الحق في السلم

> د. يحيى قاسم سهل:

>
د. يحيى قاسم سهل
د. يحيى قاسم سهل
تعامل الإنسان منذ وجوده على البسيطة مع القوة والعنف كوسيلة غريزية لضمان بقائه. وفي المجتمعات القديمة كانت لغة السلاح هي الأنجع لحل الخلافات حول نقاط الماء ومناطق الكلأ وحماية المصالح المختلفة.

وطبعت الحروب والغزوات حياة الشعوب، إلا أنه مع بداية القرن الفارط، بدأ الإنسان يكتشف أنه هو الخاسر الأكبر في كل مرة خاض فيها غمار الحرب، ولذلك اتجه المجتمع الدولي بادئ الأمر إلى محاولة التخفيف من ويلات الحروب، وتفادي الآلام التي يعانيها الإنسان من جراء استعمال القوة.

وبالرغم من الدور الذي نهضت به تنظيمات لاهاي بعد المؤتمر الدولي لعام 1864م إضافة إلى الدور الذي قام به الصليب الأحمر الدولي في مجال المعاملة الإنسانية لضحايا الحروب، تم تحسين ظروف الأسرى والتخفيف من معاناة الجرحى، وتحديد وضع المدنيين وغير المشاركين في المجهود الحربي إضافة إلى تنظيم وسائل القتال والاعتماد على مبادئ القانون الدولي الإنساني، فإن الطموح إلى السلم ومحاولات حفظه لم تتأكد وتتحقق إلا من خلال تطور القانون الدولي، وذلك بالسعي للقضاء على دواعي الحرب، من خلال سن نصوص قانونية تطمح إلى منع اللجوء إلى الحرب، وقد كان نظام عصبة الأمم وبعده عقد باريس لعام 1928 نقطة تحول في مجال حفظ الأمن وحماية السلم في العالم.

ونظراً لثغرات عهد عصبة الأمم الذي لم يحرم الحرب إلا جزئياً مما سمح لبعض الأنظمة بانتهاج سياسات عدائية وتوسعية كانت نتيجتها الحرب العالمية الثانية.

وكان الهدف والمقصد من ميلاد الأمم المتحدة هو حفظ السلم والأمن الدولي، ولم يبخل ميثاق الأمم المتحدة في سرد المبادئ الهادفة إلى تحقيق هذا المقصد الرئيسي، ونخص بالذكر الفقرة الرابعة من المادة الثانية التي تنص على أنه (يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أخرى أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة).

وواضح أن نهاية الفقرة الأخيرة المذكورة أعلاه، تفيد تحريم الضغوط الاقتصادية والسياسية كذلك، إذ إن هذه الضغوط قد تكون أكثر وقعاً على سيادة الدولة واستقلالها السياسي.

وعوضاً عن استخدام العنف والإكراه فيما بين الدول، يورد ميثاق الأمم المتحدة وسائل تسمح بحل الخلافات والنزاعات الدولية سلمياً، وهذه الوسائل تتمثل في المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية أو الحل السلمي عن طريق المنظمات الإقليمية.. الخ.

(الفقرة الثانية من المادة الثانية من الميثاق)

واليوم أصبح مطلب السلم من حق الأفراد وليس فقط التزاماً دولياً فيما بين الدول، بوصف أن الحق في الحياة من الحقوق الأساسية للإنسان، وبالتالي فإن حالة الحرب أو أي شكل من أشكال العنف تهدد هذا الحق.

ولاشك في أن السلم يعد شرطاً أساسياً للتمتع بالحقوق التي يتضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادتيه 28.6 وكذا المادتين 20.6 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966م، ويتعلق الأمر بالحق في الأمن والحق في الحياة، وهذا كاف للجزم بأن الحق في السلم من حقوق الإنسان.

إن قواعد القانون الدولي المتعلقة بحفظ السلم لها طبيعة آمرة وتحتل المرتبة الأعلى، وتؤدي إلى إبطال كل ما يتعارض معها أو يخالفها من الاتفاقات التي تبرمها الدول. والسمة المميزة للقواعد الدولية بشأن حفظ السلم والأمن ، هي التي دفعت إلى تصنيف الاعتداء عليها وعدم احترامها من بين الجرائم الدولية وترتيب المسؤولية الشخصية عليها.

هذا، وتعد المسؤولية الشخصية عن الجرائم في حق السلم أقصى درجة من التطور الذي بلغه القانون الدولي في مجال حفظ السلم والأمن. ويكون مرتكبها مذنباً على المستويين، الدولي والداخلي، ولا يمكن التذرع بالحماية الدبلوماسية ولا الحصانة على أساس أن القائم بهذا النوع من الجرائم كان في خدمة دولته واقتصرت مهمته على تنفيذ أوامر السلطة العامة في الدولة. إضافة إلى أن مسؤولية الدولة المعتدية لا تنفي مسؤولية الأشخاص عن الجرائم في حق السلم. فالازدواج في المسؤولية في هذه الجرائم معمول به.

وأخيراً تضمن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي تم تبنيه في روما 1998م جريمة العدوان التي ليست إلا جريمة ضد السلم بوصفه أهم حق من حقوق الإنسان.ِ

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى