حينما تحتفل مسقط في عدن!!

> احمد عمر بن فريد:

>
احمد عمر بن فريد
احمد عمر بن فريد
في ثورتها النهضوية الحديثة.. لم تحتج سلطنة عمان مع بزوغ شمسها كدولة عربية فتية إلى مؤتمر (موسع) للمانحين في شرق الأرض أو في غربها، لكي تحثهم على مساعدتها والأخذ بيدها نحو المستقبل المشرق التي تحلم به وتتمناه.. ولم تتوسل أحداً ما في هذا الكوكب لكي يضيء أمامها الطريق، في سبيل الانتقال بكيانها وشعبها من مستنقعات الفقر والتخلف والعوز إلى آفاق أرحب وأوسع مما كانت عليه، ولم تكن أيضاً في حاجة ماسة لاستيراد (كراريس) لينين وماركس وإنجلز حتى توقظ الإنسان العماني من سباته وتطلق فكره وخياله في سماء التنظيرات الثورية الحديثة، ولم يكن ساسة عمان ونخبتها المثقفة في ذلك الوقت بحاجة إلى تلقي دروس مكثفة عن (القومية العربية) من كتيبات (ساطع الحصري) أو (ميشيل عفلق) حتى تبرهن لعرب المشرق أو المغرب أن دماء أبنائسها هي دماء عربية نقية أو هي (بيور) صافية كما هو حال توجهات أبنائها الفكرية.. وما حاجتها إلى كل تلك الترهات وتاريخها وثقافتها وجغرافية موقعها تنتمي إلى عالم العروبة أصلاً وفصلاً وجذوراً!!

وحينما كانت مجموعة من أبناء عمان تناهض المسار العام في بلادها، وتعارضه بثورية (جيفارا) صاحب الدماء اللاتينية الساخنة، وحينما كانت حمى وسخونة الثورة تسري في أوصالهم ودمائهم كمسألة طبيعية متوقعة، متخذين من إقليم (ظفار) وما جاورها منطلقاً نحو العمق العماني السياسي والجغرافي.. لم يعتمد سلطان عمان قابوس بن سعيد سياسة القمع والتنكيل أو الاغتيالات المرتبة وسيلة لمجابهة هؤلاء، كما فعل سواه في مختلف الأقطار العربية الأخرى، وإنما اعتمد منهج وأسلوب (الحوار الداخلي) سبيلاً وطريقاً لكي يجعل من معارضيه في الخارج - بين عشية وضحاها - أعمدة صلبة للنظام في الداخل العماني!!

ولكن عمان التي عرفت طريقها السوي بحكمة وتعقل وواقعية وتحضر أيضاً، كان عليها أن تواجه رياحاً عاتية أخرى أشد ضراوة وأكثر فتكاً من ثورية أبنائها القلة حينها، وهي رياح قرر جيرانها (الماركسيون) في عدن أن يطلقوها تجاهها، مروراً بظفار وجبالها الشاهقة.. فكان عليها أن تواجه من فضلوا زرع (الألغام الغادرة) على الحدود البرية بديلاً عن ورود السلام والمحبة والوئام، بشيء من القوة الموازية لضمان عدم تسرب ما تم تعريبه من أفكار (اليسار - الشرقي) إلى مكنونات الفكر العماني الأصيل.. ومن البوابة ذاتها، بوابة النجاح والحكمة والتعقل، كان لعمان ما أرادت وتمنت.. إذ تمكنت في وقت قياسي، من إغلاق بابها الكبير في وجه تلك الرياح المزعجة إلى غير رجعة.

وفي الزمن الذي استطاعت به عمان أن تكف الشر عن حدودها وتجعل من رضى وقناعة أبنائها بمستقبلهم السياج الأول والأخير، لحماية الحدود والسيادة معاً، كانت عدن درة المشرق العربي يومها قد دخلت مرحلة مظلمة في تاريخها المجيد.. ففي الوقت الذي كانت فيه المشاريع الحضارية الضخمة تتسرب بأفكارها النيرة من تحت (العمامة) العمانية المرتبة، كانت المؤامرات الشيطانية الداخلية في عدن تجد طريقها إلى التنفيذ الفوري، عبر المسدسات (المدسوسة) في جيوب الرفاق!! حتى إذا ما مرت عقود قليلة من الزمن، وهرب الرفاق بعد إفلاسهم نحو الوحدة على طريقة (القفز بالزانة) كانت عمان قد سبقت (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) في جميع الميادين والمسارات.

وبعد كل هذا، فمن الطبيعي جداً أن تحتفل مسقط بعيدها الوطني السادس والثلاثين، في القاعة الكبرى لفندق (الشيرتون) بمدينة عدن!! وعلى مقربة من (بقايا وأطلال) منازل الماركسيين الأوائل الذين ذهبوا وذهبت مشاريعهم (العتيقة - العقيمة) مع رياح الشرق!! ومن الطبيعي جداً، أن تحتفل مسقط هنا وهي محتفظة بهويتها الأصيلة وعبقها التاريخي كما كانت في أولى مراحلها، في مدينة عدن التي أضاعت هويتها وعبقها التجاري المغري، بفضل وبفعل سياسات من (تاهوا) في يومنا هذا وذابوا تماماً كما تذوب فصوص الملح في المياه العذبة.. وليس غريباً أن تحتفل عمان بعيدها الوطني في عدن، وأن تصطف في حفل الاستقبال ذاك، نجوم عمانية شابة تمنطقت بخناجرها العمانية الأصيلة (وتعممت) بعمامتها الأنيقة.

كما كانت حقيقة واضحة وجلية، أن القمر الذي شهد احتفال العمانيين في عدن، هو القمر ذاته الذي (يشهد) و(يشاهد) بسخرية وأسى، أن مسقط تحتضن في الساعة ذاتها، واحداً من أبرز مناهضيها (الجنوبيين) سابقاً.

إنه العبث من جانبنا بكل (شحمه ولحمه).. وليعذرني من يعتب علي هنا، لأن هذا الوطن قد (عبث به من عبث) وفر وتاه الذين اقترفوا فيه الكثير من الجرائم والعبث معاً إلى حيث لا موطن ولا أمل لهم، سواء في داخل هذا الوطن أم في خارجه!!.. ولم يبق لنا أو علينا إلا أن نبكي على حليبنا المسكوب، وأن نهنئ في الوقت ذاته عمان الحكمة بعيدها الوطني السادس والثلاثين.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى