أيــام الأيــام .. الفرس من قهوجي عدن إلى إمبراطورية تاتا

> فاروق لقمان:

>
فاروق لقمان
فاروق لقمان
كانت دار ومكاتب «فتاة الجزيرة» التي أغلقها الحكم الذي ورث الاستعمار البريطاني عام 1967م وصادر كل ممتلكاتها من عقار ومحتوياتها من آلات، متاخمة لدار تجارية تمتلكها شركة قهوجي دنشاو. وهي كما يدل اسمها تنتمي إلى طائفة الفرس نسبة إلى فارس الإيرانية لأنهم هاجروا إلى الهند بعد الفتح الإسلامي لإيران. فسموهم الهنود «بارسيز» واعتمدها البريطانيون بعد ذلك اسماً لواحدة من الطوائف التي استوطنت شبه القارة حتى اليوم.

بالإضافة إلى قهوجي كانت هناك شركات فارسية أخرى منها بالنجي وبيكاجي في شارع محمد علي لقمان، وأدلجي في أول شارع الزعفران وفي التواهي حيث سيطروا على الملاحة وتمويل السفن وعلى رأسهم شركة كيكي منشرجي.

كانت الطائفة ولا تزال صغيرة لأنها لا تقبل دخلاء عليها إلا بالولادة لذلك تناقصت أعدادها حتى لم يعد منها سوى مائة ألف في الهند سيما مدينة ممباي. حتى في عدن كان عددهم محدوداً ومحصوراً في حي خاص بهم يقع تحت المستشفى الأهلي القديم بحافة حسين على يسار طريق الطويلة.

ولما استقل الجنوب نزح الفرس بأجمعهم إلى بريطانيا والخليج والهند حيث التقيت ببعضهم وكان منهم زملاء في الجامعة. ولفت نظري من قبل ومن بعد عبقريتهم الاقتصادية ونجاح العديد في مجالات الطب والهندسة. وبرز منهم جامشدجي تاتا أشهر وأغنى من في الهند حتى أن أحفاده بنوا مدينة صناعية سموها تاتا ناجر واشتروا قبل أيام أكبر شركة صلب بريطانية اسمها كورس بعدة مليارات من الدولارات دفعة واحدة. وتحولوا إلى إمبراطورية تجارية صناعية فندقية تساوي مليارات الدولارات.

ولابد أن القارئ الكريم يعرف أنهم يمتلكون شبكة فنادق راقية في الهند ويديرون عدداً منها بالمقابل لصالح غيرهم ومنها فندق تاج - سبأ في العاصمة اليمنية الذي نزلت فيه خلال العام الجاري رغم مرور ثلث قرن على بنائه وحاجته إلى عملية تجديد واسعة لأنه أحد علامات صنعاء الرئيسية. وهناك فندق تاج في دبي وعشرات في الدول الأخرى كما أن الماركة نفسها باتت تعني الجودة والتميز والنجوم الخمس.

استطاع الفرس الذين لا يسمحون لأحد باعتناق ملتهم التي أسسها زردشت الإيراني قبل المسيحية بألف وأربعمائة سنة أن يحتفظوا بهويتهم وتميزهم في كل مجال طرقوه ومارسوه حتى أنهم يحتلون بعض أرفع المراكز الرسمية في بلاد تضم ألفاً ومائة مليون نسمة فيها مائة وخمسون مليون مسلم وثمانمائة مليون هندوكي والبقية من السيخ والبوذيين والمسيحيين وعدد متزايد من العلمانيين لأن دستور البلاد ينص على علمانية الدولة وعدم التدخل في معتقدات الناس الخاصة.

والجدير بالذكر أن الزعيم الهندي المسلم الراحل محمد علي جناح - الأصح جنة نسبة إلى عشيرته الشيعية - تزوج فتاة فارسية اسمها «داتي» بعدما اعتنقت الإسلام وأنجبت له بنتاً سماها دينا. ولما اختلف معها تركته ومعها ابنتهما. وتوفى الزعيم عام 1948م في باكستان التي جعل منها دولة إسلامية رحب إليها بكافة الطوائف ومنها الهندوكية والفارسية لتكون أنموذجاً لدولة التسامح والتعايش بين كل الأديان والملل والمعتقدات. ولما كبرت دينا تزوجت فارسياً اسمه وادياً وأنجبت ابناً اسمه نوصلي يمتلك اليوم شركة تعتبر الأكبر في صناعة الأقمشة ويعرفها كافة المستوردين باسم «ممباي داي إنج كمبني».

ويواجه الفرس حالياً مشكلة عويصة جداً لأنهم يتركون جثامين موتاهم على شبكة حديدية في قمة برج لتأكلها الكواسر بدلاً من دفنها أو إحراقها.

ولأن الكواسر تواجه خطر الانقراض في ممباي لأسباب عديدة احتار الناس في كيفية التخلص من الموتى كما جرت العادة. ولم يقبل أئمتهم فكرة البدائل الأخرى مما يضطر الناس إلى الانتظار عدة أيام ليكتمل التهام أحبابهم. وكانوا يفعلون الشيء نفسه في برج تابع لمعبدهم الملاصق لحدائق الطويلة بكريتر.

أما الذين هاجروا منهم إلى أمريكا الشمالية وأوروبا فلم تعد المرحلة الختامية تهمهم كثيراً لأنهم قد تركوا طقوسهم كافة ولم يعودوا يبالون بما سيحدث لهم بعد وضعهم في توابيت خشبية لدفنها كما يفعل الآخرون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى