نوبل لرائد بنك المعدمين

> فاروق لقمان:

>
فاروق لقمان
فاروق لقمان
شعرت بسعادة بالغة عند سماعي نبأ منح جائزة نوبل للسلام للأستاذ محمد يونس البنغلاديشي الرائد الأكبر الذي أنشأ بنك جرامين - القرية - عام 1976. وكنت قد كتبت عنه عدة مقالات و تحدثت إليه وأطلقت على مؤسسته «بنك المعدمين» لأنه كان حقا تطبيقا لفكرة رائعة اعتقد معظم الناس أنها خيالية أو من هلوسات الأستاذ محمد. لكنه أثبت جدارتها وطبقها بنجاح وبصبر وأناة وتنظيم أفاد ملايين الفقراء في بلادهم لسبب أو لعدة أسباب منها أن البنوك عادة لا تقرض إلا القادرين على السداد بأسرع وقت ممكن وبأكبر فائدة مصرفية، لا يهمها الفقير المحتاج إلى دراجة ركشو أو الأرملة التي تتمنى آلة خياطة من نوع سينجر المشهورة في شبه القارة الهندية، ولا المزارع البائس الذي يفتقر إلى بذور لأرضه أو الرجل الذي ينوي لو استطاع فتح مطعم متواضع، وألوف مثلهم في كل مجال. حتى جاء هذا الرجل الجبار لينفذ فكرته الرائعة ويمد يد المساعدة إلى ملايين المعدمين وتجعل منهم قادرين على دخول معترك الحياة بكرامة واستقلال وبغير فوائد مصرفية قاصمة للظهور.

فهنيئا له ولبنك جرامين وأهم منهما المواطنين المعدمين سابقا الذين استفادوا من محمد يونس.

وبنك الخير الذي خلقه لمن كانوا من أفقر طبقات المجتمع في واحدة من أفقر دول العالم وصفوها - منهم هنري كيسنجر - يوم مولدها بأنها أكبر ماعون تسول في العالم. وأتذكر أنني تلقيت مكالمة هاتفية من مسؤول في مؤسسة حكومية يمنية من عدن بعد قراءة مقالي عن محمد يونس في هذه الجريدة الزاهرة وسألني إن كان بوسعي أن أمده بمعلومات إضافية عن البنك وأساس فكرته أو فلسفته وكيفية تنفيذها على أرض الواقع. ولعله هو وزملاءه كانوا ينوون تأسيس بنك مماثل للمعدمين. فأشرت إليه أن يتصل بالمركز الرئيس في العاصمة داكا ويطلب منهم تزويده بما يريد أو فتح موقع البنك في الأنترنت و إنزال بعض مواده الزاخرة وطبعها وتلخيصها وتقديمها لأعضاء المجلس أو اللجنة التي تكونت لهذا الغرض. وعرضت خدماتي المتواضعة للمساعدة لأن مشروعا مثل ذلك يتطلب تعاونا وثيقا مجانيا فهو أشبه بالصدقة الجارية على مدار العمر.

ويكفي أن البنك اليوم ملك لسبعة ملايين مواطن فقير - أو معدم سابقا -إلى حد تسعين بالمائة من أسهمه والباقي للحكومة. ولا يمتلك محمد يونس ثمن ساندوتش فهو يحاضر في الجامعة ويقيم أوده براتبه ويعيش في بنجله - كلمة انكليزية محرفة من بنجلا التي تحولت إلى دولة بنغلاديش، ونستعملها في عدن لتعني فللا صغيرة - ويهب ما تبقى له من الوقت والعمر لبنك المعدمين.

لا أعرف مصير الفكرة اليمنية التي حاول روادها الاقتداء ببنك جرامين. لكنني كنت أعرف أنها لو طبقت بمنهجية وعلى أسس علمية كما حدث لجرامين - مع أمانة في الأداء ونزاهة كاملة في التعامل - لأفادت عشرات الألوف في الناس جنوبا وشمالا خصوصا وأن شروطها ميسرة ولا يمارس البنك ضغوطا خارقة على المقترضين لأن المبالغ صغيرة والفوائد أصغر. وأكدت التجربة البنغلاديشية أن المقترضين أحرص من الآخرين في البنوك التقليدية على تسديد ديونهم بأسرع وقت ممكن ثم إيداع بعض أرباحهم التي كانت أمرا خياليا سابقا في البنك نفسه. وقال الرائد الأمين محمد أكثر من مرة إنه انبهر من أمانة الناس وحرصهم على السداد. وكان يشكر الله كثيرا كلما زار أرملة وقد زادت ثراء بازدياد عدد مكائن الخياطة أو أنها اشترت الموديلات الكهربائية الجديدة. وذرف عدة دمعات ذات مرة وهو يزور سيدة مطلقة تركها زوجها بعدة أطفال وهي تدير مشغلا للملابس المصنوعة مع جهاز حديث لإنتاج الزراير وقد تمكنت من إرسال أطفالها إلى المدارس القريبة. ولما دعت له وحاولت تقبيل كفيه تدفقت دموعه وطلب منها أن ترفعهما إلى السماء شكرا لله سبحانه وتعالى.

أعود مرة أخرى إلى المشروع اليمني لأنني لم أسمع عنه بعد ذلك وأدعو الله أن يوفق الأخوة الذين فكروا به بعد قراءة مقالي في «الأيام» أن يواصلوا جهودهم نحو تحقيقها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى