عبده حسين .. وثقافة الصمت

> د.سمير عبدالرحمن شميري:

>
د.سمير عبدالرحمن شميري
د.سمير عبدالرحمن شميري
الأستاذ عبده حسين أحمد تربى في بيئة عدن المتمدنة، رأى ألواناً من الناس وشاهد بأم عينيه تقلبات الزمن ومشى فوق صفيح ساخن نقي يأكل من خير أنامله ويسخر من غدر الأيام، فالسخرية كما يقول جوزيف ميسنجر (أفضل علاج ضد الجهل).

فأستاذنا عبده حسين وهو يضع قدمه على عتبة الـ 71 سنة يشعر بالخوف من زمن طغت فيه المادية على كل شيء لأنه حسب تعبيره أن (الذي لا يملك شيئاً في هذا الزمان لا يساوي شيئاًَ.. وأن قيمة الإنسان بقدر ما يملك)، فانهارت بعض القيم الحميدة وتمزق النسيج المجتمعي.

لقد خدم في سلك التربية والتعليم 35 عاماً وترك بصمة عزيزة في عقول ونفوس الأجيال.

أنا مشغوف ببسمته اللطيفة وجغرافية وجهة الهادئة وبقلمه الرشيق وبعبارته التي يرددها على مسمعي: «د. سمير أنا علمت عمك الفنان وديع هائل في عدن كوليج).

امتهن أستاذنا الجليل مهنة التدريس والصحافة وزاوج بين الوظيفتين (صباحاً ومساء) وعمل مع عمالقة الصحافة اليمنية وعلى رأسهم المفكر والصحفي والأديب محمد علي لقمان، صاحب صحيفة «فتاة الجزيرة» (1940م)، ومع الصحفي اللامع محمد علي باشراحيل، مؤسس صحيفة «الرقيب» الأسبوعية (بالإنجليزية والعربية 1956م) وعميد صحيفة «الأيام» (1958م).

الأستاذ عبده حسين أحمد لا يميل للثرثرة الجوفاء ولا إلى الصخب الكلامي فهو صادق حتى الوجع يمتص الصدمات ويقهر مناخات الكآبة والضجر، ولا يتحدث إلا بقدر الضرورة شحيح الكلمات كثير الأفعال، له طقوسه الخاصة في الحديث والتفكير وله لغته الخاصة.

نظراته حاذقة يحدق في الأشياء والناس ويقرأ الأفكار والأحاسيس بذكائه العاطفي، وبعيونه يتكلم كلمات خرساء، يقول المفكر إمرسون إن العيون تتكلم مثل الألسن (مع ميزة أن كلام العيون لا يحتاج إلى قاموس ويفهمه الناس جيداً).

فالأستاذ عبده حسين لا يتاجر بالكلمات فهو شديد التركيز والتكثيف في ملافظه ومقالاته الصحفية، ولا يرتدي أقنعة النفاق، له ذاكرة متقدة وعقل متجدد، وقارئ حصيف لمفردات الحياة اليومية وبليغ بصمته وثقافته السمعية يجيد فن الإصغاء ومهارة فهم الآخرين.

فثمة أناس يستكثرون على الجيل القديم حتى الكلمة الطيبة، وهم لا يدركون أننا كجيل جديد صعدنا على أكتافهم فليس من الحصافة والإنصاف طمس صورهم ومعالمهم وآثارهم وإطلاق الألفاظ الجارحة والسخرية المؤلمة على شيوخ أجلاء وأفاضل انهالت على رؤوسهم مطارق العذاب والمعاناة والقسوة الغاشمة ومشوا فوق حقول الألغام والمسالك الوعرة لنشر قيم النور والاستنارة والنماء.

لقد قال مرة الأستاذ أحمد محمد نعمان: «امتد بنا العمر إلى جيل يستكثر علينا مجرد الحياة، جيل لا يرحم ولا يقدر ظروفنا ولا السنين التي مرت بنا ولا الأهوال التي طحنتنا ولا الآلام النفسية والجسدية التي أنهكتنا وأرهقتنا ولا المصائب والنكبات التي نزلت بنا، جيل لا يدرك أننا نتجلد ونصبر ونعاني ونضحك وصدورنا مشحونة بالأحزان وقلوبنا تنزف دماً».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى