دروس مستفادة (5)

> محفوظ سالم شماخ:

>
محفوظ سالم شماخ
محفوظ سالم شماخ
الإعلام بأنواعه أصبح أحد الأعمدة الرئيسية التي تؤثر سلباً أو إيجاباً في حياة الشعوب.. وشارك كل إعلام محلي إعلام خارجي عبر القنوات الفضائية حتى أصبحنا بحق نعيش عولمة الإعلام، لهذا فإن من أهم الأولويات أن نستخلص بعض الدروس المستفادة إعلامياً من معركة الانتخابات الرئاسية والمحليات.. وليكن الله في عوني وأنا أدخل يدي في «عش الدبابير» ولكن لا بد مما ليس منه بد.

أولاً: فأول درس بستفاد منه هو هل كان إعلامنا على مستوى المسؤولية الوطنية في تناولاته للمعركة الانتخابية وما طرحه هذا الجانب أو ذاك.. أم أنه كان مقصراً في تناولاته بكل أبعادها؟.. أنا أعتقد الأخير.. فبالرغم من فتح باب الحرية للصحافة وبالرغم من محاولة توازن الإعلام الرسمي.. إلا أنه للأسف الشديد لم يبلغ إعلامنا «الحلم»، معظم التناولات كانت ردحاً وردحاً مضاداً وما بينهما وسطية مثل الساندويتش وباللغة العربية «شاطر، مشطور وما بينهما طازج».

ثانياً: إن الإعلام لم يقم بدوره في توضيح الحقائق من مبدئها إلى منتهاها.. بل يكتفي بأخذ من كل حرف أوله.. لم نر أي تناول لقضايا ذات أهمية تغوص في الأعماق ولا تكتفي بالطفو على السطح.. بكل تأكيد فإن ذلك يعود إلى نقص في إمكانات الصحافة يحول دون تحويلها لتحقيقات صحفية جادة و عميقة فاكتفت صحفنا بالمقالات المكتبية مع تلمس تصريح من هنا أو هناك جاعلة من الحبة قبة ومن الهزل جداً.. أو هكذا تصورت هي.. ولم تصل إلى حد ثقة القارئ، كذا فإن اللغة العربية الواسعة التصريف أتاحت لمن يلم بشيء منها أن يكتب بل أن يهرف بما لا يعرف.

ثالثاً: إن بعض صحفنا ولا أقول كلها عمدت إلى أسلوب الإثارة بل أحياناً إلى محاولة الابتزاز.. وهذا جعل القارئ الجاد ينظر اليها بعدم احترام.

رابعاً: إن هناك صحفاً جيدة تنشر أحاديث جادة لبعض الأشخاص.. ولكنها تغفل عن أن بعض تلك الأحاديث تفتح الباب إلى بحوث صحفية ستؤدي إلى نتائج مفيدة للوطن وللمواطنين كما أنها ستعلو بمرتبة الصحيفة لدى الآخرين.

خامساً: الإعلام المرئي.. ففي بلادنا للأسف الشديد لم تصل الحرية الديمقراطية إلى فتح الباب أمام تعدد القنوات وتعدد المالكين لها.. وحجتنا أن ذلك سيؤدي إلى تفكك اجتماعي.. ونسي أصحاب هذه النظرية أننا نعيش عولمة الإعلام، وأن إحجامهم لن يؤدي إلا إلى وقوع المواطن بين أيد خارجية تصوغ له معلوماته أو توجهاته.. هل نسينا كيف كانت إذاعة لندن هي المفضلة في الشارع العربي كله.. وكيف كانت تبث من السموم الناقعات ما أدى إلى نتائج عكس ما نريد كعرب وكمسلمين.. الشيء نفسه حصل، قنوات عربية لها توجهاتها الخاصة، فمن يدفع الثمن هو الذي يطلب الأمنية التي تناسبه، فكانت تبث ما تريد على هواها ولا بأس من بث نصف المعلومة أو ثلاثة أرباعها أو حتى شبه معلومة.. فكانت النتيجة تضارب فهم إعلامي أدى إلى تضارب آراء ولا ينبع أي منها من حقائق الواقع.. إذا لا بد من أن يضغط الإعلاميون أولاً والمواطنون ثانياً لكي يتم فتح الباب في هذا المجال كما يقول المثل (لا يعرف هرجي إلا أبناء بطني).

سادساً: الإعلام الرسمي للأسف واقع تحت سياسة «عبد مأمور» والعبد المأمور مشغول بأمور أخرى ليس لديه الوقت لكي يواجه الحقائق ويوجه بها.. للإعلام مهمة أن يجعل كل ما تقوم به الجهات الرسمية هو الصواب وما عداه الخطأ.. لهذا فهي تنازلت سلفاً عن حقها في إبراز الأخطاء وإبراز أنات وآهات المواطنين وأصبحت بحق بعيدة عن التأثير في أغلبية المواطنين لأنهم يقرأون ويسمعون منها وعنها ما يخالف الواقع «ضحك على الذقون» ولو كانت بحق تمثل حكومة ديمقراطية لكانت هي أولى من غيرها بتناول قضايا المواطنين وإبراز مواجعهم ليقرأها أو يسمعها الرسميون فيعمدوا إلى إصلاح الأخطاء.. أما أنها تتقوقع في الإشادة بأوهام وفقاقيع، بل تظهر الحقائق لما يراها الناس في الوقع، لابد من إعادة النظر في نهج تلك الصحف لكي تصبح كما يريد الديمقراطيون بحق، من الشعب وبالشعب وإلى الشعب.

سابعاً:وآه.. خطباء المساجد وأساتذة الجامعات المحاضرون، إن مهمتهم انحصرت في نصوص موجهة وغير موجهة.. خطيب الجامع يتكلم عن ما يحصل لنا من دول الخارج والمكايد ولكن لا يقول لنا كيف نواجهها وإن قال فيحصر كلامه في الجهاد والقتال، الأجانب سادونا بالعلم وكذلك سدناهم قبل ذلك.. الآن نريد أن نتغلب عليهم بالقوة التي يملكون هم منها أضعاف أضعاف ما نملك.. لماذا لا يوجهنا الخطباء إلى العلم والأبحاث العلمية وقبلها إلى مكارم الأخلاق والسلوكيات وكيف نتعامل مع بعضنا البعض وقبل ذلك كيف نتعامل مع وطننا.. يسرق السارق ويرتشي المرتشي ويقتل القاتل.. الخ والخطباء يلعنون الخارج، هل أمريكا أو إسرائيل أو غيرهما هم الذين قالوا لنا افعلوا المنكرات وأهملوا تربية أولادكم.. الخ، يا عيباه.. ويا عيباه.. أما أساتذة الجامعة فيذكرونني بقصة الفقيه في القرية الذي لا يعرف من خطبة الجمعة إلا خطب ابن نباته.. وعندما انتقدناه قال وبصراحة (على قدر المعاش)، يا هؤلاء أين الأبحاث وأين الخروج الميداني بما تعلمونه لأولادنا.. وأين إطلاق إمكاناتهم لمتابعة المواضيع التي تدرسونها أم أن الجهد بقدر المعاش ولا نقول للجمل «دور» فعينه أكبر من عينك.

ثامناً: كلمة أخيرة أقولها للأخوة في نقابة الصحفيين بأن مهمتهم لا تنحصر في الدفاع عن أي صحفي مصيب أو مخطئ.. بل أن مهمتها أن ترفع من مستوى أعضائها وأن تنزه كيانها من صحفيي الفرصة.

هذا نزر يسير من كثير ويارب سلم، وسوف أتناول في الحلقة السادسة إن شاء الله دور رأس المال في حلقة أو في حلقتين.

والله الموفق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى