إننا نستغيث: طلابنا في خطر

> علي هيثم الغريب:

>
علي هيثم الغريب
علي هيثم الغريب
من أين يأتي الفاشلون والأشخاص الذين لا يمتلكون أي أساس إبداعي؟يأتي هؤلاء غالباً من مرحلة الدراسة الابتدائية، حيث يقمع سعي الطفل/ الطالب إلى المعرفة والتربية السلمية. وتسود نزعة (التحايل) و(الغش) في المدرسة الثانوية وحتى الجامعة وما بعدها نتيجة الفشل الذي يفرض فرضاً على الطلاب بسبب المنهج الدراسي أو خمول وغبن وعصبية المدرس/ المربي، خاصة من الصف الأول وحتى الصف التاسع. وأفظع شيء بالنسبة لأي مجتمع هو المدرس الفاشل. ومن الذي ينشئه ويوصله إلى مقام المدرس والمربي الفاضل؟ إنها المدرسة أيضاً. قرأت مرة عن مدرس خامل وغير مبدع نقل لانتقال سكنه من إحدى الولايات اليابانية إلى ولاية أخرى. وكانت المدارس في كل مناطق تلك الولاية ميداناَ لتجارب عديدة. وتصوروا ماذا حدث: كان ذلك المدرس العادي والخامل يكشف فجأة وأمام الطاقم التدريسي عن أحسن صفاته الإبداعية. فما الذي حدث؟ غالباً ما يحدث أن بعض الأشخاص لا يبدعون إلا في مكان مهيأ للإبداع، وقد وجد هذا المدرس الذي أصبح مبدعاً منهجاً تدريساً منقى بالفعل، ومدرسين ذوي معارف شاملة، وتلاميذ قد اختيروا خصيصاً، ومدارس نظيفة وغيرها.

إذن كيف يصبح الناس مدرسين؟ أعتقد أنه ليس بسبب اختيار الشخص لهذه المهنة العظيمة، شأنه شأن الأطباء والمهندسين والكتاب والتجار.. ولكن لأسباب كثيرة أخرى. وقد أشار العالم التربوي باسكال إلى أن «أهم شيء في الحياة هو اختيار المهنة». ونحن في اليمن -ولا أريد أن أتحدث إلا عن وطني- أغلبنا دون مهن.. بل إن الصدفة والألم يجرانا إلى بعض المهن جراً.. تساعدنا في ذلك الإمكانات الأولية الضرورية لمختلف المهن..فإن لم تتعلم الطب تعلم الشعوذة وكن حقوقياً أو شاهد (سفري). فثمة حاجة إلى المهنة بحكم الضرور. وأنا أكتب هذا المقال أتذكر كيف كنا نعمل في المدرسة حتى خارج الدوام الرسمي: الرياضة، الكشافة، الموسيقى، المسابقات العلمية، نعم لقد شغفنا بالمدرسة حتى أصبح المدرسون آباء وأخوة لنا. وكانت تلك الأيام أجمل أيام حياتنا. لقد خضعت حياتنا الدراسية، خاصة في مراحلها الأولى ومن قبل مدرسين أكفاء جداً، لكل ما يجب أن يكون فيها. لقد شهدت عدن فعلاً فن التعليم الإنساني، حيث كان جوهر عقيدة المدرس حينها هو أن تربية التلميذ لا يمكن أن تتم إلا في جو من التفاهم الحق بين التلميذ والمدرس، وكان يرفض أي نوع من العنف والإملاء في مجال التربية.. فالعنف- كما تؤكد النظريات العلمية -قد يجعل الإنسان عبداً.. والمدرس -كما قال أحد رواد النهضة العربية «كالبستاني الذي يساعد الشجرة على النمو».

لكن ماذا يجري اليوم في مدارسنا المكتظة بالملايين من الطلاب والطالبات؟ مناهج لا علم فيها توزع على المعلمين، وعلى التلاميذ أن ينفذوا كل ما يطلب منهم دائماً وعلى مدى سنوات الدراسة. الإبداع ممنوع، وأصلاً لا يوجد وقت للإبداع. وفي ظل هذه الأوضاع نريد من التلميذ أن يصبح مبدعاً.. لا توجد حمامات في المدارس وإن وجدت لا توجد مياه ولا نظافة وفي ظل ذلك نريد من التلميذ أن يكون سلمياً صحيحاً (العقل السليم في الجسم السليم). تبتدئ الدراسة بالعطل الرسمية والاستثنائية وتنتهي كذلك بها ونريد من الطالب أن ينجح حتى ينتقل إلى الصف التالي. بيد أن التلميذ الناجح يجب أن تتوفر لديه أبسط الحقوق التي من دونها يستحيل النجاح ولا نقول الإبداع، لأن الإبداع له شروط أخرى لا أعتقد أن الذي لم يستطع إيجاد الماء في الحمامات سيقوم بها.. فالمدرسة وحدها هي التي تجعل من الإنسان شخصية ناجحة وإبداعية حقاً.. وما هي الشخصية المبدعة في جوهر الأمر؟ إنها إنسان، وقبل هذا كان تلميذاً يرى أبعد من التلاميذ الآخرين ويرى مسبقاً ما سيحصل بعد ثلاث نقلات، كما يحدث في لعبة الشطرنج. ويجب أن تكون هذه الخصال منذ الصف الأول في المدرسة.

وإذا كانت العملية التربوية تجري على أساس (الحشو) و(الغش) فلن يكون هناك مستقبل للدولة، بل سنحصد مجتمعاً رديئاً. ونحن نشتكي من البطالة والكوادر والعمال والمسئولين الرديئين، ولكن كل هؤلاء خريجو مدارسنا الذين ينقصهم روح النجاح والإبداع. ولقد لاحظنا -خاصة نحن في عدن -كيف تسابق المتنفذون وكثير من الأحزاب على المباني الحكومية وبعض المساحات الواسعة وحولوها إلى أملاكهم الخاصة بينما الطلاب يحشرون في كل صف أكثر من سبعين تلميذاً ويجلس أربعة وأحياناً خمسة فوق كرسي واحد. فكيف لمدرس يعيش هذه الوضعية أن يطور تفكير التلاميذ وينمي عقولهم؟ وكيف ستكون رغبة التلاميذ في التعلم؟

كل هذه المعوقات التي ذكرت هي في متناول وزارة التربية والتعليم بحكم الدعم والمنح السنوية والمساعدات المتواصلة التي تتلقاها من البلدان الصديقة. ونأمل من الأخوين محافظ عدن ونائبه أن يشكلا لجنة لدراسة سوء حالة المدارس التي تطلب الإغاثة، خاصة وأن الأستاذ أحمد محمد الكحلاني هو شخصية بارزة في ميدان حماية البيئة. ونحن عندما نقول إن التلاميذ الذين يتعلمون في هذه المدارس التي تفتقر إلى أبسط قواعد النظافة والصحة هم مهددون بالأمراض. فالأمر فعلاً كذلك. إذ إن النثريات المخصصة للإنفاق على نظافة المدارس غير موجودة.

ولعل إهمالاًَ كبيراً أصاب شئون المدارس. ونحن كأولياء أمور نطلب المساعدة بقدر المستطاع.. بما فيها فتح حساب في البنك لإرسال التبرعات لإنقاذ أولادنا.. فعندما ترى طالباً بعد الوجبة البسيطة يمسح يديه بالجدران، لانعدام الماء يثير الحزن في نفسك.. والمدرسون يشكون من ذلك ولا يخفون شيئاً -خاصة غير الحزبيين- وهم يستغيثون مثل استغاثتنا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى