رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> الميلاد والنشأة:ورد في كتاب «حضرموت- 1934-1935م» لمؤلفه دبليو.إتش أنجرامس، والذي قام بتعريبه الراحل الكبير د. سعيد عبدالخير النوبان(ص 101) أن السلطنة القعيطية ضمت خمسة ألوية هي الشحر، وهو أقدم الألوية ولواء المكلا ولواء دوعن ولواء حجر ولواء شبام، وزاد المترجم بأن لواء عرماء أضيف بعدئذ، وشخصية هذه الحلقة هو الشيخ علي محمد العماري، وهو من مواليد الشحر أو سمعون أو سعاد، كما كان الشاعر والمبدع الكبير يحلو له مخاطبتها بهذا الاسم، وكانت ولادته في العام 1337هـ (1916م) ونشأ الشيخ العماري في بيئة علمية، فوالده العلامة القاضي محمد عمر العماري وعمه الشيخ أحمد سالم العماري، (لمزيد من التفاصيل راجع: من أعلام حضرموت- الشيخ علي محمد العماري.. القائم والنائب لأول المجالس المحلية (القروية - البلدية) بحضرموت: سند بايعشوت - «الأيام» 24 يوليو 2003م).

بدأ الشيخ علي العماري دراسته الأولية في معلامة الشيخ سالم باقلاقل، حيث تعلم القرآن الكريم واللغة العربية والحساب والتحق بعد ذلك بمدرسة مكارم الأخلاق وهي المدرسة ذاتها التي درس فيها الراحل الكبير محمد عبدالقادر بامطرف. دخل الشيخ العماري منعطفاً جديداً خلال سنوات الحرب العالمية الثانية بانتقاله إلى مدينة عدن، حيث درس في مدرسة بازرعة الخيرية الإسلامية وتعلم وعمل في الحسابات بمكتب سالم داعر (من أصول كويتية) بعدن. (مرجع سابق - بايعشوت).

استأنس الشيخ علي محمد العماري خلال وجوده في عدن بالمناخ الثقافي ووجد نفسه مشدوداً إلى مخيم أبي الطيب الذي أسسه رائد حركة التنوير في جنوب الجزيرة العربية، محمد علي إبراهيم لقمان المحامي عام 1939م بعدن وكان من ناشطي ذلك المخيم علي محمد لقمان وحامد محمد الصافي وأحمد حامد جوهري وعبدالرحيم لقمان والطيب أرسلان وحسن بن حسن غبري وآخرون.

العماري ونادي الإخاء والتعاون:
عاد الشيخ علي العماري إلى الديس الشرقية وتداعى بعض الشباب هناك لتأسيس إطار ثقافي واجتماعي فأقدم الشيخ العماري على تأسيس نادي الإخاء والتعاون الثقافي والاجتماعي مع ناشطين آخرين منهم سعيد عبدالله بحاح وعمر محفوظ المصني وعبدالله محمد بن سلم وعبدالله عبيد حميد وعلي سالم بن سلم ومحفوظ عبدالله بحاح ومحمد عبدالله قرنح وصالح عبدالله بن سلم وأحمد محمد العماري وعمر سالم باوزير وعمر سيد المقدي ومحسن أحمد الكسادي وصالح علي بوطلعة وعبدالرحيم أحمد باوزير.

مارس النادي خلال فترة نشاطه لاثني عشر عاماً مهام تنويرية عكست على إلقاء محاضرات ثقافية ودينية واجتماعية كما قدم النادي أعمالاً اجتماعية أخرى. دخل النادي دائرة الضوء والدليل على ذلك أن جلالة السلطان صالح بن غالب القعيطي، رحمه الله قام بزيارة النادي وكان بمعيته الشيخ القدال سعيد القدال، ناظر المعارف آنذاك.

العماري مع علية القوم في المدرسة الحربية:
من المنعطفات التي مر بها الشيخ علي العماري في مسيرة العمر، كانت المدرسة الحربية لمحمية عدن الشرقية، حيث شجع القدال سعيد القدال، ناظر المعارف فكرة الالتحاق بتلك المدرسة عام 1944م في بداية تأسيسها، ومن زملاء دراسته في الدفعة الأولى: الشيخ عمر سعيد بايعشوت، والسلطان ناصر بن عبدالله الواحدي، وسلاطين آل كثير الأمراء عبدالمجيد وحسين وعلي عقيل بن يحيى وغيرهم.

اشتملت الدراسة في المدرسة الحربية على ثلاثة فصول زود الدارسون خلالها بمواد متنوعة كالجغرافيا والتاريخ والحساب واللغة العربية والإسعاف الأولي والقانون المدني والعرفي (القبلي) ودروس وتطبيقات عسكرية على أنواع الأسلحة «وخريجو المدرسة هم القادة العسكريون والمدنيون (القوام) و(النواب)» (مرجع سابق - بايعشوت).

العماري رجل المجالس المحلية:
كان يحكم كل لواء من ألوية السلطنة القعيطية ممثل السلطان مقابل أجر منتظم وكان يدعى النائب أو المقدم، وكان مع الحاكم موظف واحد على أقل تقدير وكان للحاكم سلطة مباشرة في لوائه من مدن وقرى، وفي المدن والقرى الأقل أهمية وليست لها استقلالية، يعين لها شخصاً يدعى «قائم»، وحسب القوانين النافذة فإن للمقدم الصلاحيات لحل أية قضايا في لوائه، وهناك إمكانية للاستئناف للوزير ونائب المكلا وتستأنف أحكام الوزير إلى السلطان (مرجع سابق - انجرامس).

عمل الشيخ علي محمد العماري فور تخرجه في المدرسة الحربية في مكتب النائب أحمد عمر باصرة، نائب الشحر ثم انتقل إلى الحامي للعمل قائماً في أواخر أربعينات القرن الماضي وانتقل بعد ذلك إلى المكلا حيث عمل هناك في محكمة السوق.

عن تجربة المجالس المحلية أفاد الأستاذ محمد نايف صالح، بأن المجلس البريطاني BRITISH COUNCIL ابتعثه إلى بريطانيا في يوليو 1951م لدراسة نظام الحكم المحلي في انجلترا لمدة عام واحد. أضاف الأستاذ نايف في إفادته بأنه عمل فور عودته من بريطانيا في المكلا مساعداً للمؤرخ والأديب المعروف محمد عبدالقادر بامطرف، المفتش الإقليمي للدولة القعيطية الذي أفسح المجال أمامه لتطبيبق ما درسه في بريطانيا ووفر له الأستاذ بامطرف الإمكانات للتنقل بين معظم قرى السلطنة (راجع حلقة رجال في ذاكرة التاريخ المؤرخة 19 يناير 2003م).

من النظام الإداري في حضرموت، ورد في البحث الموسوم «إشكاليات البناء الإداري في الجمهورية اليمنية» للدكتور خالد عمر باجنيد (مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية- من إصدارات جامعة عدن -المجلد الأول -العدد الأول -يوليو 1996م ص 81): «وفي اتجاه التطور الإداري في حضرموت قامت الدولة حينذاك بإنشاء المجالس البلدية والقروية كسلطة محلية تتولى تسيير الشؤون في مناطق اختصاصهم، فألزم القانون الموظفين الإقليميين التابعين للحكومة المركزية تنفيذ قرارات هذه المجالس البلدية والقروية، وبدراسة الواقع التاريخي يتضح لنا بأنه في حضرموت سواء في الدولة القعيطية أو الكثيرية تأسس واقع مؤسساتي قانوني استطاع أن ينطلق نحو بناء نظام دولة معاصر».

على خلفية التقسيم الإداري للدولة القعيطية الذي أعلن في 19 صفر 1359هـ الموافق 8 أبريل 1940م ولقانون المجالس البلدية والقروية الصادر في 1949م والمعدل بقانون المجالس المحلية لعام 1962م الذي ينص على امتلاك العقارات أو وجود دخل شهري كشرط للترشيح أو التعيين في عضوية المجالس المحلية (راجع : دراسات في تاريخ حضرموت الحديث والمعاصر: د. صالح علي باصرة - ص 74).

التجليات العمارية في السلطة المحلية:
عمل الشيخ علي محمد العماري في عهد الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف، قائماً في مدينة القطن ثم قائماً على غيل باوزير فقائماً على دمون وعندما ثبتت جدارته عين نائباً لنحو أربع سنوات ثم نائباً في حورة وبعدها مكث فترة طويلة نائباً للواء دوعن حتى سقوط الدولة القعيطية.

عند تأسيس المجالس المحلية عام 1952م، كان في القطن مجلسان قرويان أحدهما في «الريضة» والآخر في «العنين» وأعلنت الحكومة موافقتها عام 1953م على ضم مجلس العنين القروي لمجلس الريضة القروي وكان الشيخ العماري حينذاك قائماً في القطن وأصبح مشرفاً على عموم المقاطعة.

برزت لمسات الشيخ علي العماري في المجلس المحلي بالقطن، حيث أسهم المجلس في حل المعوقات التي واجهت المزارعين ونجح المجلس ايضاً في تجربة تخزين الطعام الاحتياطي وشراء أدوات طبية لصالح الفقراء وتميز المجلس في قطاع الرياضة وتم رفد المجلس باعتمادات من ناظر المعارف بالمكلا لإصلاح ميدان كرة القدم في مدرسة الريضة ومدرسة العنين.

تقديراً من الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف، وزير الحكم المحلي والمفتش الإقليمي للإدارة المحلية بالحكومة القعيطية آنذاك، تمت ترقية الشيخ علي العماري إلى «نائب» للواء شبام وصدر أمر سلطاني في آخر أيام الدولة القعيطية بتكليف الشيخ علي العماري بإدارة منطقة حورة، وبعد شهر واحد استولت الجبهة القومية على مدينة المكلا في 17 سبتمبر 1967م (مرجع سابق - بايعشوت).

العماري والعطاس في مساع لرأب الصدع:
وصلت مباحثات الجبهة القومية وجبهة التحرير في الجنوب إلى طريق مسدود في القاهرة، الحاضرة المصرية وأدلى الشيخ علي محمد العماري بدلوه إلى جانب الأستاذ أحمد العطاس، رئيس الوزراء بالحكومة القعيطية آنذاك بغرض رأب الصدع بين الأطراف المتنازعة المعنية وسافر لتلك المهمة بمعية الأستاذ العطاس، إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن فانفجرت الأوضاع في الداخل واحتكم الفرقاء للسلاح واعترف الجيش العربي بالجبهة القومية التي تفاوضت في جنيف مع الحكومة البريطانية وآلت السلطة إلى الجبهة القومية بنيل الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م.

فيصل العطاس وصالح السييلي وراء إطلاق سراح الخيرين:
زجت السلطات المحلية بحضرموت بالشيخ علي محمد العماري في سجن المنورة بمدينة المكلا فور تسلم الاستقلال وشاركه ذلك العسف الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف وبدر الكسادي وبن سميدع والشيخ عبدالرحمن عبدالله بكير، الذين اقتيدوا من سجن حجر إلى سجن المنورة وحشروهم في غرفة واحدة في سجن المنورة.

نجحت المساعي الخيرة التي بذلها المناضلان الوطنيان فيصل العطاس وصالح منصر السييلي في متابعة إطلاق سراح الخيرين بعد عامين من زجهم ظلماً وعدواناً في سجن المنورة بدلاً من الإنعام عليهم بأكاليل الغار وغفر الله للجاهلين، وبعد فترة وجيزة قدم عدد من الأصدقاء الأخيار الأبرار وفي مقدمتهم عمر جبران، مأمور الشحر السابق ومحمد باغزال، اللذان نصحاه بشد الرحال وكان في مقدمة مودعيه في المكلا الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف، وكانت دولة الكويت وجهة الشيخ العماري عبر مطار عدن الدولي (القروي حالياً).

مشايخ آل بقشان يحسنون وفادة العماري وضربائه في الشتات:
قضى الشيخ علي محمد العماري ثلاثة عقود في الشتات متنقلاً بين الكويت وجدة وأبوظبي وقطر وأحسن المشايخ آل بقشان وفادة الشيخ علي العماري وضربائه الذين شاركوه الشتات. عاد الشيخ علي محمد العماري إلى مسقط رأسه، الشحر بين أهله وناسه ومحبيه بعد قيام دولة الوحدة في 22 مايو 1990م.

ما أحوجنا وما أحوج الأجيال القادمة إلى توثيق مفصل لتجربة الشيخ علي محمد العماري، في مجال السلطة المحلية أو المجالس البلدية، المهد الحقيقي والطبيعي للديمقراطية الذي ألفته وعرفته حضرموت وعدن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى