لقمان في رحاب جامعة عدن (13- 15 نوفمبر 2006م)

> د. أحمد غالب المغلس:

> إن النسيان أو التجاهل لا يشكل قانوناً للحياة، بل دخيلاً عليها، لأن التاريخ وحده القادر على رد الاعتبار والحقوق المشروعة لكل من وقع تحت طغيان التجاهل ومرادفاته من المناضلين اليمنيين، ممن أوّلت أقوالهم وأفكارهم ومواقفهم على غير ما أرادها أو تركها أو سطرها أصحابها، على الرغم مما لهؤلاء الرجال من أدوار نضالية وإنسانية وتنويرية ونبوغ وإبداع ملموس لا تحجبه أو تقلل من شأنه الخصومات والمماحكات السياسية بين الأقران وفرقاء الكلمة.

من هؤلاء العمالقة الوطنيين المجاهد محمد علي لقمان المحامي (6 نوفمبر 1898م - 22 مارس 1966م)، فقد تجاهل اليمنيون تاريخه ومواقفه وفكره وتراثه ودوره الريادي والإصلاحي والتنويري بسبب أو بآخر، نظراً لموقفه الرافض لاقتتال الإخوة حينها في الشطر الجنوبي من الوطن، لكن عمق فكره وعظمة الرسالة التي حملها طيلة مشوار حياته أخذت تصارع ثقافة الجهل والتخلف وتؤرخ لجيل بأكمله ونضال امتد من ثلاثينيات القرن المنصرم وحتى العقد السادس منه. ثمة ما يدعو الباحث المنصف ليقف على ما تركه لقمان من تراث، وما صنع من بدايات ونقلات نوعية ملحوظة أدبياً وفكرياً وصحفياً، فقد كان رحمه الله أول من أنشأ صحيفة عربية مستقلة في اليمن وهي (فتاة الجزيرة) عام 1940م وأول من أنشأ صحيفة باللغة الإنجليزية مستقلة في اليمن وهي Aden Chronicle)إيدن كرونكل( عام 1953م، وأول من نشر رواية في اليمن وهي (سعيد)، وكان قد أنشأ قبل ذلك نادي الأدب العربي عام 1952م لدعم ورعاية الإبداع، وأنشأ (مخيم أبي الطيب المتنبي) 1939م، تحولت (فتاة الجزيرة) إلى دار نشر فخرج منها عدد من الكتب السياسية والتنويرية والإصلاحية، منها (بماذا تقدم الغربيون؟) الذي قدم له الأمير شكيب أرسلان رحمه الله.

وقف المجاهد لقمان في قلب الأحداث اليومية لليمن، وعمل على هندسة وإعادة إصلاح حراكه الفكري والإبداعي، مشاركاً في كل مفاصل النضال الوطني، واستهل مشروعه التنويري بالدعوة إلى نشر العلم والمعرفة والاهتمام بالتربية وتعليم المرأة اليمنية كونها تمثل الصمام الأول للتربية السليمة وتحرير العقلية الاجتماعية من كوابح الجهل وطغيان العادات والتقاليد، ومن ثم الانطلاق إلى عالم تحكمه المعرفة والعلوم والتربية الحديثة والمتوازنة التي تشكل بمجموعها الحاضر السوي، وتتنبأ في الوقت نفسه بشكل ومضمون وطموحات واحتياجات المستقبل.

في جامعة عدن يبعث لقمان من جديد، بمشروعه الفكري والتنويري والنضالي محاوراً ومنافحاً عن حقه في التكريم والاهتمام ومن ثم الإجماع على رد الاعتبار لهذه القامة الحضارية، وهي أيضاً دعوة مماثلة لكل المفكرين والمثقفين والباحثين لإعادة قراءة التاريخ النضالي اليمني وفحصه ومساءلته، سعياً وطنياً لإعادة الاعتبار لكل المناضلين، التزاماً بالثوابت الوطنية التي لا تجحف أحداً أو تتجاهله، اتفقنا أو اختلفنا معه. عُد لقمان أول محام في اليمن والجزيرة العربية والخليج، وتحمل أمانة الدفاع عن المظلومين ورجال الحركة الوطنية وعلى رأسهم زعيم الأحرار اليمنيين الشيخ عبدالله علي الحكيمي، أفلا ندافع معاً عن حق وتاريخ لقمان الرمز الوطني والحياة الحافلة بالوعي الصادق والعمل المتواصل من أجل يمن بلا جهل يمن بلا تخلف. إنها لسنة جميلة وحسنة تمارسها جامعة عدن في مشروعها الثقافي ودورها البحثي الوطني أن تسلط الضوء على رموز تاريخنا النضالي والتنويري وعقد شراكة بين الثقافة والسياسة لإعادة الاعتبار إلى نجوم الوطن التي لم ولن تأفل من ذاكرتنا ووعينا الحضاري.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى