منزل الدابسي كانت بمثابة طعنة غدر (لاتفاقية مشرفة) تم إبرامها قبلياً برضى وقبول تام من السلطة!

أما الطفل الرضيع (عواس الدابسي)- سنتان فقط- الذي كان داخل المنزل المهاجم، فلم يشفع له عصر يوم الجمعة المبارك ولا أيام رمضان الكريمة، صيانة روحه من الرصاصات التي استشاطت غضباً، فضربت الرضيع في مقتل محولة صورته البريئة التي التقطتها ونشرتها صحيفة «الأيام» يوم السبت الماضي إلى صورة مشابهة جداً لما تعودت أعيننا على مشاهدته لأطفال فلسطين المغدور بهم برصاص العدو الإسرائيلي في غزة أو في الضفة الغربية.. فنعم الربح ونعم الانتصار ونعم الإصابة، تلك التي حققها رجال الأمن في جسد الطفل الرضيع، وفي صميم اتفاقية كان يمكن أن ترفض قبل أن تكتب.

تبعاً لتلك الأحداث.. وكما هي العادة في النوائب والشدائد، تجمع أبناء قبائل شبوة عصر يوم الإثنين الماضي في قرن السوداء .. للتباحث في هذه القضية، إلا أن هذا الاجتماع لم يخلُ -مع الأسف الشديد- من أجواء (الغدر) التي طوقت بيت (الدابسي) في حبان، ليس من حيث قيمة التمثيل القبلي فحسب، وإنما من حيث التقاعس المهين لمن أسموا أنفسهم بـ (وجهاء شبوة)، وذلك هروباً من المواجهة مع من يعتقدون أنه متعارض مع مصالحهم (الذاتية)..!! وهي مصالح يمكن تفهمها في حال وجود مطالب من أي نوع كان، تهدف إلى تبرير الاختطاف، ولكن الأمر يتجاوز ذلك إلى ما هو أهم وأعمق وهو (الجانب الآخر) المرتبط بمصالح اقتصادية ضخمة في شبوة من جانب .. وإلى ما يمكن أن نسميه بالأمن والاستقرار الذي يمكن تحقيقه من بوابات مختلفة، ما عدا بوابة الكرامة الجماعية لأبناء المحافظة من جانب آخر.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى