«الحرب الباردة»... هل مَنْ ينتصر فيها إذا وقعت؟

> غسان تويني:

>
غسان تويني
غسان تويني
مجموعة حسابات خاطئة ترتسم في أفق الأزمة اللبنانية قد تؤدي الى تحوّل لبنان، مرة أخرى، ساحة حروب قد يستدرج اللاعبون الصغار - اذا استكبروا - المجموعات اللبنانية كلها الى خوضها "من أجل آخرين"!

وقمة الخطأ، بل الخطيئة، تكمن في الظن ان هذه الحروب يمكن ان تنتهي الى انتصارٍ، او انتصارات متوازنة لهذا الفريق أو ذاك ولو أدى الأمر الى ما وصفته صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية (محذّرة أم مبشّرة؟) بـ"تغيّر شكل الدولة".

***

ما هي هذه الحسابات الخاطئة؟

أولها الحساب الإيراني - السوري ان الروسيا، عبر الانتقادات والتعديلات التي قدّمتها على مشروع قرار المحكمة الدولية في مجلس الأمن تهيئ نفسها للعودة الى مثل "الحرب الباردة" التي كانت سائدة في الشرق الأوسط وفي ساحات المواجهة الأخرى مع أميركا والغرب.

وبالتالي انه من الممكن لإيران ان تستظل هذه الحرب الباردة، ولو مصغّرة، لمواجهة مع اميركا والغرب في لبنان بالسير في ما وصفته واشنطن بـ"المؤامرة" لاسقاط الحكومة "السنيورية" بالقوة.

ومن الممكن ان تجري المواجهة هذه لأن طهران قد تجد فيها بديلاً أرخص من المواجهة حول تطوير القنبلة النووية... علماً بأن موسكو قد تكون أقرب الى الدفاع عن ايران في وجه العقوبات التي يهدّدونها بها في مجلس الأمن، منها الى مواجهة اميركا في "حرب باردة" هي في غنى عنها ولا مكسب لها منها بالحسابات الدولية الكبرى حيث مصلحة روسيا أن تستمر تفيد من الاعتبار الدولي المعترف لها به، والذي يحصّن تقاربها مع الصين. وهي الى ذلك في غنى عن جبهات ثانوية قد تغيّر المعادلات التي توظّفها روسيا في حرية تحرّكها، حتى في مجلس الأمن.

فاذا استمر "حزب الله" في قراره فتح الجبهة اللبنانية، ولو سانده الجنرال عون، فقد يجد ان ثمة في مواجهته واشنطن وباريس لا تردعهما موسكو التي قد تشيح ببصرها عما يجري في بيروت، ولو استمرت، لإنقاذ ماء الوجه، تقترح التعديلات على قرار المحكمة الدولية. وربما صعّدت في جبهات اخرى أخصب مردوداً!

واذذاك سيجد "حزب الله" نفسه مضطراً الى التراجع او تحديد حجم الجبهة، لانعدام السلاح الذي قد تضطر طهران، فضلاً عن دمشق، الى العزوف عن اللجوء اليه.

وفي "الجبهة المحدودة" هذه، أكبر المحرجين سيكون تيار الجنرال عون الذي لا يمكن ان يسوق "شعبيته" لا الى مواجهة مع مسيحيي الفريق الآخر ولا خصوصاً الى التسليم بقيام دويلة يحكمها "حزب الله" و"يواطنها" العونيون، بينما قد يؤدي "تغيّر شكل الدولة" اللبنانية الى تألّف اتحادات سياسية أكثرية، متعددة الطوائف واقرب الى الشكل اللبناني الأصيل.

***

وتفكيك الكيان اللبناني و"شكل الدولة" الذي تبشّر به المصادر الاسرائيلية - وهو غايتها الدائمة من عدائها الأزلي للبنان الديمقراطي الميثاقي التعددي - يظل احتمالاً قائماً حتى اذا صحّ حساب الاستظلال الروسي في حربٍ باردة مصغرة...

وينشأ السؤال: هل يكون ذلك انتصاراً لـ"حزب الله" وحلفائه المسيحيين؟

وهل حارب "حزب الله" اسرائيل وانتصر، من أجل أن تتحقق أهدافها الأبعد من حرب تموز؟

بل هل "تقسيم لبنان" يخدم السياسة السورية التي ربما أرادت ضم لبنان، أو اعادة الوصاية عليه، ولكن قطعة واحدة، وليس مفجّراً لأنه اذذاك سيكون "متفجراً" وتفجيره ربما أدى الى تفجير سوريا، وهي بذلك أدرى!

***

ولأن الأمر كذلك، فالمسيرة الحكيمة التي يمكن ان تختار دمشق طريقها، اذا انفتحت أمامها، هي تشجيع واشنطن (عبر التجاوب مع المبادرة البريطانية) على احياء المفاوضات مع اسرائيل لاستعادة الجولان (بدل لبنان!!!) وحل قضية شبعا بما يؤمِّن لـ"حزب الله" انتصاراً لبنانياً دسماً يكبّر لبنان ولا يصغّره، وينشر فيه السلام بدل الحرب.

فهل بين اللاعبين من سيحسن الارتفاع من لعبة المقاعد الوزارية والأقلية المعطّلة لـ"أكثرية وهمية" (ثبت انها ليست كذلك) التي تجعلنا كلنا دمى في لعبة أكبر منا، ولا يبقى لنا من بعدها حتى ولا حكومة تستحق ان يطمح الى دخولها "معارض" لا يعود يعرف اذذاك ماذا يعارض ولماذا... ولا ماذا ومن يوالي... ولماذا؟

عن «النهار» اللبنانية 6 نوفمبر 2006

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى