في ندوة ثنائية لكل من د. رؤوفة حسن الشرقي ود. أحمد غالب المغلس بمنتدى «الأيام»:كل العبادات في الإسلام ترقى لتكون أداة تهذيب وتربية وتوعية وتزكية للفرد والجماعة

> عدن «الأيام» خاص:

> عقد منتدى «الأيام» مساء الاربعاء الماضي ندوة استضاف فيها كلا من الأخت د. رؤوفة حسن الشرقي رئيسة مؤسسة برامج التنمية الثقافية، والتي قدمت ورقة بعنوان (أبطال وليسوا خونة)، والأخ د. أحمد غالب المغلس أستاذ الفكر الإسلامي المساعد بجامعة عدن، والذي تمحورت ورقته المقدمة للندوة حول (القيم الأخلاقية ودورها في رعاية حقوق الإنسان وحمايتها)، وذلك بحضور أ.د. عبدالوهاب راوح رئيس جامعة عدن.

وفي جزئنا الثاني من الندوة ننتقل إلى الموضوع الثاني للندوة مع د. أحمد غالب المغلس عن (القيم الأخلاقية ودورها في رعاية حقوق الإنسان وحمايتها)، وهو من مواليد محافظة تعز في عام 1966م وتلقى تعليمه الأساسي والثانوي في مدارس تعز وحصل على البكلاريوس من جامعة صنعاء عام 94م ودبلوم الدراسات العليا (الماجستير) من كلية دار الحديثة الحسنية في المملكة المغربية بتقدير امتياز في عام 99م وحصل على الدكتوراه من جامعة الملك محمد الخامس في المغرب بامتياز عام 2003م وتخصص في الفكر الإسلامي فيما يعرف بالتقريب ما بين المذاهب الإسلامية وحوار الحضارات وبدأ مدرسا في ثانوية البيري في أمانة العاصمة ثم مديرا لإدارة الدراسات وتبادل المعلومات مع المنظمات الدولية في اللجنة الوطنية اليمنية للتربية والعلوم والثقافة الونسكو حتى العام 99م ثم معيدا في كلية التربية قسم الدراسات الاسلامية بجامعة عدن العام 99م وفي عام 2000م رقي إلى درجة مدرس في نفس الكلية بعد حصوله على درجة الماجستير ورقي إلى رتبة أستاذ مساعد بنفس الكلية عام 2003م بعد نيله درجة الدكتوراه، عمل كاتبا ومراسلا صحفيا لعديد من الصحف والمجلات اليمنية والعربية من عام 97م وحتى يومنا هذا وشارك في العديد من المؤتمرات والندوات وله بحوث عدة، فإلى ورقته المقدمة للندوة: «ما من شك بأن القيم الأخلاقية قد شغلت من حيث وجودها وعدمها وجذورها ونشأتها، تطورها وتناقلها عبر الأجيال، اهتمام المفكرين والفلاسفة والمصلحين ، والأنبياء والمرسلين عليهم السلام، عبر الحقب التاريخية والعصور الإنسانية إلى اليوم ، وشكلت لأهميتها في الحياة الإنسانية والتعايش الاجتماعي وتطور الوعي والتفكير والسلوك البشري نقلات مهمة في تاريخ الإنسان منذ أبينا آدم عليه السلام وحتى يومنا هذا ، وقد نمت القيم الأخلاقية في الوعي والسلوك والتفكير البشري بصورة تراكمية وتصاعدية وفقا لحاجة الإنسان الضرورية لها ، مثلها مثل أدوات الزراعة والصناعة ، التي انتقلت وتحولت من عصر إلى عصر بما يتناسب وحاجة الإنسان وتطورت معه من حقبة تاريخية إلى أخرى .

التراكم في القيم الأخلاقية يزداد ويتضخم كلما ابتعد الإنسان عن العصور البدائية، وبدأ ميله وحاجته النفسية، الروحية ، الاجتماعية، و المعيشية إلى الحياة المستقرة ، الآمنة، والمنظمة، ومن ثم تطلبت حياته الجماعية ثقافة خاصة وجديدة للتعايش مع ذاته والآخرين المشاركين له في الرحم والجغرافيا والعادات والتقاليد، والبيئة الأخلاقية القائمة على العلاقات الإنسانية المتكافئة في المجتمع الذي وجده ينتصر لإنسانية الإنسان ويحترم ويحفظ كرامته، ويرعى ويحمي حقوقه.

الوضع الطبيعي للإنسان في عالم متغير حقق له التوازن الداخلي القادم من فطرته السوية، وضميره الإنساني المستقيم، الموجه والمنظم والمنقاد من قبل ثقافة اجتماعية كثفت دورها التربوي ، أو من قبل منهج رباني ، أو من قبل إرث وتراكم حضاري كبير ، لأن ذلك الإنسان يكون أقدر على استنبات البيئة الأخلاقية المناسبة لصيرورة حياته ، وشفافية تعامله مع أقرانه من بني البشر ، والشراكة الإيجابية في خلق مجتمع متعاون متكافل متآخ، يلتزم المحبة الإنسانية ، ويجعلها ثقافته الدائمة الحضور مع الآخرين من بني مجتمعه ، كون سلوك الفرد المستقيم الصالح يقوي من دعامات البيئة الأخلاقية الجماعية ، ويجعلها قادرة على حماية ورعاية وتنمية حقوق الإنسان - كل الإنسان - وحرياته بلا تمييز أو عنصرية ، أو تحيز لجنس، أو لون ، أو سلالة ، أو لغة ، أو دين ، أو حضارة ، أو عرق أو جغرافيا.

إن صناعة البيئة الأخلاقية الراعية والحامية لحقوق الإنسان وحرياته تدخل تحت الأمانة التي تحملها الإنسان - كل الإنسان - كونها أمانة عامة ملزمة وواجب أداؤها ، وأي تفريط بها ، أو سلب بعض منها ، أو التآمر على سحقها وإتلاف دورها عن الفعل والتأثير والتغيير في حياة الإنسان ، سيقود إلى عواقب وخيمة ، وهزائم إنسانية في المعارك الخاصة بحقوق الإنسان وحرياته ، مما يقود المجتمع البشري حتما إلى الرق المعاصر ، والحروب الكونية التي لا تقتصر على منطقة بعينها ، وفقدان التوازن القيمي المطلوب لتأصيل البيئة الأخلاقية اللازمة لاستمرار الحياة بشكلها الايجابي، وانصهار المجتمع في قالب بشري معين ، يساعد فقط على تنامي معدل الظلم، وشيوع ثقافة الاستبداد ، والتشجيع اللاإرادي لقانون القوة ، والاستكبار العالمي، مما يشجع الدول التي تمتلك الآلة العسكرية على الغطرسة والتمادي في حق الشعوب والدول والأمم والحضارات والأديان الأخرى ، دون أن تجد في المجتمع والأسرة الدولية من يردعها عن غيها، ويوقف تعنتها واستقواءها وسرقتها جهارا نهارا مقدرات وثروات وإمكانيات الشعوب .

وأهم مقومات البيئة الأخلاقية اللازمة لرعاية وحماية حقوق الإنسان وحرياته : العدل، والحرية ، والمساواة ، والتسامح ، والتعايش ، وتدريب الفرد والمجتمع على الحوار الدائم، والتناوب والتداول السلمي للسلطة، والاعتراف بالآخر ، وحماية رأيه، وتشكيل ذلك في دستور يتحول إلى مظلة للمجتمع كله ، ولابد لذلك الدستور من قانون ينظم حياة الناس ويقنن كل ما يستجد فيهم، ولذلك القانون دولة تطبقه وتحميه من التغييب ، وتلتزم بكل مفرداته ، ومن ثم تقوم بمهمة محاصرة كل أنواع وأشكال الفساد الذي يلوث القيم ، و يعكر صفو الحياة ، ويعطل قيم الخير ، وقواسم المعروف بين الناس، وفي ظل هذه البيئة الأخلاقية يتم حتما تشجيع ما يعرف بحق الاختلاف في الرؤى والأفكار ، لكي يحصل التدافع النافع والمثمر في المجتمع .

ولذلك ما من عبادة من العبادات في الإسلام إلا وترقى لتكون أداة تهذيب وتربية وتوعية وتزكية للفرد والجماعة ، وتسعى إلى تطهير النفس الإنسانية من لوث الخبائث ، وشوائب الحياة اليومية ، والوصول بالإنسان إلى مرتبة الاندماج الإيجابي الفعلي في المجتمع، والارتقاء الذاتي إلى درجة التقوى التي تشكل منظومة القيم العملية والأخلاقية عند المؤمنين، وتقوي مستوى الوعي التواصلي مع المجتمع ، ولذلك تصبح الأعمال مقبولة عند الله إذا توافر فيها قدر كبير من الالتزام الأخلاقي والتعارف والتعايش الاجتماعي، الموصوف لغة واصطلاحا بالتقوى ، قال تعالى :{ إنما يتقبل الله من المتقين}( المائدة : 27) ، وقد بين الله لنا من هم المتقون ، قال تعالى : {الم* ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلا ثمرات التربية الأخلاقية ، وتشكلت منهم وفيهم البيئة الأخلاقية اللازمة لقيام المجتمع الإنساني الراعي والحامي لحقوق الإنسان وحرياته ، فالصلاة والزكاة والصيام والحج والعبادات القولية والفعلية محطات روحية وإنسانية لتقوية مفاهيم وقيم ومشاعر وصلات البيئة الأخلاقية التي ينشدها المجتمع.في ضوء هذه الأهمية العظيمة للقيم الأخلاقية وبيئتها الضرورية للحياة الإنسانية ورعاية وحماية حقوقها ، وإمكانية بلورة منظومتها المتشكلة من التراكم التاريخي، والتجريب المرحلي، والوعي الحضاري المتضخم، والرقي والتهذيب النفسي ، والتعاليم الدينية التي جاءت بها الكتب السماوية وبعث الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام إلى البشرية ليعلموها كيف تقيم البيئة الأخلاقية الرفيعة ، ويدلنا على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) .

إن البيئة الأخلاقية تشكل من حيث نعلم أهم جوانب الحياة الإنسانية، اللازمة لقيام الحضارات النافعة للبشرية جمعا، ومن هذا المنطلق كان الباعث الأول لقيام الباحث في استقصاء نشأة الأخلاق وجذورها في الوعي والذاكرة الإنسانية ، ليس عند العرب والمسلمين فقط وإنما عند الشعوب والأمم الأخرى أيضا ، بالإضافة إلى حزمة القيم الأخلاقية التي رسخها ونماها وحافظ عليها الدين الإسلامي ، ومن ثم ربطها ببعض حقوق الإنسان المشتركة والمتأثرة بالجماعة سلبا وإيجابا .

وبعد البحث المضني عن بدايات النشأة، وإضافات وحفريات وأقوال الفلاسفة والحكماء والعلماء ، عبر التاريخ الإنساني، وبشكل سريع ومتواضع نظرا لأدواتنا المحدودة ، و لتعذر الحصول على المراجع بشكل سلس في مكتباتنا العامة التابعة لجامعة عدن ، فقد اخترت بعضا من تلك الحقوق القائمة على أساس من الوعي الأخلاقي ، والتي تستند في وجودها على البيئة الأخلاقية اللازمة لرعاية وحماية حقوق الإنسان وحرياته الخاصة والعامة، وقد استهللت بحثي هذا بمدخل متواضع، حاولت فيه أن أجد للقيم الأخلاقية أبعادا واتجاهات عضوية ، مثلما حاولت مكاشفة الأنبياء والحكماء والعلماء والمفكرين والمثقفين والفطريين والغوغائيين عنها ، لعلي أجد عند كل واحد منهم المبتغى وجانبا من جوانب الحقيقة المتوزعة والمتناثرة بينهم جميعا، فكان أن قسمت البحث إلى محاور أساسية، من خلال ما اتضح لي من دور وفاعلية وتغيير وأثر لمنظومة القيم الأخلاقية ، وأهميتها في تحقيق التربية الناتجة عن التأثير والتجريب والقدوة والأسوة والتأثر، ومن ثم الوصول إلى التشكل الحيوي والتفاعلي والتغييري المنوط بكل بعد من أبعادها المختلفة .

وقد أحببت العمل في هذا البحث وصولا إلى الهدف المنشود الذي نعرف من خلاله مدى الأثر الكبير الذي ترسخه البيئة الأخلاقية في وعي وتفكير وسلوك الفرد والجماعة من تعايش وتآخ وتعاون وتطور واستقرار إنساني، وفي الجانب الآخر المشاركة الفكرية اليمنية في التوصل للإجابة عن بعض التساؤلات الموضوعية والتي منها:

ما مدى تأثير القيم الأخلاقية في وعي الإنسان وتربيته وتثقيفه ومستوى الدور الذي تقوم به في رعاية وحماية حقوق الإنسان وحرياته ؟، ما أهمية القيم الأخلاقية في وعي وثقافة الفرد والأسرة والقبيلة والدولة ومن ثم الارتقاء بالمجتمع الإنساني إلى مستوى أفضل مما هو عليه اليوم؟ ، هل كانت القيم الأخلاقية التي جاء بها وشرعها الإسلام مثالية أم واقعية وموضوعية لقيام مجتمع متراحم متعاون متآخ؟، هل تطلع المنهج الإسلامي إلى ترسيخ قيم التعايش والتسامح والعدل للإنسان - كل الإنسان - بدون تمييز أو عنصرية؟

- تعريف الأخلاق :

تعرف الموسوعة العربية الخُلُق بضم الخاء المعجمة مع اللام يكون حسنا ويكون سيئا لأن النفس تصدر أفعالا إما جميلة وإما قبيحة ، وهو عبارة عن هيئة النفس الراسخة التي تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير فكر وروية، فالخُلق بالضم أيضا الصورة الباطنية للإنسان، ويقابله الخَلق بالفتح وهو الصورة الظاهرية له وذلك أن الإنسان مركب من جسد وروح ونفس ، فالجسد يدرك بالبصر ، والثاني بالبصيرة ، ويقال فلان سهل الخلق وسيئ الخلق إشارة إلى اللين وسعة الصدر في الأول ، وإلى الجفاء والقسوة في الثاني ، وفي الخلق الكامل : والأخلاق متوقفة كثيرا على العادات حتى قيل إن الإنسان : مجموع عادات ، والعادة : طبيعة ثانية ، وكل ما في الإنسان ناشئ من العادات حتى الفضيلة ، وكما أن عادات الجسد تكتسب بالأعمال الخارجة ، كذلك عادات النفس تكتسب بالمقاصد الداخلة كالطاعة والصدق والعدل والمحبة ، أي بإخراجها إلى حيز الفعل . (اليماني ، محمد السماوي / 1985م) .

يعرفها معجم علم الأخلاق بأنها : شكل من الوعي الاجتماعي تقوم بمهمة ضبط و تنظيم سلوك الناس في كافة مجالات الحياة الاجتماعية دون استثناء في العمل، المنزل ، الساسة، العلم، الأسرة، والأمكنة العامة. ويختلف دور الأخلاق من مجال إلى آخر ( أخلاق العمل، المهنة، الحياة العادية، الأخلاق الزوجية و العائلية...الخ) وإلى جانبها تفعل قواعد أخرى لضبط السلوك الأخلاقي تتمثل بالقواعد الحقوقية (مراسيم الدولة، أنظمة الإنتاج وإدارته و اللوائح الداخلية والتعليمات والتوصيات و العادات و التقاليد والرأي العام و التربية و الثقافة وغيرها) ،وهذه أشكال للتأثير الاجتماعي في سلوك و أنشطة الأفراد ترتبط بالأخلاق ولكنها لا تندرج فيها كلية. (معجم علم الأخلاق / 1984م).

ذهب (كانط) إلى أنه لا بد في تأسيس الأخلاق من الصدور عن شيء هو خيََّر بإطلاق، بحيث يكون شرطا وسببا في كل قيمة أخلاقية ، وليس هذا الشيء إلا ما سماه بـ (الإرادة الخيَّرة)؛ وتأتي خيريتها، لا من آثارها وفؤادها ، ولا بالأولى من مراداتها ومتعلقاتها - أي من أشياء خارجية عنها ، سواء أكانت من صُنعها أم لم تكن من صنعها ، وإنما تأتي من فعلها من حيث هي إرادة - أي من شيء داخلي هو عينها ، سواء أتحقق المراد أم لم يتحقق - بحيث يُعتبر هذا الفعل غاية في نفسه لا وسيلة إلى غيره . ولا تكون الإرادة خيرة حتى تهتدي في جميع أفعالها بمقتضيات العقل الخالص وحده ، ولا أدل على وجود هذا العقل في أفعالها من كونها لا تفتأ تدفع عن نفسها كل أشكال الهوى - شهوات أو عواطف أو ميولا - فإذن انضباط الإرادة بالعقل هو الذي يجعل منها بالذات إرادة خيَّرة ابتداء ، لا بواسطة ، وخيرة بنفسها، لا بغيرها.(طه عبدالرحمن / سؤال الأخلاق 2000م).

لقد عرفت البشرية حزمة أو لنقل منظومات متعددة من القيم الأخلاقية ، اختلفت بطبيعتها من حيث النشأة والتربية والتوعية ، مثلما اختلفت في مسمياتها و تصنيفاتها ولكنها كانت في كل الحقب التاريخية دائما المعبرة عن ثمرة ونضوج السلوك الفردي أو الجماعي ، لأن ذلك الوعي المتمثل بالسلوك هو الذي يدفع و يحرك الناس للتمسك بالعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية التي اصطلح عليها البشر جيلا بعد جيل ونقلوها في إرثهم المعنوي مثلها مثل الإرث المادي ، وكذا المبادئ القيمة و الصفات والمناقب المرغوبة ، كما أنها مثلت أنماطا من الثقافات و التراكمات الفكرية والاقتصادية والزراعية و العلمية التي نظمت العلاقات بين الناس ، وحسنت مع مرور الزمن اختياراتهم ، وهذبت وطورت المواقف الخاصة والعامة بالناس، ولاشك أنها جعلت الإنسان ينسجم مع ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه وينصهر في أحلامه وطموحاته كبيرة كانت أو متواضعة ، فتلك ثقافة بديهية يغرسها المجتمع في كل من قبل العيش في كنفه .

المثل الإنسانية، والمبادئ و القيم الأخلاقية التي انسابت إلينا عبر التاريخ الإنساني ومراحل سلوكه وتعبيراته ، والتي تحيط عالمنا المعاصر ، بالطبع لم يكن منشؤها إلا البعد النضالي للإنسان وخبرة آلاف من السنين مارسها للانعتاق من لوثة الرق الذي سلبه إنسانيته ، فجعله مقهورا يناضل دوما في سبيل حريته وحقه في المساواة مع الفراعنة في كل الأزمان ، ومن تلك القيم الأخلاقية أيضا ما انحدر إلينا من تعاليم الأنبياء و الحكماء و الفلاسفة و المفكرين و ما اكتنزته المراحل الفكرية والثقافية في وعينا الحضاري وما اكتنزته ذاكرتنا التاريخية من تراث أخلاقي في السياسية و الدين و علم الاجتماع.

فالقيم ألأخلاقية بحسب اتفاق كل المهتمين بعلم الأخلاق هي ظاهرة إنسانية تاريخية، ويجزم بذلك أيضا كل الباحثين والعلماء والمتخصصين في علم الاجتماعي وعلم النفس، ويقرون بكونها تتغير و تتطور في مجرى الحياة البشرية وتتأثر بالتقدم العام للمجتمع البشري أيا كان، وفي تطورها الموضوعي استمرارية وتواصل دائمان يعكسان مدى تطور و تقدم الوعي والثقافة الإنسانية والتواصل والتعايش الاجتماعي الإنساني، وقد مر الإنسان بعصور وحقب تاريخية لم تكن فيها القيم الأخلاقية والسلوك الإنساني المتزن ، ضمن محور حياته بل كانت الغريزة هي التي تقوده لعنصر الأخلاق و معرفة الخطأ والصواب وخاصة في مرحلة البدء بتشكيل الأسرة. لينتقل الفرد بعدها من حالة التوحش المجردة من الأخلاق ، ووجوده مضطرا في عالم خال من النوازع الأخلاقية ، إلى مرحلة بدايات التمييز بين ما هو محبوب و ما هو مذموم، وما هو حسن وما هو قبيح، والأخلاق كقيمة ظهرت في اعتقادي مع ارتكاب الجريمة الأولى للجنس البشري حين قتل هابيل أخاه قابيل قال تعالى : {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي ج التصرفات الإنسانية البدائية التي تميزت في غالبيتها بالوحشية و الهمجية التي تضبطها وتحكمها الأخلاق لأنه لم يكن هناك أشكال اجتماعية محددة، بل كانت ضوابط وقوانين الفطرة تفرض على الإنسان جملة من الكوابح الأخلاقية التي عرفت مع مرور الزمن بالقيم الأخلاقية ، (ومن تلك السلوكيات ما فرضتها الطبيعة القاسية مثل التوحش و الهمجية و في مرحلة الصراع من أجل البقاء فالجشع و القسوة و حب التملك و الخيانة والعنف كانت أمورا نافعة للحيوان والإنسان مدى أجيال بلغت من طولها حدا تعذر معه على كل ما لدينا من قوانين و تربية و أخلاق و دين أن تزيلها إزالة تامة .) ( ديورانت ،ويل 1988) .

أما الدين الإسلامي فقد استند في التعاليم الأخلاقية على قواعد مشتركة مع الديانات السماوية السابقة ، وكذلك عادات الجاهلية العربية القديمة وتقاليدها وأعرافها ، التي تشكلت في عمقها حزمة من القيم الأخلاقية الرفيعة، فقد كانت بعثته صلى الله عليه وسلم تعد الفاصل بين العصر الإسلامي والعصر الجاهلي ، وقال صلى الله عليه وسلم : (لقد كان في الجاهلية صلحا لو دعيت لمثله لأجبت) ولقد بدأت القيم الأخلاقية تترسخ عبر التربية التي تعهد الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه ، مثلما ترسخت عبر الفروض والواجبات والطقوس الدينية من صلاة وصيام و زكاة و حج ، وتمثلت الوسائل الضرورية في تدعيم تطور القيم الأخلاقية عبر الأقوال وألا فعال وألاحاديث النبوية الشريفة ، و من ثم الاقتداء بالمزايا و الخصال الحميدة للرسول صلى الله عليه و سلم والصحابة رضوان الله عليهم ، وزاد أن تجسدت القيم الأخلاقية وتعمقت أبعادها ومضامينها في القران الكريم ، باعتباره مصدرا لكل القيم الإنسانية العظيمة و محرضا ومحركا دائما لقيم الخير والمعروف ، ونوازع الحرية و الكرامة والعدل و المساواة بين كل البشر بدون استثناء ، والقرآن الكريم هو الوسيلة التي ترتقي به إنسانية الإنسان نحو الكمال و النبل و العفة و السمؤ وعظيم الأخلاق . مما جعل تلك القيم الأخلاقية تنعكس مباشرة في الجوانب العملية ، وفي توصيات عديدة منها تلامس أعمال البر ، وجسور المعروف ، وإكرام الوالدين، واحترام كبار السن، وتحريم الرذائل كلها ، وبناء وشائج المحبة والأخوة الإنسانية ، وكذا الإشادة بالخير والتعاون والتسامح و العدل....الخ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى