خطاب للتنمية لا للحرب الباردة

> محمد علي محسن:

>
محمد علي محسن
محمد علي محسن
قبل خمسة أعوام أو أكثر وعلى صدر صحيفة «الأيام» سبق لكاتب السطور إثارة جملة من الموضوعات ذات الطبيعة الواحدة، وليس آخرها بالطبع ما طرحناه من تساؤلات وإجابات في مقالة (لماذا الوحدة ولماذا الانفصال).. وها نحن اليوم للأسف نعيد الكرة ثانية، ولكأنما عقارب الساعة توقفت عند تلك اللحظة الزمنية التي مازالت حاضرة في الخطاب والعقل والممارسة السياسية الماثلة بقوة في الوقت الحاضر، أو أننا هكذا لربما جبلنا على العيش في كنف الماضي ولدرجة عدم مبارحته سوى بجلودنا وأرواحنا النابضة بالحياة، عداها لا شيء يؤكد حقيقة مغادرتنا كهف أهل الكهف، فلا الفعل أو التفكير أو الخطاب السياسي والثقافي ولا حتى الممارسة أو السلوك الجمعي توحي لنا كشعب وسلطة ومعارضة ومؤسسات دولة بأن ما يعتمل في الواقع المعيش هو في مصلحة المستقبل الذي ننشده ولا صلة له البتة بذاك الزمن الشطري الذي قال فيه اليمنيون جميعاً كلمة الفصل مع إشراقة شمس يوم 22 مايو 90م.

لسنا بحاجة سوى للدولة الواحدة القوية بالعدالة والمساواة والحرية، وليس بالظلم والتمييز والإقصاء والقمع للآخر، فهذه أشياء عظيمة ولولاها لما قامت ثورة أو تحققت وحدة في العالم، ودونها تبقى كل الأبواب مشرعة أيضاً لزوال الحاكم والدول مهما علا كعبها وقوتها وجبروتها، ولنا في الماضي أو الحاضر الكثير من الدروس والعبر المستفادة، فلولا الحريات في دول أوروبا الليبرالية لما رأينا 25 دولة موحدة تحت مظلة الشراكة والتشريعات والعملة والعلم الواحد الجامع لأكثر من ربع مليار إنسان، ولولا ديكتاتورية الحزب الواحد والصوت الواحد في أوروبا الاشتراكية لما قدر لنا مشاهدة انفراط عقد الاتحاد السوفييتي، ومثل حبات المسبحة المتساقطة راحت جمهورياته الـ15 تفلت منه واحدة بعد الأخرى، ومن يدري ماذا سيحل ببقية مقاطعاته وأقاليمه الرافضة للوحدة القسرية، خاصة في ظل زيادة رقعة التمردات والحركات الانفصالية المطالبة بالحرية والاستقلال؟

قريباً وبعد بضع سنوات فقط تكون الثورتان 26 سبتمبر و14 أكتوبر قد أكملتا نصف قرن من عمرهما، والوحدة دخلت عقدها الثالث، بينما الخطاب السياسي بل وإدارة دفة البلد أصابهما كما يبدو الجمود أو العقم بمقتل، وما لم تتحرر الإدارة من شرك حقبة الحرب الباردة والصراعات الثورية في سبيل الدين أو الايديولوجيا وما لم يتبدل الخطاب السياسي والإعلامي وبما يتساوق مع حاجتنا كمجتمع جدير بتوظيف كل طاقاته البشرية والمادية من أجل خدمة وتنمية وطنه وحياته ومستقبل الاجيال القادمة، حتماً سنظل هكذا على نفس الوتيرة من الفقر والتخلف والحلم بالتغيير الشامل لمجمل أوضاعنا، ويكفي القول هنا أن 47% من السكان يقل دخلهم عن دولارين في اليوم وأن مليوني طفل خارج المدرسة و50% من إجمالي السكان لا تغطيهم الخدمات الصحية و41.7% تحت خط الفقر و46% من السكان يعانون سوء التغذية و64% لا يحصلون على مياه الشرب الصالحة وتشكل الطرق المسفلتة 9% من إجمالي الطرق ولا تتعدى 11 كم لكل ألف كيلو متر مربع، ومعدل وفيات الاطفال 97 حالة من 1000 مولود، أما معدل نصيب الفرد من المساعدات التنموية الرسمية فلا يتجاوز 11 دولارا بينما في دول أخرى مشابهة 120 دولارا و...و..و..إلخ.

كل ما بين أيدينا من أرقام ومؤشرات تؤكد تراجعا مستديما للمعيشة وللخدمات وللتنمية عامة، ولعل المرتبة 156 التي احتلتها بلادنا في آخر تقرير للتنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة إضافة إلى تصنيفها في القائمة السوداء وفي المرتبة السادسة من بين 31 دولة مصنفة دولياً كدول منخفضة التنمية البشرية بحسب تقرير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لعام 2005م الذي وضع اليمن في المرتبة 151 بعد جيبوتي 150 وقبل موريتانيا 152 فيما منظمة اليونيسف أكدت تقاريرها أن دولاً مثل بنجلاديش الفقيرة الموارد أو السودان أو جيبوتي تخطت بلادنا في الرعاية الصحية الأولية بعد أن كانت متخلفة وفي المراتب الأدنى. المطلوب في الحاضر خطاب وفكر وفلسفة أخرى حديثة وعصرية لإدارة البلد وتوجيه طاقاته نحو التنمية، ومن دون تحرر الطليعة السياسية في السلطة أو المعارضة من ربقة أسر الحرب الباردة وزمن الشمولية يصعب الحديث عن الديمقراطية والتعددية السياسية، ودونما التغيير الحقيقي لمفردات الخطاب السياسي وللوسائل والأدوات المسيرة لدفة إدارة البلد وبما من شأنه خدمة التنمية الشاملة لا يمكن الاطمئنان بمستقبل أفضل، وما لم ندرك جميعاً خطورة ما يعتمل في واقعنا جراء الإدارة بالأزمات لا أجزم أن ثمة مكانا للرقي والازدهار السياسي والاقتصادي والثقافي، وإنني لأعجب وأتساءل عن ماهية القادم المرجو ونحن على هذه الشاكلة من الجمود الفكري والسلوكي والخطابي الذي وصل ذروته بعدم استيعاب ما حدث ويحدث في العالم اليوم، فلا الاخوان المسلمون هم تنظيم الجهاد في حقبة الزحف الشيوعي ولا الاشتراكيون هم بعبع الأمس الخطر على النظم والشعوب والأديان ولا ايضاً المؤتمر بتنظيم الوسط بين اليسار واليمين كما قضت مستوجبات تلك المرحلة، وبالرغم من اختلاف الظروف الزمانية والمكانية لكل هذه الاحزاب بل ولمرجعياتها وأجنداتها مازال الخطاب والفعل يراد لهما البقاء هكذا في معركة خاطئة لا علاقة لها بالتنمية المنشودة من الثورة والجمهورية والوحدة، ولا بالعصرنة والعولمة التي تحلق فيها روسيا في كيان الاتحاد الأوربي والعراق وأفغانستان تحت الاحتلال.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى