الطين عمارة وحضارة.. من خبراء تقنية العمارة الطينية بحضرموت المعلم حيمد مبارك بارفيد:البناء الطيني هو الأفضل لأن مواده متوفرة وطبيعة الطين باردة

> «الأيام» سند بايعشوت - تصوير رشيد بن شبراق

>
عمال بناء تقليديون في عمارة طينية
عمال بناء تقليديون في عمارة طينية
الطين مادة غريبة للغاية.. ولأننا اعتدناها وتعودنا عليها نظن أنها مادة سهلة ولكن إذا نظرنا إليها بإمعان نستنتج أنها معقدة ومجهولة.. إن لون الطين كان اللون المفضل والاول للانسانية وللرسومات الاولية والبدائية، إذن فإن العمارة من طين هي امتداد للارض ولقد تطورت تقنية البناء بالطين من خلال التجربة والخطأ منذ بدء استخدام الانسان لمادة الطين بذكاء فطري.

اللقاء التالي يكشف عن وجه مفطور بحب الطين والارض والانسان .. ومع المعلم حيمد مبارك بارفيد ، الذي يشكل مع زملاء له آخرين (معالمة بناء) منظومة متكاملة من العشق الطيني الذي أبدعه الإنسان في وادي حضرموت أحد أبرز معالم البناء الطيني في الجزيرة العربية.

< الآن تشرع في بناء عمارة بمواد مستخدمة من البيئة المحلية .. حدثنا عن هذه المراحل؟

- نحن نبنى هذه العمارة بالطريقة التقليدية.. بدأنا بحفر (الساس) في حدود عمق ثلاث أو أربع رصات حجر هذا إذا كانت الأرض صلبة، أي بعمق متر تقريباً بحسب استواء الأرض من عدمه، بعد ذلك يتم وضع الردمية والبناء بالمدر الطيني.. أما بالنسبة للطين فقد تم جلبه من خيلة بدوعن شريطة أن يكون هذا الطين (زبير) لكي يتحمل قوة المطر.

< ماذا تستخدمون في السقف؟

- بعض الاسقف من الأعواد البحري أو الشحط وبعضها الآخر من الكونتر، والواقع ان بنيان الطين يحتاج إلى تجفيف فإذا عملت ثلاثة إو أربعة (موافر) يجب ان يتم التجفيف، ذلك لأن المادة الطينية لا تقبل البناء المتواصل.. وفيما يتعلق بالمخططات فالمخطط لها هو طابق واحد.

< أيهما أصعب البناء بالطين أم بالاسمنت؟

- بالنسبة لنا نحن (والفين) معتادون على البناء بالطين ونرى أن البناء بالطين أسرع من البناء بالاسمنت وبالنسبة لهذا المبنى فقد استخدمنا الاسمنت والرمل في الأساسات أما الجدران فلا يوجد فيها أسمنت ولا أحجار.

< المطر هل يعطي المبنى الطيني قوة؟

- يكون منظر المبنى (زُهر) أكثر نضارة.

< وكيف يكون البنيان بالأحجار المتراصة فقط؟

- بناء الأحجار المتراصة دون وجود إسمنت أو طين بين الحجر والاخرى يتم بأحجار (القِرف) بكسر القاف، وهو ليس حجراً صلباً ويكثر البناء به في الشروج البدوية، لكننا في هذا المبنى حاولنا تنويع أنماط البنيان بالقِرف وبغيره.. وبالمناسبة فإن حجر القِرف ليس له (محضة) - تلييس - بمعنى آخر أن منظره منه وفيه أي من طبيعة المنطقة ذاتها ، وهذا الحجر ضد الرصاص.

< وماذا عن التبن؟

- هو مادة من أعواد البر ويكثر في حضرموت الداخل وشبوة .. يتم فحس هذه العيدان ثم توضع بعدئذ في الطين وهو بمثابة خلط الإسمنت بالرمل.. والطين بدون تبن لا تصلح لا في بنيان ولا محضة. وسألتني عن أعواد (الراك)، هذه العيدان من أجل أن تمسك السقف دون أن يتم تجفيفها بعد ذلك يتم (المحض بالطين) مع التبن ونسقّفه ونعدّله تماماً بحيث أنك حين تراه تحسبه (صبة) ومن ثم يتم عمل نقوشات فيه أقصد في السقف، وفائدة أعواد (الراك) أن الارضة لا تأكله ويعمر فترة طويلة، وبعضهم يستخدم مواسير المياه في الأسقف لأن هذه أيضاً لا تأكلها الارضة، ومواسير المياه (القصب) في السقف ما (تذحل) -لا يأتي عليها الصدأ - لأن الماء يلمسها فترة بسيطة وينشف وخلاص ما يعود الماء لها مرة أخرى.

< وما هي أعواد الشحط؟

- هي أعواد شجر السدر (العِلب)، نزيح قشرتها الخارجية ومن ثم نشرّخها - بتشديد الراء - ونقطعها على 35 م ويتم رصها على الخانات فوق الأعواد ونعمل عليها تشكيلات أما بالنسبة للسقف فنضع فوق السلقة (وهي فرش من سعف النخيل) نضع (فلت) دامر لكي لا ينزل الماء إلى تحت وبعد الفلت طين محمرة مخلوطة مع التبل في حدود سمك 10سم، ثم نأتي بطين ناشف ونطرحها فوقها بسمك 20سم تقريباً.

< وكيف يكون المنظر الخارجي للمبنى؟

- المنظر الخارجي سيكون (عكوف) .. ونحن قد قررنا أن يكون الموقع جاهزاً بعد سنة من الآن - إن شاء الله - وأحب أن أؤكد أن بقاء أي بنيان يعود إلى الصيانة أولاً لكي يظل فترة أطول.

< لكن ما هي أصعب مراحل البناء؟

- أصعب مرحلة في أي بناء هي (الصوافق) بين النوافذ، وهي الجدار الصغير بين نافذة ونافذة.. والصوافق تحتاج الى التثبيت جيداً لأنها تتحمل باقي المبنى كله، هذا فيما يخص البناء بالطين.

< إذن ما الذي يناسب البنيان في حضرموت الطيني أم الاسمنتي؟

- البناء الطيني هو الأفضل بالنسبة لوادي حضرموت لأن مواده موجودة وطبيعة الطين باردة.

< وماذا عن تجاور البناء الطيني مع الاسمنتي جنباً إلى جنب؟

-- أنا اعتدت دائماً على بنيان الطين، (بغيت) البلاد كلها تقع طين أقصد بنيانها وتجاور البناء الطيني مع الاسمنتي (كالشاة السوداء في القطيع الأبيض)، وبالمناسبة فإن البناء بالاسمنت كلفته كبيرة جداً كما هو معروف.

< ولكن نسينا أن نتحدث معك عن بداياتك؟

- أبي كان مزارعاً وكان شيخاً في مسجد بحي (النويدرة) بتريم، وحين كان عمري ثمان سنوات عملت مع اعمامي : رجب ومبارك (أبناء عمومة لأبي) عاملاً عادياً وفي سن الخامسة عشرة أصبحت عاملاً اساسياً، بعدها تدرجت الى (قبيل)، وحين بلغ سني تسعة عشر عاماً أصبحت (معلّم بناء) وبنيت المئات من المباني الطينية خاصة في وادي دوعن وتريم، وفي سن الخامسة والثلاثين أصبحت مقاولاً، والآن عمري ثلاث وستون سنة، والحمد لله الذين تخرجوا على يدي من معالمة البناء العشرات وقبل هذا (تفحص) هذا العامل من أجل يصبح معلماً عندك أولاً تعطيه أجرة معلم ثم تعطيه حرية الخيار في أن يبقى لديك أو يستقل بنفسه.

< من هم أشهر خبراء البناء الطيني في وادي حضرموت؟

- هناك (معالمة) كثير منهم آل قرموص، وباعديل وبامهير وآل عفيف، أحد أجدادهم ممن بنوا منارة المحضار بتريم، وآل يعمر وآل باغزال.

< كلمة أخيرة؟

- أريد من الناس أن يتجهوا إلى البناء الطيني.

ولنا كلمة
فإن المعلم حيمد مبارك بارفيد يعتز -ضمن ما ترك من بصمات طينية - بترميم قصر خيلة بدوعن وتوليه طلاءه بالألوان الزاهية.

لأنه كما يقول يتذكر تلك الألوان التي كانت معمولة في ذلك القصر.. ولذلك يظل هذا الرجل وفاءً معجوناً من طينة هذه الأرض.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى