لولا «القات» لما انتصر الإسلاميون..!

> حمد الماجد:

> من أظرف ما قرأته في الملف الصومالي، أن القات كان له دور بارز في انتصارات المحاكم الإسلامية المتتالية ونجاحاتها في فرض سيطرتها على أكثر التراب الصومالي ودحر قوات أمراء الحرب الصوماليين، الذين عاثوا في الأرض الصومالية فسادا واهلكوا حرثها ونسلها وأمنها وأمانها.

هذه النظرية تقول إن قوات المحاكم الإسلامية وأغلبيتها الساحقة من الإسلاميين الذين يحرمون تعاطي القات كانت تستغل فترات الذروة التي تتعاطى فيها قوات خصومهم التابعة لأمراء الحرب الصوماليين تخزينة القات اليومية، فتنقض على معاقلهم بعد أن يؤدي القات المخدر مفعوله، فيصبحون لقمة سائغة في فم قوات المحاكم الإسلامية يمضغونها فرحين كما يمضغ خصومهم قاتهم.

هذا تسطيح مضحك وتصوير ساذج لانتصارات المحاكم الإسلامية التي حققت إنجازات خاصة في فرض الأمن في الربوع الصومالي كان إلى قبل خمسة أشهر أشبه بالمستحيل نظرا لتعقيدات الملف الصومالي الداخلية والخارجية، طبعا واضح تهافت هذا الإدعاء ولا أظنه يستحق التفنيد، ولكني سقته هنا لأثبت أن هذا النوع من التعاطي مع الملفات التي يكون أحد أطرافها إسلاميون تغيب المصداقية وتختفي الموضوعية ويزاح العقل ويتلاشى المنطق، هذا التصوير الغبي أو المتغابي يذكرني بتحليل قدمه أحد الكتاب الخليجيين، فقد علل إخفاقات المنتخب الوطني في بلده إلى طروحات التيار الإسلامي، التي يزعم أنها تحرم مشاهدة كرة القدم خاصة من قبل معلمي مراحل التعليم العالم.

هذه فئة من الفئات في مجتمعنا العربي، الذين تحاكمهم المحاكم الصومالية هذه الأيام، تحاكمهم لأن السمة الغالبة لطروحات إعلامنا العربي لم تنظر بموضوعية ومصداقية إلى ملف المحاكم الإسلامية في الصومال، فبمجرد أن فرضت هذه المحاكم سيطرتها على العاصمة الصومالية، التي كانت حاراتها دولا في عهد أمراء الحرب استجلب إعلاميونا العرب «الختم الطالباني» بسرعة قصوى وطبعوه بقوة على المحاكم الإسلامية بدون تحقيق ولا دراسة ولا تأمل، كما لم يسلط هؤلاء الضوء على الإنجاز الأمني في بلد تتنازعه تيارات سياسية وقبلية وحركية، ولا أشادوا بالبرنامج السياسي للمحاكم التي أطلقت مؤخرا عددا من المواقف السياسية المرنة آخرها قبولها لمبدا التفاوض مع الحكومة الانتقالية الهزيلة مع أن المحاكم في أوج انتصاراتها وقوتها، ولا رحبوا بنجاحات المحاكم على المستوى البيئي، حين أطلقت المحاكم ورشة عمل ضخمة وحركة نظافة بيئية من النفايات هي الأضخم في التاريخ الصومالي، ولا أشاروا إلى مبادرة عامة الناس بالمشاركة الطوعية مع أئمة المساجد والقضاة والمثقفين في تجميع النفايات المتركمة منذ أمد، حتى قال أحد المتطوعين من عامة الشعب مقولة تختصر الإنجاز اللافت للمحاكم: «من وفر لنا الأمن يستحق منا مساعدته التطوعية في تنظيف البلد».

كل الذي تم التركيز عليه في إعلامنا العربي حوادث فردية هنا أو هناك سلطت عليها أكبر المجاهر الميكروسكوبية. أما أن لكل تجربة سماتها وبصماتها سواء في الصومال أو افغانستان أو العراق، أما إن هناك عوامل تشابه وهناك أيضا عوامل اختلاف بين التجربة الطالبانية والتجربة الصومالية، فهذا ما لا يراد للصومال ولا لغير الصومال، ما دامت التيارات الإسلامية طرفا فيها.

المحاكم الإسلامية في الصومال ليس فصيلا إسلاميا واحدا بل أشبه بالتجمع الذي انضوى تحته تيارات مختلفة فيها الإخواني والسلفي والجهادي والمستقل وبالتأكيد ففيهم المعتدل وفيهم المتشدد ، فالتشدد الليرالي العربي الحكومي أوالشعبي في تقويم الملف الصومالي بعزز التشدد ويضعف الاعتدال وبالتالي يقلل من نجاح المحاكم في انتشال الصوماليين من أزماتهم التي طحنتهم منذ أمد طويل.

عن «الشرق الأوسط» 30/10/2006

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى