بين صداقة أميركا والانصياع لها

> كلوفيس مقصود:

> "أنا صديق اميركا ولست رجلها". هذه الجملة لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي تنطوي على معانٍ تجمع بين واقع الاضطرار والاستياء الشديد منه. هذه الحالة تدل ايضاً على مدى المسافة بين صداقة الولايات المتحدة والامتثال لإملاءاتها. كذلك تختزل مقولة الرئيس العراقي عن تضارب مفهوم التعاون، وحتى التنسيق، وترجمة ادارة الرئيس جورج بوش لـ"الصداقة" بمعنى الانصياع. أما الكبت الناتج من الفرق فهو ان امثال نوري المالكي المضطرين الى التعامل مع التمثيل الرسمي الاميركي في بلدانهم يجدون أنفسهم في كثير من الاحيان مرغمين على اللجوء الى تمرد يكاد لا يعلن، حتى يتم استدعاء "المتمرد" - في الحالة العراقية - فوراً للانضباط (الامتثال)، ويعلن ان "سوء تفاهم" حصل وكان لا بد من بيان "مشترك" يزيل الالتباس! الا ان تفسيراً آخر "للبيان المشترك" دفع الرئيس العراقي الى إعطاء ترجمته الشخصية للصداقة بتأكيد لاحق للبيان، فقال انه ليس "رجلها".

وهذا ايضاً ينطوي على معاناة حقيقية. واتصوّر ان كثراً من القادة العرب وغير العرب، يعانون بنسب متفاوتة حالة التفريق بين "الصداقة" لواشنطن والتبعية لها. ويصبح التحدي اشد وقعاً عندما تكون ادارة بوش بدورها في مأزق كما هي الحال الآن، في ما تواجهه من انهيار لصدقيتها في العراق. كما ان الحرب في العراق صارت، كما اشرنا سابقاً، السبب الرئيسي للمزيد من الفرص كي يخسر الجمهوريون والمحافظون الجدد سيطرتهم الكاملة على الكونغرس. لذا نجد ان ظاهرة التمرد، او حتى التباين في موقفي ادارة بوش وحكومة العراق في هذا الظرف الانتخابي بالذات، لن تكون مقبولة مطلقاً، وقد تؤدي الى تنفيذ مقولة الرئيس بوش ان "لصبره حدوداً" مما فسر سرعة الاستدعاء وبالتالي البيان المشترك.

لكن المؤشرات تدل على انحسار شعبية الرئيس بوش واعتبار مقامرة غزوه العراق فاشلة، مما دفع العضو في مجلس الشيوخ عن ولاية تكساس حليفة الرئيس بوش الدائمة الى القول انها لو كانت تعرف عندما اقترعت لغزو العراق ما تعرفه الآن، لما صوّتت لاعطاء صلاحيات اعلان الحرب عليه.

***

"انا صديق اميركا ولست رجلها"، قول فيه الكثير من التأمل والحسابات ونزعة الى تأكيد ما تغيبه العمالة، اي عامل الكرامة الوطنية او ما تبقى منها. فادارة بوش تترجم الصداقة بأن يكون الصديق "رجلها". والرجل - او المرأة في الحكم، وهذا مرحليا، لا يزال خارج الممكن، وعليه ان يحدد بدقة معنى الصداقة ليستطيع اخراج التعامل من مصيدة الارتهان والامتثال والرضوخ لترجمة المحافظين الجدد واليمين الاميركي، لكون من تعتبره "الصديق" عليه ان يكون "رجلها".

التحدي الذي يواجهه "اصدقاء" اميركا العرب يبدأ بحرمان ادارة بوش جعل الصداقة والانصياع حالة متطابقة. واذا اصرت ادارة بوش على التطابق، وبالتالي الغاء اي مسافة مطلوبة وصولا الى حق المحاسبة والمساءلة، فان من يمتثلون طوعا لمفهوم التطابق يُطعن بشرعيتهم امام شعوبهم، كما عليهم أن يدركوا ان "رجلهم" قد يتعرض للتخلي عنه بعد انتهاء دوره، والامثلة كثيرة في العراق نفسه.

كل هذا يدفعنا الى العودة لمقولة صحيحة: "صديقك من صَدَقك لا من صدّقك". وهذا مطلوب بالحاح لأن الرئيس بوش اذا وزع شهادات على "المعتدلين" واستساغوا هذه "المكرمة" يفقدون المناعة ويصبحون بالوعي او باللاوعي من "رجاله". انتظروا نتائج الانتخابات النصفية لعلها تكون فرصة لاستعادة المسافة التي غيّبتها الثنائية الغبية، اما معنا وإما مع الارهاب.

عن «النهار» اللبنانية 29/10/2006

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى