تمثيل برلماني للجنس الثالث أو الرابع

> فاروق لقمان:

>
فاروق لقمان
فاروق لقمان
رأيتهم لأول مرة عند أول زيارة إلى ممباي - بومبي سابقاً- العاصمة التجارية والمالية للهند. فهي تضم 15 مليون نسمة بصفة دائمة وأكثر خلال ساعات النهار، ويصلها يومياً ألفا مهاجر من الأرياف.. أين يقيمون؟ في الشوارع العامة طبعاً. وعندما يجدون مأوى فهو في مجمعات الصفيح أو ما سميتها يوماً ما مدن الأسمال نسبة إلى الملابس القديمة والخرق القماشية التي تغطي الفجوات بين لوحات الصفيح. لذلك فهي تحتوي على أكبر مجمع أسمال في العالم بالقرب من المطار الدولي.

الذين رأيتهم هم جالية المخصيين بالولادة أو «الطواشي» الذين يصنفون بالجنس الثالث أو الرابع لا أقرب إلى الإناث ولا إلى الذكور ويتخلصون من رموز الذكورة عند الأطفال الذين يقومون باختطافهم أو تبنيهم أو إيوائهم لاستخدامهم لاحقاً في تخصصات المهنة. الجنس الثالث الذكور المتأنثون والإناث المسترجلات الذين يلجأون إلى العمليات الجراحية التحويلية.

المخصيون يلبسون كالنساء من السواري والأساور إلى إطالة الشعر واحتراف الرقص والغناء بأصوات قبيحة في الاحتفالات بمولد الأطفال الطبيعيين، والويل لمن يرفض تقديم عطايا لهم أو لهن - أي للمخصيين - عندما يصلون للتهنئة بالمولود الجديد، لأنهم يهددون وينفذون أحياناً قلع ملابسهم مما يخيف الأبوين والأهل لأنه نذير شؤم وشقاء طيلة العمر.

وعندما يحتفلون بأي مناسبة يتجمع الناس للفرجة على هذا الجنس الثالث العجيب بحركاته وأصواته وموسيقاه وبشاعته قبل إلقاء النقود في وسطهم ولأنهم يعدون بمئات الألوف وقد يصلون إلى المليون لا يمكن تجاهلهم أو الاعتداء عليهم بالضرب مثلاً أو رفض إكرامهم في حفلات الميلاد.

ولما كانوا لا يحملون بطبيعتهم فإنهم يعوضون عن موتاهم بتبني الأطفال غير المرغوب فيهم وما أكثرهم خارج المعابد والكنائس لأن أمهاتهم يتخلصن منهم .. ألم يكن أسلافنا يخصون حرس الحريم في القصور لحمايتهن من الانتهاكات؟

لا أحد يدري من أين أتوا أصلاً لكن بلداً كالهند يسكنها ألف ومائة مليون تحوي بالطبع كل فن وجنس ولا جنس، حتى أن راوية الهند الأول كوشوانت سنج الذي ألف كتاباً قصصياً عنهم أو عنهن لم يستطع أن يلقي أضواء على تاريخ هذه الجماعة سوى أنهم قادرون على القيام بأي عمل مهما كان.

صحافي بريطاني يعمل في العاصمة نيودلهي عانى الكثير من تهديدات الجماعة عندما رزق بولد لأنهم أحاطوا به وهددوه بالويل والثبور إذا لم يدفع لهم عشرة آلاف روبية (ما يعادل ثلاثمائة دولار أمريكي). ولما امتنع في بداية الأمر رابطوا عند منزله وقاموا بحركات أرعبته مع أناشيدهم المخيفة ولم يتركوه وشأنه حتى دفع لهم مائة دولار.

تقع المشكلة في تصنيفهم - هل تعترف بهم كذكور أم إناث لأن المرشحين يزورونهم للفوز بأصواتهم ضمن مئات الملايين من الناخبين البالغين من الجنسين والثالث. صحيح أن لهم اسماً بالإنكليزية (eunchs) - وإن كانت الهند تعرفهم باسم «الهجرا» بتعطيش الجيم وليس كما ننطقها في عدن وتعز والحديدة.

ومع ذلك فإن مرشحي الانتخابات يخطبون ودهم ويدفعون بهم إلى الصناديق للتصويت لهم. ولديهم اليوم من يمثلهم في البرلمان المركزي بالعاصمة ويدافع عند الحاجة عن مصالحهم ويعرض مطالبهم على الملأ، لكنه ليس من «الهجرا» إذ إنه رجل عادي يرتدي الملابس الوطنية ولا يجد حرجاً في الإعلان عن دائرته الانتخابية في ممباي وأن ناخبيه من الجنس الثالث مادام القانون يعترف بوجودهم وبأصواتهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى