ليلة القدر

> «الأيام» عبدالقادر بن عبدالله المحضار:

> عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال:(قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) رواه الخمسة غير أبي داود وصححه الترمذي والحاكم، قال الحافظ ابن رجب: العفو من أسماء الله تعالى، وهو يتجاوز عن سيئات عباده، الماحي لآثارها عنهم وهو يحب العفو، فيحب أن يعفو عن عباده، ويحب من عباده أن يعفو بعضهم عن بعض، فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه وعفوه أحب إليه من عقوبته، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك) وجاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً:(إن الله ينظر ليلة القدر إلى المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيعفو عنهم ويرحمهم إلا أربعة: مدمن خمر وعاقاً ومشاحناً وقاطع رحم).

وإنما أمر بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها، وفي ليالي العشر لأن العارفين يجتهدون في الأعمال ثم لا يرون لأنفسهم عملاً صالحاً ولا حالاً ولا مقالاً فيرجعون إلى سؤال العفو كحال المذنب المقصر، قال ابن علان في الفتوحات الربانية: (وفي الخبر دليل على أن الأليق بالإنسان لما جبل عليه من إيثار شهواته، الابتهال إلى الله عز وجل في مواسم الخيرات ومواطن إجابة الدعوات)، وأعلم أن من أهم الدعاء في مثل هذه الأوقات المباركة سؤال الله الجنة والاستعاذة من النار، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(حولها ندندن) فالصائم ترجى استجابة دعائه سيما في مثل ليلة القدر فينبغي أن لا يدعو إلا بأهم الأمور، وفي الحديث النبوي:(تعرضوا لنفحات ربكم فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده فمن أصابته سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً)، وأعلم أن من أعظم نفحات الله مصادفة دعوة الإجابة، قال الله تعالى:{فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} وقال تعالى:{فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها أبداً ما دامت السموات والأرض إلا ماشاء ربك إن ربك فعال لما يريدü وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير محدود}.

عباد الله إن شهر رمضان قد عزم على الرحيل ولم يبق منه إلا القليل، فمن منكم أحسن فيها فعليه التمام ومن فرط فليختمه بالحسنى والعمل بالختام.

فاستغنموا منه ما بقي من الليالي اليسيرة والأيام واستودعوه عملاً صالحاً يشهد لكم به عند الملك العلام، وودعوه عند فراقه بأزكى تحية وسلام، لقد ذهبت أيامه وما أطعتم وكتب عليكم فيه آثامه وما أضعتم، وكأنكم بالمستمرين فيه وقد وصلوا وانقطعتم أترى ما هذا التوبيخ لكم أو ما سمعتم.

ماضاع من أيامنا هل يغرم ؟

هيهات والأزمان كيف تقوم يوم بأرواح تباع وتُشترى

وأخوه ليس يسام فيه درهم
قلوب المتقين إلى هذا الشهر تحن، ومن ألم فراقه تئن، كيف لا تجري للمؤمن على فراقه دموع؟ وهو لا يدري هل بقي له في عمره إليه رجوع، أين حرق المجتهدين في نهاره؟ أين قلق المجتهدين في أسحاره كيف حال من خسر في أيامه ولياليه؟ وماذا ينفع المفرط فيه بكائه وقد عظمت فيه مصيبته وجل عزائه، كم نصح المسكين فما قبل النصح؟ كم دعي إلى المصالحة فما أجاب إلى الصلح؟ كم شاهد الواصلين فيه وهو متباعد؟ كما مرت به زمر السالكين وهو قاعد؟ حتى إذا ضاق به الوقت وخاف المقت ندم على التفريط حين لا ينفع الندم، وطلب الاستدراك في وقت العدم!!

يا شهر رمضان ترفق دموع المحبين، تدفق قلوبهم من ألم الفراق، تشفق عسى وقفة للوداع نطفئ من نار الشوق ما أحرق، عسى ساعة توبة وإقلاع ترفو من الصيام كل ما تخرق، عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق، عسى أسير الأوزار يطلق، عسى من استوجب النار يعتق.

روي عن بعض السلف الصالح أن الله أخفي أربعة في أربعة: ليلة القدر في رمضان ليجتهدوا في إحياء جميع لياليه طمعاً في إدراكها، وساعة الإجابة في يوم الجمعة لذلك، والصلاة الوسطى في الصلوات الخمس ليجتهدوا في أداء جميعها رجاء الموافقة، والاسم الأعظم في أسمائه الحسنى ليدعوه بكلها ابتغاء المصادفة، وأخفى رضاه في طاعته كيلا يترك شيئاً من الطاعات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى