الثأر.. والصبيحة والمحافظة والدولة

> د. هشام محسن السقاف:

>
د. هشام محسن السقاف
د. هشام محسن السقاف
ليست الصبيحة في محافظة لحج- وهي قبائل معروفة بشجاعتها ورجولتها -سوى واحدة من حالات الاعتصاء على حل مشاكل الثأر في البلاد بالرغم مما احتوته برامج المرشحين للرئاسة في الانتخابات الماضية، ويهمنا بالطبع البرنامج الانتخابي للمرشح الفائز فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح. وقبل الانتخابات وبعدها يعجب المرؤ من موقف السلطات المحلية التي تقف عاجزة وفي أحيان كثيرة مشاهدة لما يحدث من إهراق للدماء وإزهاق للأرواح وكأن الأمر يتعلق بقبائل الزولو في افريقيا. وقد يقول قائل إن هذه السلطات لا تمتلك أدوات الحل الحقيقية من مال وسواه بالقدر الذي يهيؤها لحل مشاكل ثأرية مستعصية تضرب جذورها في عمق التاريخ القريب، ولكن هذا القول لا يعفي المسئولين في هذه السلطات -وعلى رأسهم المحافظ- من إبراء الذمة وإراحة الضمير بجمع الفرقاء المختصمين على مائدة واحدة ، وتقريب وجهات النظر والاستماع إلى متطلبات ووسائل الحل من أفواه المكتوين بنيران الثار، ثم رفع ذلك إلى المسئولين في السلطة المركزية بصنعاء ولا ضير من إشفاعه بكلمة( اللهم بلغت اللهم فاشهد). وربما يتذكر أخواني وزملائي من الأساتذة والشخصيات الاجتماعية والمسئولين بمحافظة لحج أننا جميعاً قد تنادينا لعقد ندوة علمية حول ظاهرة الثأر في محافظة لحج (الصبيحة ومديرية الحد بيافع)، وبادر الزميل العزيز د. خالد الحنشي (وكان حينها عميداً لكلية التربية بردفان )باستضافتها، وكان الشيخ سيف بن محمد فضل العزيبي أبرز المتحدثين بدراية عن هذه الظاهرة في منطقة الصبيحة لعلاقته الوشيجة بأطرافها وامتلاكه مفاتيح الحل إذا بادرت الجهات المعنية في الدولة بمساعدته بالتغطية المادية والمعنوية المطلوبة. ولكن حتى المحافظ الذي خرج من معقله بعاصمة المحافظة على مضض لحضور أعمال هذه الندوة المهمة، كان يعتقد أنها تشبه إلى حد بعيد وضع حجر أساس لن يستغرق وضعه سوى دقائق معدودة، فحاول أن ينسحب منذ الوهلة الأولى (أو الجلسة البرتوكولية الأولى) لولا إصرار مشايخ وأعيان وأبناء ردفان الأبية على بقائه حتى نهاية الندوة أو تعليقها قبل أن تبدأ إن أصر على الانسحاب، بتقدير منهم أن المسئول الأول بالمحافظة هو أنسب من يترجم قرارات هذه الندوة إلى خطة عمل قد تضع حدا لأعمال العنف والاقتتال بين الإخوة الأعداء، أو مخاطبة الدولة بلسان صدق مبين بشأنها ليتضافر الجهدان المحلي والمركزي لحلها ولكن شيئا من ذلك لم يحدث وقد مضى على عقد هذه الندوة أكثر من ثلاث سنوات.

إن عملية الاقتتال غير المبرر إطلاقاً قد عطلت أوجه الحياة الطبيعية في هذه المنطقة العزيزة من وطننا كما في مناطق أخرى وراح ضحية العنف شباب في مقتبل العمر، كما هُجّرت أسر من مواطنها، وأصبح العيش في المناطق المنكوبة أشبه بالسير على شجر القتاد. ومن المؤسف أن بعض المصادمات المسلحة تستمر أياما في ظل وجود الأمن الذي يكتفي بمشاهدة ما يحدث ولا نرى من المعنيين في المحافظة من يقول (والله لن نبرح الأرض حتى تحل هذه المشكلة).

إن أوجه الحل كما نراها، وستكون هناك مقترحات وحلول أفضل لدى بعض المشايخ والشخصيات البارزة ممن يتصدون لهذه المشكلة ويدرون بتفاصيلها المعقدة وفي مقدمتهم الشيخ عبدالقوي محمد شاهر وآخرون، بالتركيز على: 1- عقد لقاء عام لقبائل الصبيحة تحت رعاية فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح للاستماع إلى وجهات نظر أبناء هذه المنطقة التي عانت كثيرا ولم تنل إلا القليل من الاهتمام والرعاية على مر المراحل الوطنية المختلفة.

2- تتكفل الدولة بدفع جميع الديات لمن راح ضحية الاقتتال الداخلي في مناطق الصبيحة مع تكفل الدولة بعلاج المصابين والجرحى، وإدراج أسر الضحايا في الضمان الاجتماعي.

3- استيعاب أبناء الصبيحة في الوظيفة العامة حسب مؤهلاتهم وبدرجة أساسية في المؤسستين الأمنية والعسكرية، وبصورة استثنائية بعيداً عن الروتين والتعقيد الإداري.

4- إيلاء المنطقة أهمية قصوى من حيث الخدمات العامة وتحديث البنية الأساسية والتواجد الأمني والقانوني فيها بحيث يكون وجود الدولة بديلاً عن احتكام الأطراف المعنية لشرعيتها القبلية، على أن تتولى الأجهزة الحكومية فض الاشتباكات والمنزاعات الجديدة بآلية عدلية سريعة لا تتوانى لحظة ولا تعرف في الله لومة لائم.

5- تكثيف التوعية بمخاطر الثأر وأضراره الاجتماعية والاقتصادية من خلال وسائط الإعلام المختلفة وعبر منابر الجوامع وفي المدارس والأندية والمنتديات الأدبية المختلفة.

لقد قدم أبناء الصبيحة أنفسهم قرابين للوطن وكانوا دوماً في مقدمة المدافعين عنه، وليست الثورة اليمنية ودورهم المشهود فيها إلا واحدة من مآثرهم الوطنية الخالدة، ولم ينظروا في مرحلة ما بعد الثورة والاستقلال إلى ما يأخذونه لمناطقهم استحقاقاً لدورهم فظلت الأوضاع الاجتماعية على حالها بانتظار قديسي الثورة ورجال الاستقلال الذين كانت لهم أولويات أخرى ليست أقل دموية مما حدث إبان الثورة وطرد الاستعمار.. وظلت بلاد الصبيحة على حالها.

واليوم تئن هذه المنطقة الطيبة من عصبية مقيتة وثارات جاهلية في ظل غياب الدولة ونسيان حقها في التنمية الحقيقية مما يفاقم من جراحات أبنائها. ومن دون خطوة جريئة تخرج المنطقة من أزمتها فإن التاريخ سوف يدمغنا جميعاً بجرم المشاركة في إدامة الوضع الشاذ في هذه المنطقة الغالية من يمننا الحبيب.

ومما يستحق التقدير والإعجاب أن كل مديريات الصبيحة، ناهيك عن القاطنين في مديريات أخرى بمحافظة لحج، قد صوتت لفخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح ولمرشحي المؤتمر الشعبي العام في المجالس المحلية رغم بؤس أحوالهم وأوضاعهم وفي ظل هذه المشكلة الخطيرة التي تهدد مستقبل أبنائهم، لعلمهم أن مفاتيح حل مشكلتهم مع الثأر وتغيير نمط حياتهم نحو الأفضل بيد فخامته شخصياً ورعايته المباشرة لكيفية إخراجهم من الوضع الصعب.. والله من وراء القصد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى