محمد علي لقمان .. الرؤية التنويرية وتمثلاتها في النقد والأدب

> «الأيام» عبدالرحمن عبدالخالق:

> ويوضح الباحث أنه حين يقوم لقمان بمناقشة تلك القيم الإنسانية - التي حققت للغرب مثلما صنعت لأسلافنا ذلك العطاء الحضاري العظيم إلى واقعنا العربي الراهن الذي سيجعل مدينته عدن الذي سيعاينه، فإن كثيرا من الصدمات والخيبة هي التي ستخبر بها أسطره وتعبر عنها.

ويستعرض الباحث أهم انشغالات لقمان ومصدر قلقه فيما كتب وعرض.. بدءا بوضع مدينته عدن التي يخيم عليها الجهل والبؤس، وسيطرة المعتقدات والخرافات وهو ما يشير إليه لقمان - لاسيما عند النساء - سواء في التداوي أو البحث عن أسباب كثيرة من الظواهر المرضية المنتشرة بين أفراد المجتمع بالبخت والتنجيم والسحر، مرورا بالتخلف المطبق الذي تعيش فيها المرأة وبما يؤثر في مقدرتها على تربية أبنائها. أما الشباب فهم حالة أخرى تثير في نفس لقمان الأسى، ويمض لقمان كثيرا - الباحث - ما يراه من تحكم للمعتقدات والخرافات التي تمسك بتلابيب الإنسان الشرقي، وتسيير جوانب من حياته بعيدا عن العلم والمعرفة العقلية، ولا يعوز لقمان الرؤية الموضوعية لتبرير هذا الانشغال بالخرافات.

ويرى لقمان بـ ( القات ) آفة داهمة يلتقي خطرها مع مجمل ما يواجهه المجتمع ويعانيه. ويوضح د. علي حداد أن لقمان حدد القوى السياسية والاجتماعية التي لها اليد الأطول في هذه الحال التي تعيشها مدينته وبلاده، بل والشرق كله، فصنف منها ثلاثا : الاستعمار، والأنظمة الحاكمة، والرجعية. ويتساءل لقمان - بعد كل هذا الاشتباك من عناصر الشد إلى الوراء التي تقف بوجه حركة التطور في الحياة التي تعيشها بلاده : هل نأمل في رقي؟

وتأتي الإجابة في البداية محملة بالإحباط ومحدودية الاستجابة لكل مساعيه للنهوض والتجاوز، لكن ما يلبث لقمان أن يتجاوزها، فيستعيد تمسكه - حسب الباحث - بعمق الوعي الذي يحمله، وبإصراره على صنيعه التنويري.

( 6 ) إن الاتساق والموضوعية التي حكمت دراسة الدكتور علي حداد، أوصلته إلى أن لقمان ينتمي - لا بكتاباته وحدها بل بوجوده كله - إلى ثقافة التنوير وقيمها ليصبح داعية كبير المقام والتأثير لها في بلاده، ولذلك فقد التقى مع كثير من المفكرين ودعاة التنوير العرب.

أولئك الذين طرحوا (اتجاها وسيطا) لا يغادر انتماءه الصميم إلى قيمه المؤسسة لشخصيتنا - بسمتيها الروحية والأخلاقية -في الوقت ذاته الذي لا يجد غضاضة في أن نتفحص منجز الحضارة الغربية ونستفيد مما نراه فيه مستجيبا لاحتياجات واقعنا بمختلف آفاق النهوض به.

وسأنتقل سريعا إلى نقطة أراها هامة، من زاوية تركيز البعض عليها، وعدوها مثلبة من مثالب لقمان، وقد أحسن د. علي حداد صنيعا بدراستها بموضوعية الباحث الجاد والجريء، وهو موضوع عدن والعدنية عند لقمان، حيث كتب ( حين يقترب لقمان من محيطه القومي العربي فإن أفكارا ومواقف كثيرة حملتها مقالاته التي اتسعت لتناول هموم الواقع العربي- في أقطاره - ومشكلاته.

مثلما كان انشغال لقمان بقضايا وطنه (اليمن) - وما يمور فيه واقعه الاجتماعي والسياسي- جليا. وبذا فإن ما رددته بعض الأقلام من أن نزوعا خاصا نحو - عدن والعدنية- هو ما كرس لقمان كتاباته له يبدو أمرا خاليا من الموضوعية.

فإن أية قراءة موضوعية منصفة لأفكاره وما تبناه وعيه الوطني والقومي من انشغالات ستثبت عكس ذلك. صحيح أن لقمان كان شديد الانشغال بأحوال مدينته وأهلها وما يعانونه من أوضاع لا يرتضيها انتماؤه الصميم لهم ولا يقبلها وعيه الذاهب إلى التحديث والتطوير. ولكن ذلك لم يكن موقفا ضيقا ومحليا جدا بل هو الانشداد إلى حيث يعيش ويواجه ويدعو إلى التغيير، في المدينة التي أحب وانشغل وجاهد من أجل أن يرتقي بأوضاعها.وهو ما تحقق له، حتى أصبحت عدن- على حد وصفه لها - حمى العروبة ).

محمد علي لقمان : الممارسة النقدية والأدبية ونسق التنوير:
يعيد د. علي حداد، بداية سيادة مفهوم جديد للشعر ومغاير للسائد منه، إلى إطلالة صحيفة ( فتاة الجزيرة ) في مفتتح الأربعينات وما دعا إليه مؤسسها وأعلنه من أفكار ومواقف تمثلت الوعي التجديدي ونادت به في أكثر من مجال.

وهو حقيقة أكد عليها كثير من النقاد والدارسين.

وفي بعد آخر من أبعاد الكتابة عند لقمان وهو الكتابة النقدية، أكد الباحث أنها جاءت لتعلن تمثلها العميق للأفكار والقيم الأساس التي جعلها مرتكزات رؤيته لمختلف الظواهر التي رصدها وعيه الذاهب بعيدا في التجديد .

مضيفا أنه بدا على تلك المقالات انشغالها بأكثر من نسق في تناول الأدب، إذ فيها الممارسة القرائية النقدية التي يستوقفها النص، والنظرية الأدبية التي تؤشر طبيعة التجربة وتأسيسها القيمي، فضلا عن تأمل المنجز الأدبي في بعده التاريخي، حيث يتم في (تحيين ) زماني ومكاني محددين.

أما حول العطاء الإبداعي للقمان وتحديدا في مجال السرد ؛ حيث إن رصيد لقمان علــــى هــــذا الصعيد روايتان هما : (سعيد) صـــدرت في العام 1939م، و( كملا ديفي) وصدرت عام 1947م، فضلا عن عدد من القصص القصيرة.. فيشير الباحث إلى أن توجه لقمان إلى السرد قيمة فكرية مضافة إلى رصيده من الوعي الذاهب إلى التجديد والمستجيب لروحه وفضائه الثقافي والأدبي.

وأخضع الباحث العملين الروائيين للقمان للنقد الموضوعي، بقدر ما أتاحه له ذلك الحيز في إطار دراسة واسعة ومتشعبة.مؤكدا على أن ما تم رصده من مأخذ على روايتي لقمان لا ينال منهما كثيرا.

فتلك مما لا يكاد يخلو منه كثير من الأعمال الروائية العربية التي كتبت في تلك المرحلة . واختتم تعليقه على اشتغال لقمان بالرواية - ودراسته إجمالا - بالتأكيد على أن صنيع لقمان الروائي هو تأسيس رائد له دوره المهم في انجازه الوظائف الثقافية والأدبية الآتية : -

توثيقية : من حيث تبني الواقع المعاصر والكتابة عنه .

- تنويرية : من خلال الدعوة إلى وعي التحديث وقيمه .

- ريادية : كونها تضع في مسار الأدب اليمني جنسا أدبيا جديدا.

- تبشيرية : تدعو إلى هذا الفن الأدبي وتفتح الباب للكتابة فيه وهو ما حصل فعلا.

هذا عرض لدراسة هامة عن عطاء رجل استثنائي في حياة أمته ودوره التنويري، ولا يكفي الوقوف عنده.وإنما تستحق هذه الدراسة إلى قراءة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى