من أولويات الرئيس بعد الانتخابات .. تدوير الوظيفة العامة .. هدف مؤسسي كيف نحميه من الانحراف ؟!

> محمد سعيد سالم:

>
محمد سعيد سالم
محمد سعيد سالم
تدوير الوظيفة العامة بالدولة، بعد فترة زمنية لا تتجاوز أربع سنوات، الذي أعلنه الرئيس علي عبدالله صالح منذ أيام، ضمن توجهاته الجديدة بعد الانتخابات، هو إعلان عن فتح «بوابة» في النفق المظلم المشبع بآليات ومكونات الفساد الوظيفي والإداري في مؤسسات الدولة، الموروث من مراحل مسيرة المجتمع والوطن في العقود الطويلة الماضية.

الأمر: إعلان من الرئيس باعتماد سياسات مكافحة الفساد في أجهزة الدولة وإداراتها المختلفة، وهو التزام ببرنامجه الانتخابي الرئاسي وقبول بشروط الشعب عند عدوله عن قرار عدم الترشيح للانتخابات. وأجد الإعلان - في الوقت نفسه- قبولاً بجانب من مضامين الخطاب الانتخابي للمعارضة (اللقاء المشترك)، الذي دعا إلى العمل على إقامة دولة مؤسسات في اليمن، تنهض بوطن الوحدة ومسيرة الديمقراطية، وتنميته وتأهيله ضمن إيقاع سريع ونظيف وشفاف يتمناه المواطن اليمني.

إذن ، يقدم الرئيس صالح دليلاً جديداً على توجهاته الجديدة في بناء الدولة وتطورها، وفي فتح صفحة جديدة مع اللقاء المشترك وأحزاب المعارضة الأخرى، التي نعتبرها من مقومات العمل الوطني الجاد والصادق في الفترة القادمة.

قراءة في ملامح التوجه

ما تقدم يضع المواطن اليمني، بمختلف شرائحه الاجتماعية أمام صورة من التفاؤل على أن الكثير من معوقات التنمية، وسوء الإدارة، ومفاصل الفساد، سيكون محل تقييم ونظر، على طريق إنجاز عملية تأهيل متكاملة لمؤسسات الدولة، تعزز من قيم التعاون والحوار، والتنمية، والوحدة الوطنية، والتكامل في القضاء على جذور الفساد سياسياً وإدارياً ومالياً وقانونياً.

ولذلك يأتي موضوع تدوير الوظيفة العامة في اليمن، بين الخطوات المهمة على هذا الطريق. ولكن كيف يمكن للمرء أن يقرأ ملامح هذه الخطوة، ويتصور تفاصيلها في الاتجاه الذي يحقق لها الهدف الوطني والإنساني والقانوني النبيل، ولا يصطدم بحسابات ضيقة، أو مصالح الفاسدين!!

فيما يلي اجتهاد متواضع لهذه القراءة، من واقع تجربة 30 عاماً، وبهدف المساهمة الفكرية على مسار الهدف نفسه.

التعريف ومسارات مطلوبة النجاح

إن عمليات تدوير الوظيفة العامة تحتاج أولاً إلى تعريف، يمكن من خلاله استخلاص الهدف الذي نأمل أن نصل إليه على طريق تأهيل اليمن تأهيلاً مؤسسياً نافذاً.

يمكن لنا - هنا - أن نجد تعريفاً مبسطا لتدوير الوظيفة العامة، من خلال الكلمات التالية: (عدم بقاء مسؤول ما في وظيفته لمدة طويلة، تؤدي إلى العجز والجمود وعدم القدرة على الخلق والإبداع. وتكون سبباً لينخر الفساد مكونات هذه الوظيفة والعاملين عليها والمسؤول عنها..).

وتختلف تقديرات الفترة الزمنية لبقاء مسؤول ما في وظيفة عامة، من بلد إلى آخر، بحسب قوة السلطات الأساسية في المجتمع:(التنفيذية، التشريعية، والقضائية) ومستوى الفصل بينها، ومستوى أدائها لدورها حسب الدستور والقوانين النافذة.

في هذا الاتجاه، حدد الرئيس في إعلانه تدوير الوظيفة العامة مدة أربع سنوات لبقاء مسؤول ما في وظيفة عامة. وهي مدة كافية بالقياس على مستوى فاعلية السلطات الثلاث المذكورة، في إطار اختصاصاتها والمشكلات التي مازالت تعترض تطورها القانوني الذي تستقل به كل واحدة منها عن الأخرى، على مستوى الوطن والمجتمع.. فالوظيفة العامة لا يمكن تحقيق الهدف من تدويرها، إلا بمسارات تطور موازية على مستوى السلطات الثلاث المشار إليها، وعملية تطور مماثلة في دور المجالس المحلية بالمحافظات وانتقالها إلى مرحلة الصلاحيات الكاملة في نطاق محافظاتها ومناطقها.

الهدف المطلوب ودور الوظيفة العامة

في ضوء ما تقدم، يسهل علينا الاستخلاص النظري للهدف المنشود من تدوير الوظيفة العامة في مؤسسات (الدولة) بحيث يجرى صياغته على النحو التالي:

(إن من بين أبرز مهام وأهداف (وظيفة عامة ما) هو وضع السياسات والآليات التي من شأنها إثراء المجال الذي تعمل في سياقه، وخلق النشاط النوعي الذي يمثل محركاً يحول الإمكانات المادية والطاقة البشرية في المجال نفسه إلى طاقة منتجة ومبدعة).

وعلى ذلك، يكون تدوير الوظيفة العامة (بحسب فكرة الأخ الرئيس)، ولتحقيق هذا الهدف، عملية بالغة الأهمية في البناء المؤسسي المنتج لمؤسسات أي دولة تتجه نحو تنمية قابلة للتطور، وتسهم في تحقيق الاستقرار وتكرس قيم الانتماء والوحدة الوطنية في المجتمع، وتجعل من الوظيفة العامة قوة مساعدة على التفاني في الخلق والإبداع، والانتقال من مرحلة إلى أخرى في الأداء والإبداع والإنتاج بالكثير من الشفافية ودون مشكلات وبأقل قدر من الفساد..!!

حماية الهدف من الانحراف

أعتقد أن الوظيفة العامة في عديد من مؤسسات الدولة في الفترة الماضية، وبحسب اعتماد الرئيس سياسة مكافحة الفساد ضمن أولوياته، ومن خلال ما كشفته الكثير من تقارير الجهاز المركزى للرقابة والمحاسبة، ما يدل على أن (الوظيفة العامة) قبل أن يتم اعتماد النهج القادم لتدويرها (ضمن فترة محددة من السنوات)، تحتاج إلى إجراءات نوعية ذات أهمية قصوى، قبل الانطلاق نحو تحقيق الهدف، دون معوقات ولحماية من الانحراف، وهي:

1) تحديد الوظائف العامة ومستوياتها في نطاق الدولة ومؤسساتها المختلفة.

2) التمييز بين الوظيفة العامة والوظيفة السياسية، ومستواها الإداري والقانوني.

3) تصنيف وتوصيف الوظائف العامة، بحسب طبيعتها المهنية والإدارية فهناك: وظائف إدارية، ووظائف ذات طبيعة محاسبية مالية، ووظائف ذات طبيعة إبداعية، لتحديد الفترة المناسبة لتدوير كل منها.

4) اعتماد معايير جديدة لتعيين من يشغل الوظيفة العامة، وفقاً لطبيعة الوظيفة واختصاصاتها، وبما يتفق مع البرنامج الوطني أو السياسي للحزب الحاكم، الفائز بانتخابات دستورية معترف بها. مع التأكيد هنا أن الحزب أو الأحزاب التي تحكم لا يحق لها أن تفرض معايير حزبية أو شخصية، أو ذات طابع مذهبي، أو قبلي، أو مناطقي في الوظيفة العامة، فالمعيار الوطني القائم على الأفضلية المهنية، والكفاءة الإدارية، والخبرة التنظيمية، والموهبة، يجب أن يكون ملازماً لقاعدة (نهج) تدوير الوظيفة العامة.

وعندما دعا الرئيس علي عبدالله صالح إلى ذلك، ضمن أولوياته بعد الانتخابات فقد توافق هذا الأمر مع هواجس كثيرة يعيشها المجتمع بكل مكوناته الحزبية والسياسية والوطنية والأهلية، وأصاب واحدة من أبرز مضامين الأهداف التي طرحتها المعارضة على مدى سنوات دولة الوحدة اليمنية. وفي هذا (إشارة) إلى أن الرئيس ومن خلفه الحزب الحاكم، في (نقطة اقتراب) - ولو نظري - حتى الآن، من مطالب المعارضة لبناء الدولة الحديثة في اليمن، مع الاعتراف بوجود (تباينات) في مشروع كل منهما (المؤتمر الشعبي والمعارضة) للدولة الحديثة في اليمن، وللآليات التي يمكن اتباعها لتحقيق هذا الهداف! وهذا أمر طبيعي!

البداية في فهم المسارات

في عاليه، قدمنا قراءة في ملامح التوجه في عملية تدوير الوظيفة العامة، وتعريفاً بالهدف المتوقع منه، وكيف يمكن فهم دور الوظيفة العامة، وسبل نجاحها في دعم قيام دولة المؤسسات، وعرضنا إلى الإجراءات اللازمة، المطلوب اتخاذها، قبل عملية تدوير الوظيفة العامة.

وهنا سنقدم تصوراً حول الجهات المفترضة لرسم تدوير الوظيفة العامة، وللمفاهيم والآفاق التي لا غنى عنها لتحقيق النجاح المطلوب!

الآلية الوطنية وحيادها

إن عملية (تدوير الوظيفة العامة) في ضوء ما تقدم، تفرض حاجة كبرى لنوع الجهة المفترضة التي ستوكل إليها هذه المهمة النوعية الاستراتيجية!

فإذا كان الاتجاه سيجري تنفيذه من خلال الآليات المتاحة في (الوظيفة العامة السائدة في التكوينات الإدارية الحالية) فإن ذلك قد يضعف من كفاءة بلوغ الهدف الكبير الذي ينشده الأخ الرئيس. فكيف يمكن أن يوكل مثل هذا الدور الاستراتيجي المهم إلى (رجال الوظيفة العامة) التي جاءت أولوية الرئيس بعد الانتخابات من أجل تحريكها وإخضاعها لعملية التدوير. إذن يحتاج الأمر إلى (آلية وطنية) تستوعب الجهات والأفراد القادرة على ممارسة الدور بحيادية كاملة، وعلى مسار الرؤية التي وردت في تعبير الرئيس بضرورة تشكيل لجنة وطنية عليا لإنجاز هذه المهمة.

هنا، علينا أن نستحضر عملية تشكيل اللجنة العليا للانتخابات، والدور الذي حدده لها الدستور والقانون والقرارات الرئاسية.. كما أن علينا أن نكثف من وسائل النجاح حول مثل هذه التوجهات في الفترة القادمة، حتى لا تتكرر المشكلات في التجارب الوطنية التي من هذا النوع.

لجان وطنية فرعية

وبطبيعة الحال، ستكون اللجنة الوطنية العليا لتدوير الوظيفة (إذا نجح العمل بهذه الفكرة) في حاجة ماسة إلى أن يوازيها لجان وطنية فرعية، وبنفس الروح والمعنوية الوطنية، التي يجب أن تكون تحت نظر الرئيس علي عبدالله صالح شخصياً، حتى إنجازها لمهمتها الوطنية الكبرى.

قانون لتنظيم العملية

في الاتجاه ذاته، سيحتاج الأمر إلى قانون ينظم هذه العملية، ويستوعب ملامح وصور مختلف الوظائف العامة في الدولة، وتوصيفاتها المتعددة. وهذا القانون - في الوقت نفسه - سيكون ضمانة تشريعية لعملية تدوير الوظيفة العامة في الدولة، دون الخوف من وجود كوابح ذاتية، أو غير وطنية، أو - على الأقل - من أجل تقليل مخاطر الإعاقة التي يمكن أن تنشأ من (مستوطنات الفساد ورموزه) داخل أجهزة ومؤسسات الدولة.

خبراء لدعم الأولويات

وفي حال أن سارت العملية في هذا الاتجاه، ستكون اللجنة العليا والقانون واللجان الفرعية، والعملية بصورة عامة، في حاجة إلى (خبراء وتقنيين)، ومساعدة مباشرة من الدول والمنظمات القادرة على تعزيز نجاح هذه العملية، حتى تتفق مع ما ننشده من باقي الأولويات التي طرحها الأخ الرئيس بعد إعلان فوزه الكبير بالانتخابات، ومنها انتخاب المحافظين ومأموري المديريات من خلال المجالس المحلية المنتخبة، وهي عملية ذات بعد (ديمقراطي) غير مسبوق، ولكن التطلعات تتجه إلى أن تكون له نتائج تحدث شيئاً من التغيير في قوة وتأثير السلطة المحلية على مستوى المناطق والمحافظات، ولا تعيد إنتاج أماكن السوء والفساد في المجتمع!!

الجهود الوطنية وتحقيق المساواة

إن كل الجهود الوطنية، التي يبذلها الأحزاب والأشخاص من القادة السياسيين، والجهات الوطنية، رغم اختلاف مضامينها وصياغاتها الفكرية، تتم ضمن مسارات تنافسية مشروعة، معززة بعوامل استقرار يحسدنا عليه الكثير من شعوب ودول العالم، ونحمد الله على ذلك.

لكن، لابد أن يستهدف الجميع تحقيق المساواة بين الناس، ومنتسبي الأحزاب والقبائل والمناطق، في الحقوق والواجبات. ينبغي أن يكون هدف التنافس على قيادة العمل الوطني، والتداول السلمي للسلطة، لإسقاط آليات الفساد والتمييز والتفاوت في الحقوق بين الأفراد، على أسس حزبية، أو عرقية.

الطريق إلى دولة المؤسسات

النظام الديمقراطي، وحده القادر - من بين الأنظمة السياسية السائدة في عالم اليوم - على تهيئة الظروف المناسبة لنشر قيم التسامح، والحرية ذات الانتماء الوطني المخلص، وعلى تفعيل دور الفرد، في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من خلال - ما تقوله مختلف الموسوعات السياسية في هذا الشأن- بلورة المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية للأفراد، داخل المنظمات والأحزاب وفي المجتمع، وإيصالها لصانع القرار السياسي، سواء في السلطة التشريعية، أو التنفيذية.

أعتقد أن أشكال القمع والسيطرة عندنا في طريقها إلى الزوال. وأولويات الرئيس بعد الانتخابات تقدم في عناوينها الكثير من هذه الدلالات. ومع ذلك فالطريق إلى إنجاز دولة المؤسسات والنظام والقانون مازال طويلاً! وبعون الله لن تتوقف المسيرة!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى