رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> 1- محمود علي السلامي:الولادة والنشأة .. محمود علي محمد السلامي من مواليد قرية سفيان بسلطنة لحج عام 1931م، وآل سلام كثر وبرز العديد منهم في مختلف الجبهات، منها العمل الوطني والإداري والسياسي والتربوي وغيرها من القطاعات، وعن آل سلام أورد الامير أحمد فضل القمندان في كتابه المرجعي (هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن - ص 12): «المجحفة يسكنها آل سلام ومنهم الشيخ فضل بن علي العبدلي مؤسس السلطنة العبدلية».

تلقى محمود السلامي دراسته الأولية في حفظ القرآن وتعلم مبادئ القراءة والكتابة في قرية سفيان بسلطنة لحج، ثم انتقل إلى المدرسة المحسنية العريقة في الحوطة حاضرة السلطنة اللحجية (مدرسة الثورة حالياً)، ومن حوطة تبن إلى الشيخ عثمان وعزز مداركه هناك بجرعات إضافية في مدارسها الأهلية قربته من تخوم المستوى الثانوي، حيث عمل في وظيفة بسيطة بأحد البنوك، شكلت له مصدراً مالياً متواضعاً مكنه من الالتحاق بالصفوف النسائية، التي طورت مستواه في اللغة العربية وإلى حد ما في اللغة الانجليزية.

محمود السلامي بين مطرقة البناء الذاتي وسندان العواصف

محمود السلامي، بكل المقاييس هو رجل عصامي كافح من أجل بناء ذاته وشق الفيافي والقفار من أجل تلك الرسالة، فتراه بين حل وترحال، لا يستقر على حال، فها هو ينتقل من لحج الى عدن، ويعود لها ثانية حيث التحق بشرطة السلطنة اللحجية، فلم يجد طموحه هناك، فشد الرحال إلى المملكة العربية السعودية وزار عدداً من البلاد العربية، فلم يجد ما يحفزه على البقاء، وقفل راجعاً الى لحج ليستأنف عمله السابق في الشرطة وسرعان ما غسل يديه عنها (100 شاعر 600 أغنية يمنية - أحمد سيف ثابت وسالم علي حجيري ص 470).

بدأ تعامل محمود السلامي مع الشريعة والقانون من خلال عمله في الشرطة، وحقق تراكماً لا يستهان به من الثقافة القانونية والشرعية وكان مؤهلاً للعمل محامياً(وكيل شريعة متطور) في محاكم لحج، ولكن نفسه عافت ممارسة المهنة فقرر تحويل خط سيره واختار مهنة كتابة العرض حالات في المحاكم واختار مدينة الشيخ عثمان (بجوار المحكمة) عام 1970م وأصبح أحد فرسان المهنة حتى عام 2005م.

يؤكد الأخ عبدالقادر داود، مترافع امام المحكمة العليا للجمهورية في شهادة له أمام التاريخ وبمذكرة على الأوراق الرسمية لمكتبه بتاريخ 20 فبراير 1992م أن الأستاذ الجليل محمود علي السلامي، قد مد له يد العون في بداية ممارسته لمهنة المحاماة وكان خير مرشد وموجه له، ويرد في سياق الشهادة:

«لقد فتح لي الأستاذ القدير محمود علي السلامي، مكتبته التي تحتوي على كنوز لا تقدر بثمن جمعها طيلة سنوات عمره المديد من داخل أرض الوطن وخارجه يوم أن كان للقانون وزن ولرجاله تقدير ومكانة رفيعة يحسدون عليه» وعزز المحامي داود شهادته بان أورد قائمة بالكتب التي يسرتها له مكتبة الأستاذ السلامي منها «عوارض الأهلية» و«طرق الطعن والتظلم» و«الجريمة والمحاكم والقضاء» و«قانون الدبلوماسية» و«قانون منازعات المعاملات الدولية» و«إشكالات التنفيذ والقضاء الإداري» و«القانون المدني الليبي» و«قانون المرافعات المصري» و«قانون عدن» المترجم لحسين الحبيشي و«قانون البيئة في عدن» و«قانون حقوق المرأة السياسية بين الفقه والقانون» وغيرها من الكتب.

السلامي صاحب باع في الإبداع

الفن هو أرض تبن، حيث الخضرة والماء والوجه الحسن، بل وزادت عن ذلك عندما صدح صوت أحمد فضل القمندان بأغنية «يا فل ..يا ورد .. ياكادي». برزت إبداعات أرض وادي تبن وتفجرت كلمات وألحاناً وأداءً وذاع صيتها بين المتلقين في أرجاء شتى، وفي ذلك المناخ نشأ محمود علي السلامي وترعرع وأبدع مؤلفاً وملحناً وعازفاً، حيث تأثر بجهابذة تبن من رجالات الفن والأدب وفي صدارتهم الأستاذ عبدالله هادي سبيت والشاعر المعروف الأستاذ صالح فقيه وتشبع السلامي بفن أحمد فضل القمندان وفضل محمد اللحجي.

لمحمود السلامي ثمانية دواوين وهي:

1- يا بلادي أنت أمي وأبي.

2- ساكت ولا كلمة.

3- مساجلات الدان.

4- فين المواعيد يا عيد.

5- نفحة من الإيمان «ديني».

6- شفنا الغلائب يا زمن.

7- الصادقون.

8- الحب والقيل والقال.

السلامي صاحب «ساكت ولا كلمة.. صابر ولا رحمة»

للسلامي عدة قصائد مغناة قدمها أحمد يوسف الزبيدي وفيصل علوي وهيام يونس وسعودي أحمد صالح وعبدالكريم توفيق وكاميليا ومحمد علي الدباشي وأحمد تكرير وطه فارع ووضاح كرد والطفل الصغير رزق وآخرون. من قصائده المغناة:

- حبيبي لو جفا.

- كيف افعل بقلبي.

- على شانه.

- الحب حالي ومر.

- ياريت والله.

من قصائده المغناة أيضاً «ساكت ولا كلمة» يقول في مطلعها:

ساكت ولا كلمة

صابر ولا رحمة

بتألم وانا ساكت

بتظلم وانا ساكت

النظرة بكاء فيها

والضحكة شكا فيها

ولاقد جيب بتكلم

عجم حلقي ولا كلمة

وأغنية «يا ساكنة مهجتي» جاء في مطلعها:

يا ساكنة مهجتي

بين الحشا والروح

وناسية لوعتي

زاد السهر والنوح

لو تنظري دمعتي

في الليل لما تسيل

وتسمعي أنّتي

باتشفقي لي قليل

السلامي ونصيبه من التكريم

حظي المبدع الكبير محمود علي السلامي بنصيب متواضع من التكريم لأربع مرات أولاها عام 1997م في مهرجان القمندان بلحج، حيث كرمه وزير الثقافة الأسبق الاستاذ يحيى العرشي، كما كرمه محافظ عدن السابق الأستاذ يحيى محمد الشعيبي، ومدير عام مكتب الثقافة بعدن الأستاذ عبدالله باكداده، كما كرمه الأستاذ خالد الرويشان، وزير الثقافة عام 2004م في العاصمة صنعاء، وكرم في العام 2006م من قبل فرع المؤتمر الشعبي بمديرية دارسعد ومدير عام المديرية.

السلامي وحقوقه المغتصبة

أفصحت الشيخوخة عن نفسها مظهراً وجوهراً في شخص هذا المبدع الكبير وهي الضريبة الحتمية التي يدفعها الإنسان كلما تقدم به العمر حتى أرذله فما بالكم إن صحبت ذلك التقدم في العمر متاعب وتبعات المرض وهجمات الذئاب البشرية على أرضه في منطقة السيلة، ويشهد القاصي والداني وأنا أحدهم بأن محمود علي السلامي استصلح مساحة أرض في تلك المنطقة وحولها إلى بستان حوى كل ما لذ وطاب من الفواكه والخضروات.

تقطعت أنفاس هذا الشيخ وهو لا يصارع وحوش البحر كما صور ذلك ارنست همنجواي وإنما يصارع وحوش البر طيلة 16 عاماً، ولا أحد يرحم شيخوخته وعياله التسعة وهو الرجل الذي لا يتقاضى معاشاً باعتباره أحد المبدعين ويبدو أن صراعه مع الباطل سينتهي لحظة نزوله إلى القبر وصعود روحه إلى رافع السماء بلا عمد لتشكو له ظلم العباد.

2- محمود أحمد نجاشي:

الولادة والنشأة

محمود أحمد محمد نجاشي من مواليد قسم (B) بمدينة الشيخ عثمان في 18 مايو 1944م ونشأ فيها وتلقى تحصيله الاولي من القرآن الكريم في كتاتيبها، وتلقى دراسته الابتدائية والمتوسطة في مدينة الشيخ عثمان، وتلقى دراسته الثانوية في المدرسة الثانوية الحكومية بمدينة خورمكسر (ثانوية الفقيد غانم حاليا) وذلك خلال الأعوام الدراسية 1959، 1960، 1961، 1962، 1963م ومعد هذه الحلقة من زملاء دراسته الثانوية.

غادر محمود نجاشي مدينة عدن عام 1964م الى الاتحاد السوفيتي سابقاً ضمن اول بعثة طلابية لمنظمة الشبيبة اليمنية (منظمة السلفي للشبيبة الديمقراطية اليمنية لاحقا) للدراسة الجامعية ورافقه في تلك البعثة زميله المهندس احمد سيف عبدالمجيد رحمه الله، واستقر به المقام اولا في مدينة كييف حاضرة جمهورية اوكرانيا حيث قطع شوطاً في دراسة الطب، إلا انه بدل مجال تخصصه من الطب إلى الحقوق وفقاً لرغبته الخاصة. غادر تبعا لذلك الى موسكو العاصمة والتحق بكلية الحقوق التابعة لجامعة الصداقة (أو جامعة لومامبا للصداقة مع الشعوب).

النجاشي رئيساً لرابطة الطلبة اليمنيين

مارس محمود نجاشي العمل السياسي والحزبي والجماهيري في مرحلة مبكرة من عمره في صفوف الاتحاد الشعبي الديمقراطي بقيادة الشخصية الوطنية البارزة المغفور له بإذن الله عبدالله عبدالرزاق باذيب، ثم عمل من خلال (المنظمة المتحدة للشبيبة اليمنية الديمقراطية) بقيادة امينها العام الشخصية الوطنية والنقابية البارزة المغفور له بإذن الله عبدالله عبدالمجيد السلفي (لمزيد من التفاصيل راجع: محمود نجاشي .. التواضع الثوري - سلطان أحمد زيد صحيفة «الثوري» 22 يونيو 2006م).

تأسس الاتحاد الشعبي الديمقراطي في يناير 1961م ومن أبرز قادته ومؤسسيه عبدالله عبدالرزاق باذيب، الأمين العام منذ تأسيسه وسعيد باخبيرة وشيخ سميح وفهيم عبدالقادر وعلي باذيب وعبدالرحمن عبدالله إبراهيم وصالح حسن محمد وزكي بركات وأحمد إبراهيم أبكر وعبدالله أحمد بكير ومحمود النجاشي حسن وسلطان زيد وحسن عبدالله سيف عزعزي (حسن أوسان) وحسن أحمد السلامي وعوض الحمزة محمد وعبدالرحمن خبارة وأبوبكر باذيب وعفيف عبدالله محمد إبراهيم وسعيد راوح وقادري علوان وحامد جامع وعبدالله شرف سعيد وعمر الحامدي وفاروق مصطفى رفعت وفريد بركات وفاروق علي أحمد ومحمد عبدالله بامطرف وعبدالعزيز شيبان. (الحركة الوطنية اليمنية، من الثورة الى الوحدة: سعيد أحمد الجناحي - ص 722 ).

أسس محمود نجاشي بعد وصوله إلى الاتحاد السوفيتي فرعاً لمنظمة الشبيبة (لمبعوثي المنظمتين: الاتحاد الشعبي الديمقراطي وجناحه الشبابي: منظمة الشعبية اليمنية الديمقراطية، التي عرفت لاحقاً بتسميتها المختصرة «منظمة السلفي» بعد اغتياله في صباح الخميس الموافق 28 ابريل 1966م امام منزله) ونشط محمود نجاشي كثيرا في العمل السياسي والطلابي داخل الاتحاد السوفيتي، ونجح في دورتين أو ثلاث دروات انتخابية وتقلد رئاسة رابطة الطلبة اليمنيين في الاتحاد السوفيتي وتعددت وتنوعت انشغالاته وارتباطاته التي دعت في معظم الأحايين الى تنقلاته خارج موسكو وكان ينوبه في أعمال المنظمة زميله سلطان زيد. (مرجع سابق - «الثوري»).

محمود نجاشي في موقع حزبي قيادي

عاد محمود نجاشي من موسكو حاملاً معه الماجستير في القانون الدولي وحاملاً معه ايضاً مرتبته الحزبية القيادية في عضوية اللجنة المركزية للاتحاد الشعبي الديمقراطي، الذي دخل حوار الفصائل (التنظيم السياسي الجبهة القومية وحزب الطليعة الشعبية) الذي توج بتشكيل التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية في 5 يناير 1975م، وانتخبت اللجنة المركزية عبدالفتاح إسماعيل أمينا عاما، وسالم ربيع علي أمينا عاما مساعدا، وانتخبت هيئتها القيادية (المكتب السياسي) التي ضمت عبدالله عبدالرزاق، الامين العام السابق للاتحاد الشعبي الديمقراطي، وأنيس حسن يحيى، الأمين العام السابق لحزب الطليعة الشعبية وغيرهما. احتفظ محمود نجاشي بعضويته في اللجنة المركزية.

عقد التنظيم السياسي الموحد المؤتمر التأسيسي لقيام الحزب الاشتراكي اليمني في اكتوبر 1978م بعد الإطاحة بسالم ربيع علي (سالمين) في حركة انقلابية في 26 يونيو 1978م، والذي نسبت له زوراً وبهتاناً الحقيبة المفخخة التي أودت بحياة رئيس الشطر الشمالي أحمد حسين الغشمي قبل يومين من الإطاحة بالرئيس سالمين. احتفظ محمود نجاشي بعضويته في اللجنة المركزية للحزب.

محمود نجاشي من اللجنة المركزية إلى اللجنة الدائمة

انشق الحزب الاشتراكي اليمني بقواميه المدني والعسكري إلى جماعتين وصلت ذروة التناحر بينهما في 13 يناير 1986م بمواجهة مسلحة حسمت لصالح طرف سماه المجتمع «الطغمة» وسمي الطرف الخاسر بـ «الزمرة»، التي نزح معظم أفرادها الى صنعاء وكان من ضمنهم محمود نجاشي، الذي انضم إليهم لاحقاً.

بعد قيام دولة الوحدة، عقد المؤتمر الشعبي العام مؤتمراً تكميلياً وتم استيعاب او انتخاب أعضاء قياديين زمراويين كان من ضمنهم محمود نجاشي وأحمد قعطبي وحسن السلامي وأحمد مساعد حسين وعبدالله أحمد غانم وعبدالقادر باجمال وقياديون آخرون مدنيون وعسكريون.

النجاشي ومشوار طويل فاتحته الادعاء العام وخاتمته معهد المؤتمر الشعبي العام

بعد عودة محمود نجاشي من موسكو في بداية سبعينات القرن الماضي عمل ممثلاً للادعاء العام في شرطة الشيخ عثمان، وعين بعد ذلك مديراً عاماً للدائرة القانونية بمجلس الوزراء ثم نائبا لوزير الثقافة والسياحة فوزيراً للثقافة والسياحة فنائباً لسكرتير دائرة العلاقات الخارجية للحزب الاشتراكي اليمني حتى أحداث يناير 1986م، حيث تعرض للاعتقال والسجن لمدة عام واحد.

انتخب محمود نجاشي في المؤتمر الشعبي العام الخامس للمؤتمر الشعبي العام عضوا في هيئة الرقابة التنظيمية والتفتيش المالي، وتم ترفيعه ليصبح نائباً لرئيس تلك الهيئة ورئيسا لدائرة الرقابة التنظيمية. عين محمود نجاشي في العام 1999م مديراً لمعهد الميثاق الوطني وعضوا في الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي العام. بعد انعقاد المؤتمر السابع للمؤتمر الشعبي العام عين محمود نجاشي نائباً لمدير معهد الميثاق للتدريب والدراسات والبحوث والإصدار لشؤون التدريب حتى وفاته.

محمود نجاشي والرحيل المفاجئ

في صباح الثلاثاء الموافق 30 مايو 2006م انتقل محمود أحمد نجاشي إلى جوار ربه في منزله بالعاصمة صنعاء إثر نوبة قلبية مفاجئة، وتم نقل جثمانه إلى عدن حيث شيعت جنازته يوم الخميس الفاتح من يونيو 2006م الى مثواه الأخير بمقبرة الرحمن بالمنصورة.

خلف محمود نجاشي ولدين هما: (1) الشفيع، الذي انتقل الى جوار ربه بعد أحداث يناير 1986م المؤسفة و(2) أوسان، يعالج ويدرس في لندن، العاصمة البريطانية.

استدراك

ورد في حلقة الأحد الماضي أن من الطلاب الذين درسهم الأستاذ وهبي عقبة كان علي أحمد السلامي والمقصود هو د. علي أحمد السلامي، وكيل وزارة الصحة العامة والسكان حالياً، لأن المناضل الوطني علي أحمد ناصر السلامي، صاحب أسبقية في سلك التدريس وكان في تلك الفترة مدرساً في المدرسة الابتدائية الحكومية الشرقية (مدرسة ردفان حالياً) بمدينة الشيخ عثمان بعدن وأحد أساتذتنا في تلك الفترة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى