عن أي مهام إنسانية يتحدثون؟!

> أحمد عمر بن فريد:

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
عن طريق الصدفة المحضة.. التقى بي في أحد الأسواق، واحد من أكثر الكوادر الإدارية التصاقاً ومعرفة بأسرار وخبايا مستشفى الجمهورية التعليمي بعدن، فأصر على أن يتحدث معي بإسهاب طويل عن جملة من القضايا المتعلقة بحال المستشفى ووضعه الراهن، ومعاناته وهمومه ومتاعبه، وكان واضحاً أن (صاحبي) مثقل بالهموم ومحبط من الحال الراهن لهذا الصرح الطبي الذي كان ذات يوم - غير بعيد - واحداً من أرقى وأفضل مستشفيات الشرق الأوسط قبل أن يتبدل به الحال، ويغدر به الزمن ليتحول مع مرور السنين، وتبدل الكراسي وتغير الأنظمة إلى (شيء ما) يمكن أن يقال عنه (مجازاً) .. بأنه مستشفى عام!

شكا لي بمرارة كبيرة عن حجم اللوم والعتب والاتهامات المجحفة، التي تطالهم (ككادر إداري وطبي) من قبل الجهات المسؤولة في المحافظة ووزارة الصحة، مقارنة بحجم (الإمكانيات) التي (تمنّ) بها هذه الجهات الرسمية على هذا الصرح الطبي (اليتيم)، وذكر لي بالأرقام وليس بالنظريات ما يمكن أن يضع أكثر من علامة استفهام كبيرة أمام من يتحدثون اليوم كثيراً عن المواطنة المتساوية، وعن غياب الدور الإنساني للمستشفى، وعن التسيب والإهمال والتقصير واللا مسئولية.. وهي أرقام ستبدو للوهلة الأولى، بالنسبة للقارئ الكريم أرقاما غير واقعية، ولكنها كذلك.. مع الأسف الشديد.

الأمانة.. والحيادية.. والإنسانية.. وحتى دواعي وشروط المواطنة المتساوية، تحتم علينا أن نضعها هنا، للمقارنة، وللاستشهاد، وحتى تقوم بدور (جرس الإنذار) الذي نتأمل أن يسمع (رنينه الحزين) من يطالب هذا المستشفى وطاقمه بما هو أقرب من المستحيل! ولمن يطالب هذا المستشفى أن يؤدي دوره الانساني ولو بمستوى الحد الأدنى، لأن المواطن (المريض) الذي سيقصد وسينشد (العافية) في عنابر هذا المشفى تحديداً، حتماً سيصاب بخيبة الأمل وبالإحباط وربما الكآبة أمام ما سيجابهه في مشواره الطويل الحزين، من أمور ناتجة عن شحة الإمكانيات وانعدام التجهيزات الطبية وقلة الاهتمام الحكومي، وما سينتج عن ذلك من تبلد في الأحاسيس والمشاعر الإنسانية للأداء الطبي ككل.

قال لي (صاحبي) إن هذا المستشفى لم يحصل ولو على سيارة إسعاف واحدة من أي جهة كانت، منذ ما قبل الوحدة اليمنية حتى يومنا هذا!! وإن سيارات الإسعاف المتاحة والقليلة جداً هي عبارة عن (مراكب سير) يمكن أن نطلق عليها مجازاً (سيارات إسعاف) وهي خالية تماماً من أبسط مستلزمات وتجهيزات الإسعاف الأولي!!.. كما أنها تعتبر (ميكانيكياً) عربات خارجة عن الجاهزية.

أما ميزانية المستشفى المالية المخصصة، فهي حكاية وقصة لوحدها، وهي أمر يدعو للاستغراب وللدهشة، ويضع أكثر من علامة استفهام مستحقة أمام دلالات هذه الميزانية (الهزيلة) التي لا تتجاوز (60 مليون ريال يمني) سنوياً، في الوقت الذي تبلغ فيه ميزانية (مستشفى الثورة) بصنعاء حد (الثلاثة مليارات ريال)!!.. فأي وجه للمقارنة ما بين الحالين؟ وأي مبرر مقنع يمكن أن يحدثنا به أي مسؤول عن حجم الإجحاف الكبير هذا الذي يطال مستشفى الجمهورية بعدن.. وهو الصرح الطبي العملاق ذو التاريخ العريق!

إن هذا (الضيم) الواضح والفاضح ما بين الموازنتين للمستشفيين.. سيترتب عليه ضيم آخر بالضرورة، وسينال منه (المواطن المريض) حصته ونصيبه، وذلك حينما ستبلغ تكلفة السرير في مستشفى الجمهورية (390 ريالا) فقط في اليوم الواحد، في حين ستبلغ تكلفة السرير في مستشفى الثورة (200 دولار) يومياً فقط!!.. وفي وضع كهذا، سنجد أنه من المحتم ومن الواجب، على مدير مستشفى الجمهورية (الموقوف عن العمل بسبب التقصير)!! أن يتولى شخصياً أمر النظافة في المستشفى، وإلى جانبه جميع الكوادر الطبية والإدارية، وعليه تبعاً لذلك أن يحارب ويكافح بنفسه جيوش (الصراصير والحشرات الضارة) عطفاً على مخصص النظافة (الضخم)!! الذي يصل إلى حد نصف المليون ريال شهرياً، وهو رقم لا يمكن مقارنته بما يوازيه للنظافة في (الثورة) والبالغ (36 ألف دولار)!!

الكثير من الأرقام طرحت أمامي من قبل قائلها بمسؤولية وثقة واضحة، والكثير من الملاحظات قيلت بما يشبه الاستغاثة العاجلة إلى من يهمهم أمر الصحة العامة في هذا الصرح الطبي المظلوم والمنكوب بفعل ما هو متاح له من إمكانيات ضئيلة، لا يمكنها - بأي حال من الأحوال - أن تفي بغرض رفع مستوى أدائه وعمله، حتى ولو قرر القائمون عليه أن (يعسكروا) داخل مكاتبهم طوال ساعات اليوم طواعية وتطوعاًَ منهم.. هذا فقط عن حال مستشفى واحد من المستشفيات العامة بعدن، ولا أعتقد أن بقية المستشفيات أوفر حظا أو أيسر حالاً.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى