عفواً سيادة القاضي .. لقد ضلت البرامج الانتخابية طريقها

> أحمد عمر بن فريد:

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
حتماً هي مفارقة ليست غريبة ولا هي عجيبة أن تحدث في بلادنا، ولكنها حادثة جديرة بأن تسجل في صدارة الأرشيف (الكبير) للفساد المستشري ولمسبباته الكثيرة، وأن تكون (بدعة) ما بعدها ولا قبلها بدعة ننفرد بها (نحن) كما هي عادتنا دائماً في تصدر عجائب وغرائب الأمور.. بدعة قلما تجد لها مثيلاً في أكثر بلاد الله شهرة، وتعاملاً مع الفساد.. إنها تلك الحادثة القضائية (النادرة) التي يقف فيها (اليوم) القاضي مذيب صالح البابكري- القاضي الجزائي بمحكمة لحج - أمام مجلس المحاسبة بالمحكمة العليا.. (لتأديبه)!!.. نعم لتأديبه ولردع من يمكن أن يتسرب إلى قلوبهم أو إلى عقولهم قليل من الإلهام القادم من ذلك الحكم النموذجي الذي أصدره القاضي(النزيه) مذيب وخص به نفسه، وزملاءه من بعده يوم 30/4/2006م.

وعليه.. فإن على هذا القاضي النزيه أن يجابه ما أنتجته شجاعته الأدبية، وما أملاه عليه ضميره الحي وموقعه الوظيفي الحساس، وعليه أن يتحمل ما أفرزه إيمانه العميق بضرورة استقلالية القضاء ونزاهته حتى يكون (بحق وحقيقة) السلطة الثالثة قولاً وفعلاً.

وعليه أيضاً، أن يدفع ثمن (غلطته الشريفة) التي ظن بموجبها أن هناك في هذا البلد من يريد فعلاً أن تمتلئ محاكمنا بأمثاله من القضاة الشرفاء!! وأن يكون للقضاء استقلاليته التامة الكاملة كما ينص على ذلك الدستور وكما تمليه مصلحة الوطن العليا.. وعليه كذلك أن يفيق ذهنه على الحقيقة الكبيرة التي تقول بأن محاربة الفساد، ومن ضمنه (فساد العسكر) العابثين بالأمن العام والممتلكات الخاصة، وفي محافظات لحج وعدن وحضرموت هي مسألة ليست ضمن الأولويات في هذا الوطن، ولا هي في قائمة المهام المطلوب إنجازها حتى على المدى المتوسط ناهيك عن القريب!!

ولكنه.. وفي مقابل كل ذلك، يحق لقاضينا العزيز أن ينال شرف موقفه النزيه النادر، وأن يقف اليوم في ذلك المكان الذي يستوجب أن يقف فيه- حتى ولو على سبيل التمويل والتعمية- رمز واحد من رموز الفساد! فهل هناك شرف أكبر أو أكثر للقاضي (مذيب) من ذلك، وأن يكون أول ضحايا محاربة الفساد.. أو لم يخبرونا في برامجهم الانتخابية المكثفة طوال الأشهر القليلة الماضية وفي خضم الحمى الانتخابية تلك.. أن القضاء على الفساد سيكون الهدف الأول فيما سيأتي!!

هل قالوا مثل هذا الكلام؟.. أم تراني أسأت الفهم وحدي، أم أن تلك البرامج الانتخابية الجميلة قد ضلت طريقها المرسوم والمكتوب لها، وأخطأت أهدافها المطلوبة فقامت(عن طريق الخطأ والصدفة) بإلقاء القبض الفوري على سعادة القاضي البابكري، بدلاً من سعادة الفاسد الكبير!

أن يحدث مثل هذا الأمر، وبهذا القدر الكبير من التعسف والبجاحة، وأن تصل الأمور إلى هذه الدرجة من الاستهتار بكل مقتضيات الأمانة والنزاهة الإخلاص..فذلك مؤشر خطير وعلامة فارقة في مرحلة دقيقة، نخبر فيها العالم كله من خليجنا العربي المتحفز لاستقبالنا على علاتنا الكثيرة، إلى مؤتمرات باريس ولندن بأننا في طريق الخلاص من العبث والفساد، وبأننا في طريق تأهيل الذات وفقاً لما هو مطلوب ومشروط علينا.. حتى إذا ما انتهينا من كل ادعائتنا، إذا بقاضينا النزيه يجرجر للتأديب والمحاسبة؟!!

ترى كيف يمكن لوزير ما.. من وزرائنا الكرام، الذين جاؤوا لتوهم من مؤتمر الدول المانحة الذي انعقد بالعاصمة البريطانية لندن مؤخراً، تفسير مثل هذه الحادثة الغربية إذا ما جوبه بسؤال بسيط عنها وعن أسبابها من قبل أحد المانحين؟!.. وكيف يمكن لسعادته- على سبيل المثال - أن يفسر لأحد المانحين، كيف يمكن لقاض نزيه أن يقف أمام لجنة محاسبة ( لتأديبه) في حين تمرر حكومته (الرشيدة) في كل مرة اعتماداً إضافياً تلو الآخر على مدى السنوات الماضية وبمليارات الريالات اليمنية، دون أن يتعرض واحد فقط، من (مهندسي) التمرير الدقيق للمساءلة أو المحاسبة أمام السلطة المختصة كما يُفعل اليوم بالقاضي البابكري؟!!

أخي العزيز.. سعادة القاضي النزيه... إنني أكتب هذا المقال الأسبوعي، وأنا أرى أمامي على صدر الصفحة الخامسة لصحيفة «الأيام» في عددها رقم (4952) صورة الأخ العزيز المهندس محسن علي باصرة (عضو منظمة برلمانيون ضد الفساد) وقد أبدع أيما إبداع في تفنيد وتحليل ما أنتجه وعبث به (غول الفساد) فيما يسمى بـ (الاعتمادات الإضافية).

إذ تبدو أمامي في ورقة التحليل أرقام (فلكية مهولة)، صرفت وتصرف من المال العام، وهي تعبر وتمر - مرور الكرام- من تحت بوابة هذا العنوان الكبير الذي يطلقون عليه مسمى (الاعتماد الإضافي)!!.. ولمجرد أن يلقي المرء نظرة سريعة وخاطفة على هذا التقرير أو التحليل، حتماً سيدرك يا عزيزي، أنك تقف في المكان الخطأ، وأن الحق- والحق وحده دون سواه - يستوجب أن تخرج مما أنت فيه إلى مهام عملك النبيل فوراً ودون تلكؤ على أن يحل في مكانك الذي تتعرض فيه حالياً (للمحاسبة والتأديب) من هو أجدر وأحق بالتأديب والمحاسبة من أولئك الذين يـعبثـون بـالمـال دون رقــيب أو حســيب.

وليسمح لي النائب باصرة مطالبتي له، وللجنته المحترمة أن تدرج ضمن قائمة أعمالهم اسم القاضي (مذيب صالح منصور البابكري) على اعتبار أنه واحد من أبرز ضحايا الفساد الحاليين.

كما أتعشم في الوقت نفسه، من اللجنة البرلمانية المدافعة عن حقوق الإنسان زيارة هذا القاضي (المنكوب) وتبني الدفاع عنه والوقوف إلى جانبه في هذا الظرف الخطير الذي يتعرض له حالياً..مع كامل تحياتي واحترامي لجميع مفردات البرامج الانتخابية التي قالت لنا أنها ستقضي على الفساد والمفسدين!!

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى