> عبدالواحد محمد عبدالله:

من (اليسار) المدرس اليمني الوحيد في المدرسة مع زملائه
تعيش مدرسة بيدوا النموذجية Modern Baidoa School حالة صعبة بسبب الحرب الاهلية الممتدة منذ 16 عاماً في الصومال وتكمن المعاناة في تزايد تسرب التلاميذ بعد الالتحاق بها. تخرج منها العام الماضي 23 طالباً وطالبة فقط وما يعقد المشكلة أن هؤلاء الطلاب لم يجدوا فرصاً للعمل بعد تخرجهم بسبب استمرار الحرب وعدم شروع القادة ببناء الدولة.
وجاء بناء المدرسة في بيدوا كونها أقل المدن تضررا من ويلات الحرب ولم تشهد معارك دموية سوى في بداية التعسينات حين كانت تسمى مدينة الموت، والشاهد على ذلك آثار الحرب والدمار في كل المدينة، لكن المليشيات لا تزال منتشرة وتنقطع السيارات في ضواحي المدينة. وتقع بيدوا في جنوب غرب الصومال ولها حدود مشتركة مع كل من اثيوبيا وكينيا وعدد سكانها 800 ألف نسمة، وأهمية المدرسة للشعب الصومالي أنها تعنى في الاساس بتربية الجيل القادم بعيداً عن منطق السلاح، الخوف، الدمار، والحد من الأمية التي تفشت بسبب طول امد الحرب، والحفاظ على الهوية القومية والعقيدة، لكن هذه المهام النبيلة تصطدم بجدار العنف المسلح والأزمة الحالية بين قوات المحاكم الاسلامية والحكومة المؤقتة واتجاهها نحو التصعيد، خاصة بعد تضارب الأنباء حول دور القوات الاثيوبية داخل الصومال، وهناك خشية من أن تهاجم المحاكم الاسلامية بيدوا.

جانب من ساحة المدرسة
أنشئت مدرسة بيدوا النموذجية قبل مجيء الحكومة أي في فترة بروز المليشيات التابعة لأمراء الحرب عام 2001م، ولم تتعرض طيلة الفترة لانتهاك أفراد المليشيات فقد احترم أفراد الشعب الصومالي جهود الخير الإماراتية، وظلت المدرسة تمثل خيطاً من النور وسط دياجير الظلام.
تحيط مدرسة بيدوا النموذجية حديقة واسعة نبتت بسواعد الطلاب والمدرسين، كما تشق الازهار طريقا مستقيماً أمام الصفوف العشرين في الاتجاهين، وللمدرسة حافلات لنقل الطلاب ومكتبة واسع، و يتم التدريس فيها وفق المنهج الإماراتي. أما مرتبات المدرسين فيتم تحصيلها من رسوم التلاميذ وليس بخاف أن يعاني المدرسون مع تزايد تسرب التلاميذ فمن يدفع رواتبهم؟ دخلنا احد صفوف المرحلة الابتدائية فقامت فتاة لتغني للترحيب بنا فكانت أغنية لطيفة «أخي يا أخي ...»، وردد التلاميذ بعدها.
تحتل المدرسة مساحة واسعة بركن المدينة وعلى يمينها دار كبيرة للأيتام أقامتها شيخة فاضلة من الإمارات ايضاً، يعكس التعليم في المدرسة حالة المزاج الشعبي، فهم في توق شديد لتعلم الدين الإسلامي وأداته اللغة العربية بعد سنين من الاعتماد على اللغات الاجنبية في فترة ما قبل الحرب. يتم التدريس لكل المراحل في الابتدائية باللغة العربية أما في المرحلتين الإعدادية والثانوية فباللغة الانجليزية، وطاقم التدريس مؤهل بشهادات جامعية معظمها من مصر واليمن، وكل المدرسين صومال عدا محمد سالم ناجي صالح فهو يمني، وقد قال: «قدمت من البيضاء قبل خمس سنوات للبحث عن عمل وساعدني في الاتجاه الى هنا والدي».
كانت رحلتنا الى بيدوا أثناء اشتداد المعارك في مقديشو بين أمراء الحرب وقوات المحاكم الإسلامية، وغادرناها قبل ان تسيطر المحاكم على معظم مناطق جنوب الصومال.
ورغم التطورات الحالية فلن يكون هناك تأثير على مجريات الأمور في المدرسة كونها تسير في الاتجاه الذي اختطه الشعب.
قد تستقر الاوضاع في حال اتفاق الحكومة الانتقالية والمحاكم الشرعية على الدخول بشراكة في الحكم، ذلك قد يتيح الفرصة لخريجي هذه المدرسة للحصول على عمل واختفاء ظاهرة التسرب منها.. وقياسا على هذه الأوضاع تبقى المدرسة عاجزة عن أداء رسالتها الانسانية في وسط يقبِّل حلوق البنادق.ِ