دية المرأة بين الشريعة والقانون

> «الأيام» جلال عمر البطيلي:

> القسم الثالث: قراءتنا لتنصيف دية المرأة وما يرد عليها .. من خلال قراءتنا في موضوع الدية وماهيتها وحكمة مشروعيتها وصورها وحالاتها بشكل عام وموقف الشريعة وعلماء الفقه من ذلك واختلاف الاتجاهات فيها عموماً، وفي دية المرأة واختلاف الاتجاهات فيها بين المنصف لها والمتمم بشكل خاص ومقارنة ذلك بالقوانين الوضعية والفقهية.. وجدنا أن هناك ما يمكن أن يرد على أصحاب الاتجاه المنصف لدية المرأة مما يقتضي البحث والتحقيق للوصول إلى التحديد الصحيح للمركز القانوني الفقهي والشرعي لدية المرأة، ولعل أهم ما يمكن أن يرد على أصحاب الاتجاه المنصف لدية المرأة ما يأتي:

أولاً: ومما يرد على تنصيف دية المرأة أن الأسانيد التي اتكأ عليها أصحاب تنصيف دية المرأة هو القياس حيث نصفوا دية المرأة بالقياس على ميراثها وشهادتها.. غير أن ذلك مردود عليه بأنه قياس غير موفق وذلك لانعدام علة الاشتراك في هذا القياس. ففي الميراث شرع للمرأة النصف من الرجل باعتبار أن المرأة لا تتحمل من الأعباء المالية والنفقات بقدر الرجل وهذا هو سبب زيادة الرجل في الميراث عليها، إضافة إلى أسباب لسنا بصددها هنا. وهنا أي في حالة الميراث تكون المرأة هي المتصرفة والمستفيدة من هذا الميراث وهي صاحبة الحق فيه على خلاف الدية التي لا تنفق منها المرأة ولا تكون هي صاحبة الحق والتصرف فيها أو المستفيدة منها، باعتبار أنها أي المرأة تكون قد توفيت ويكون ورثتها هم المستفيدون والمتصرفون وهم أصحاب هذا الحق ومن يملكون التنازل عنه، وورثتها قد يكون رجلا أو رجالا على خلاف الميراث الذي تتصرف به وتنفقه هي بنفسها، وبالتالي انعدام علة الاشتراك في قياس دية المرأة على ميراثها باعتبار أن المتصرف المستفيد في الميراث هي المرأة نفسها بينما في الدية ليست هي وإنما ورثتها الذين قد يكون جميعهم رجالا وهنا تنعدم علة القياس وهي الشخص المتصرف، والسبب والتدليل على ذلك أن ورثة المرأة هم من يملكون حق التنازل عن الدية وقبولها أو رفضها وليس المرأة التي تكون قد توفيت أصلاً، وبالتالي انعدام علة القياس باعتبار أن المرأة في الميراث هي صاحبة الحق بينما في الدية ورثتها هم أصحاب الحق.

أما بالنسبة لشهادتها فقد جعل الشارع شهادة امرأتين تقابل شهادة رجل، وذلك ليس لنقص في المرأة أو لعدم مماثلتها بالرجل حتى نقيس عليه ديتها، وإنما كان ذلك بسبب تركيبتها الفسيولوجية وضعف ذاكرتها وتعرضها للنسيان، فكان امرأتان برجل حتى تذكر إحدهما الأخرى في حال نسيانها.. وبالتالي من غير الصحيح أن نقيس على ذلك حقوق المرأة لأن النسيان الذي جعل له الله عز وجل امرأتين برجل ليس نقصاً يتوقف عليه تقدير الحقوق.

ثانياً: ومما يرد أيضاً على تنصيف دية المرأة هو عدم إمكانية استقامة تنصيف دية المرأة مع الواقع، وندلل على ذلك بمثال رجل قتل امرأة عمداً وتمسك أولياؤها بالقصاص فكيف يكون الوضع..؟ أيقتل الرجل بالمرأة؟! ولكن في ذلك إخلالا بالموازنة عند المنصفين لدية المرأة لأن في الاقتصاص من الرجل بالمرأة فيه زيادة على قيمة المرأة باعتبار أنهم جعلوا ديتها النصف من الرجل، فكيف يقتل هو بها كاملاً بينما هي لا تساوي إلا النصف منه؟ والعكس كذلك كأن تقتل امرأة رجلاً فإن قتلت به فقد أنقصنا من حق الرجل باعتبار أن المرأة تشكل النصف منه - ويلزمنا في هذه الحالة قتل امرأتين للاقتصاص للرجل قياساً على تنصيف ديتها- وهكذا فإن في تنصيف دية المرأة إخلالاً بالموازنة عند تطبيق القصاص..! فكيف نساوي بينهما في القصاص بينما نفرق بينهما في الدية في آن واحد ووضع واحد! وكيف يكون للرجل دية كاملة من المرأة ولا تكون للمرأة دية كاملة منه..! مع أن كلاً منهما يُقتل بالآخر.

ثالثاً: ومما يرد كذلك على تنصيف دية المرأة أن أسانيد أصحاب تنصيف دية المرأة هي السنة النبوية (الحديث) والإجماع والقياس، بينما يستند أصحاب الدية الكاملة للمرأة على السنة النبوية (الحديث) أسوة بأصحاب التنصيف ويزيدون عليهم بنص قرآني. وفي جميع الأحوال الحديث الشريف لا يرتقي إلى قوة النص القرآني المتناول للدية بلغة التعميم ذكرا وأنثى ما لم يثبت نسخ هذه الآية أو تخصيصها بآية أخرى أو بحديث صحيح وواضح، وبغير ذلك تبقى الآية القرآنية هي النص الواجب التطبيق. والله أعلم.

رابعاً: ومما يرد على تنصيف دية المرأة أن استناد المنصفون لدية المرأة على القياس كمصدر من مصادر التشريع إلى جانب السنة النبوية التي يستندون عليها أيضاً في الموضوع نفسه يوحي بضعف وهشاشة هذا السند (أسانيدهم)، حيث إنه ومن الثابت أن لا يؤخذ بالقياس مع وجود النص، فالقياس لا يكون إلا في غياب النص.. وأن في استناد أصحاب هذا الرأي المنصف لدية المرأة على الحديث والقياس في آن واحد يوحي بعدم تحققهم من سند الحديث ومرجعيته وإلا ما ذهبوا إلى القياس مع وجود النص (الحديث) لأن في ذلك مخالفة للقواعد الفقهية والشرعية، فالقياس يأتي دائماً بعد النص وفي غيابه ولا ننتقل إلى القياس إلا في غياب النص (الحديث)، أما متى وجد النص (الحديث) فيجب الوقوف عنده متى كان صحيحاً وقويا ولا حاجة إلى القياس إلى جانبه إلا في غيابه أو ضعفه.

خامساً: ومما يرد على تنصيف دية المرأة أن في التنصيف تعارضاً مع الحكمة من مشروعيتها، حيث قد شرعت الدية لحماية النفس الآدمية، والردع، والزجر، وتطبيقاً عملياً للقاعدة الفقهية (لا يهدر دم في الإسلام) وإن في إنقاص دية المرأة عن الرجل إهداراً لنفس المرأة وتقليلاً للردع والزجر نحوها حيث سينتج عن ذلك اتجاه الجريمة نحو المرأة بشكل أكثر من الرجل.

سادساً: وكذلك ومما يرد أيضاً على تنصيف دية المرأة وإرشها أن في إنقاص ارش المرأة تعارضاً مع منطق المعقول، فكيف يكون كلما زاد جرح المرأة وألمها نقص ارشها على حسب أصحاب الاتجاه المنصف لارش المرأة فيما زاد عن الثلث بنصف ارش الرجل، فالأصل والمنطق أن يزداد ارشها كلما زادت جروحها لا أن ينقص كما ذهب إليه أصحاب هذا الرأي ومنهم المشرع اليمني فـي إنقـاص ما زاد عن الثلث من ارش المرأة وتنصيفه عن ارش الرجل.

سابعاً: ومما يرد كذلك على الاتجاه المنصف لدية المرأة عدم توافقه مع أحكام الشريعة حيث إن الشريعة الإسلامية لم تتجه نحو تنصيف دية المرأة وإنقاصها عن الرجل، وأن الاجتهادات هي ما أحدثت ذلك وربما للسياسة الغربية يد في إرجاع ذلك إلى الإسلام. وإن الشريعة الإسلامية لو أرادت ذلك لذكرته صراحة كما نصت الآيات المخاطبة للمرأة في قوله تعالى {للذكر مثلُ حظّ الأُنثيين} بلفظ صريح وواضح ومحدد المقدار ونصيب كل من المرأة والرجل والتفريق بينهما، أو كما حصل في موضوع الشهادة عندما جعل شهادة امرأتين برجل بقوله تعالى{واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجُلين فرجلٌ وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضلّ إحداهما فتُذكر إحداهما الأخرى} أو غيرها من الآيات المتضمنة لنون النسوة المميزة للمرأة عن الرجل وليس بلغة التعميم كما جاءت الآية المتناولة للدية دون تخصيص أو تمييز بين الرجل والمرأة مما يفهم منه مخاطبة هذه الآية في موضوع الدية للمرأة والرجل على حد سواء دون تخصيص أو تدليس.

ثامناً: ومما يرد أيضاً على الاتجاه وأنه يتعارض مع أحكام وقواعد الشريعة الإسلامية التي تقتضي المساواة أصلاً ولا يكون الاستثناء إلا بنص صريح كما كان ذلك في مواضيع الميراث والشهادة التي خصصت للمرأة وضعا خاصا خلافا للقواعد العامة بنص صريح، والتي لم يرد من ضمنها موضوع الدية، وبالتالي يبقى على أصله دون خروج وفقاً للقواعد العامة.

هذه هي حصيلة قراءتنا لموضوع دية المرأة، سائلين المولى عزوجل السداد والتوفيق آملين من الأخوة العلماء والأئمة والفقهاء الأفاضل البحث والنظر في هذا الموضوع حتى نكون أمام تشريع صائب.

تاسعاً: إن في اتجاه تنصيف دية المرأة تعارضاً مع المنطق والمعقول ومع الواقع، حيث إن الأصل في الحقوق أن تقدر تبعاً لأصحابها، وأن من يملك التنازل عن الشيء هو من يملكه وفي الدية فإن الورثة أي ورثة المرأة المتوفاة هم أصحاب الدية ومن يملكونها، وبالتالي فإن تقدير هذه الدية يكون تبعاً لهم وليس للمرأة المتوفاة التي لا تملك الشيء أصلاً.

محام ومستشار قانوني

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى