حقيقة استقلال قاضي النيابة وأثرها في آلية عمل النيابة العامة

> «الأيام» شكاوى المواطنين:

> أولاً أريد أن أوضح أن قاضي النيابة هو (عضو النيابة) فمن المعلوم أن عضو النيابة يعتبر في نفس درجة قاضي المحكمة ووكيل النيابة في نفس درجة رئيس المحكمة ورئيس نيابة الاستئناف في نفس درجة رئيس محكمة الاستئناف حسب التسلسل الوظيفي في قانون السلطة القضائية، ورغم أن عضو النيابة يعتبر قاضياً أي أنه مستقل داخلياً أي ضمن جهاز النيابة العامة وهو مجال حديثنا- هنا- لكن في الواقع العملي فإنه مقيد بقيود إدارية تدرجية كثيرة، فآلية عمل النيابة العامة مازال طابعها إدارياً تدرجياً أكثر منه طابع قضائي مستقل، فمنذ بداية وصول أوليات القضية من جهات الضبط أو شكوى مبتدأة فإن وكيل النيابة هو المخول بتحويل الأوليات أو الشكوى إلى أي عضو دون آلية محددة تفرض التوزيع الأوتوماتيكي للقضايا دون تدخل أحد، وغير معقول ما يقال إن هناك أعضاء لهم فهم أكثر في بعض القضايا وقصور لدى الآخرين فهذا مبرر غير صحيح لأنه لا يوجد تخصص.

وتستمر هذه الآلية التدرجية حتى بعد استكمال اجراءات التحقيق، فلا يحق لعضو النيابة التصرف في القضية مباشرة لكن يقدم مشروع تصرف إلى وكيل النيابة الذي يقوم بالموافقة على التصرف أو الرفض وإعادتها إلى العضو للاستيفاء إذا كانت الجريمة المنظورة غير جسيمة، أما إذا كانت جسيمة فوكيل النيابة يرسل القضية بمشروع تصرف إلى رئيس نيابة الاستئناف الذي بدوره يوافق على التصرف أو يعيدها للاستيفاء، وقد ترسل القضية إلى الاستئناف وتعود مرات كثيرة مما يؤخر التصرف في القضايا.

فعند النظر إلى آلية عمل النيابة المذكورة سالفاً نجد أنها ذات طابع تدرج إداري أكثر منه طابع قضائي مستقل، لأنه لو كان عمل قضائي مستقلاً لكان لعضو النيابة التصرف في القضية مباشرة وبتوقيعه مثله مثل قاضي المحكمة، وبهذا يخفف الروتين في عمل النيابة، ومن ناحية أخرى يتم محاسبة أعضاء النيابة من قبل التفتيش القضائي لأخطائهم الجسيمة، لأنه من غير المعقول محاسبة شخص ما لم تعط له صلاحيات التصرف، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يتم الاستفادة من جهد وكيل النيابة ورئيس النيابة في التحقيق في القضايا والتصرف فيها مثله مثل رئيس المحكمة وإن كان لهذه الآلية التدرجية في عمل النيابة ما يبرره في بداية إنشاء النيابة العامة بحجة عدم إلمام ومعرفة أعضاء النيابة بالتصرف القانوني السليم في القضايا لكنه الآن غير مبرر بعد إدخال أعضاء النيابة العامة المعهد العالي للقضاء، علماً أن الروتين يمتد إلى محاضر جمع الاستدلالات حيث إن رجال الأمن يقومون بأخذ أقوال المجني عليه والمتهم والشهود واستعراض الادلة ويقومون بإرسالها بشبه تصرف إلى النيابة بشبه تصرف واستنتاجات ولكن الذي يحصل في النيابة غالباً يتم إعادة سماع وتدوين أقوال المجني عليه والمتهم والشهود بل حتى قد تحفظ القضايا إذا لم يقدم المجني عليه شكواه أمام النيابة أو شهوده حتى ولو كان قد قدم شكواه لدى الأمن وشهوده مع العلم أن محاضر الاستدلالات أوراق رسمية لا يطعن فيها إلا بالتزوير.

وهذا التكرار من النيابة العامة قد يبرر بعدم إلمام رجال الأمن بالقانون- الذين يعتبرون من رجال الضبط القضائي- مما يؤثر على قانونية أعمالهم ويجعلهم عرضة للطعن في قانونيتها.

فهذا غير مبرر لتحميل النيابة إعادة عمل الأمن والحل هو بتوعية رجال الأمن وإدخالهم دورات قانونية مكثفة لكي لا تضطر النيابة لإعادة أعمالهم بل الابتداء من آخر إجراء وإن كان للنيابة دور في الاشراف على رجال الضبط القضائي في متابعة القضايا والتفتيش على حجوز الأمن.

وما جعلني أثير هذا الموضوع هو اطلاعي على احصائيات الجرائم المرتكبة منذ تأسيس النيابة العامة قبل أكثر من خمسة وثلاثين عاما وحتى الآن فبالاطلاع عليها نجد أن أعداد الجرائم قد تضاعف أضعافاً كثيرة نتيجة لعوامل اقتصادية عالمية وإقليمية ومحلية وعوامل اجتماعية وثقافية لكن رغم هذه الزيادة المهولة في عدد وحجم الجرائم التي هي ظاهرة عالمية نجد أن آلية عمل النيابة العامة لم تتطور التطور الذي تستطيع فيه أن تواجه هذه الأعداد المهولة من الجرائم، والتي للنيابة دور كبير في الحد منها (كونها عندنا في اليمن لها سلطة التحقيق وسلطة الاتهام) وذلك بتسريع إجراءات التحقيق والتصرف لأن التأخير في التصرف في القضايا قد ينشئ أعمالاً انتقامية أي جرائم جديدة وعدم الثقة في النيابة والقضاء للفصل في القضايا والرجوع إلى التحكيم القبلي الذي يعتبر دوره غالباً دوراً تصالحياً لا يؤدي إلى الحد من الجرائم.

فالاستمرار بهذه الآلية وعدم تطويرها يؤدي الى تكثيف العمل على موظفي النيابة بشقيه القضائي والإداري، والحل الناجح ليس بزيادة عدد النيابات ولا بزيادة عدد كادر النيابة القضائي والإداري ولكن بتطوير آلية عمل النيابة لأنه اذا ستمرت هذه الآلية دون تطوير لن تستطيع النيابة أن تقوم بعملها بشكل سلس وطبيعي دون استنفار دائم للجهود.. وما ورد في مقالي هذا ليس للاستنقاص من دور النيابة الذي لا ينكره أحد والتي تعتبر حتى الآن من أفضل أجهزة الدولة، وإنما لتحديث وتطوير أعمالها لأهميتها للمجتمع كونها تنوب عنه في حمايته.

عبدالرحمن علي الزبيب

نيابة شمال الأمانة الابتدائية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى