«ارفعوا أيديكم عن لبنان»... و«اتركوا العرب تعيش»!

> غسان تويني:

>
غسان تويني
غسان تويني
الشعار الذي أطلقه الرئيس المغفور له أنور السادات، متوجها به الى عرب معينين كانوا قد وضعوا أيديهم على لبنان (فلم يرفعوها... الى أن قامت ثورة في لبنان بعد ثلاثين سنة!).

هذا الشعار، يعود زمنه اليوم، وتعود الحاجة إليه، إنما معممة... وما دمنا في استذكار الشعارات، فأحرى أن نستعيد الشعار - الصرخة الذي أطلقه لبنان في مجلس الأمن بعد اجتياح اسرائيل الكبير الأول، عام 1978، فلبّى مجلس الأمن وكان القرار 425 الذي أنجب، بعد الاجتياح الثاني، قرارات أخرى لم تردع إسرائيل حتى كانت حرب تموز الأخيرة عام 2006، وكان القرار 1701.

فإلى الجميع، نعود نكرّر: "اتركوا لبنان يعيش"!...

***

ولا يفوتنا ان الدعوة قد لا يلبيها الذين صار واضحاً (إسرائيل وسواها) ان المطلوب بالنسبة إليهم هو العكس: يجب ان يزول لبنان الذي هو بمثابة "الحصرمة في العين"، وغصّة في القلب... وأبعد من الرسالة - العبرة التي تبرهن ان نظامه هو النظام الأمثل الذي يشكّل، ما بقي، تحدّياً للدول الدينية - العنصرية، كإسرائيل، والدول المزوَّرة الديموقراطية، وما أكثرها، إسرائيل وعرباً كذلك!!!

ولا نستغربن ان يكون ثمة تحدّ تاريخي لدول الشرق الأوسط كلها في مجرد قيام الدولة الصغيرة، فكيف باستقرارها، نيّرة، متمادية النهوض ولا موارد لها غير التفوّق في الانماء الانساني والخلق الثقافي والعطاء الحضاري - وتصير هذه الدولة المختبر الكوني لحوار الحضارات وتعايش الديانات بحرّية، وقد ولّدت ديمقراطيتها نهجاً دستورياً توافقياً يمكّنها من ان تحتوي في تعددية فريدة في العالم ما يزيد عن 17 متّحداً طائفياً وعرقياً وتاريخياً، وتستمر تستقطب الأقليات المضطهدة في المنطقة، من الأرمن وصولاً الى الأكراد والكلدان.

***

لماذا هذان الشعاران اليوم؟

حتى يكون في متناول الأمين العام للجامعة العربية ما ينادي به لا في "مشاوراته" مع الأفرقاء اللبنانيين، بل كرسالة من الجامعة العربية الى محيطها الاقليمي والى محرّكي النزاعات الاقليمية - الدولية التي تعلن، ولا خجل ولا وجل، - تعلن وتفعل - أنها تريد استباحة الوطن النموذجي الصغير ساحة لحربها - مثلاً، كما تصرّح إيران - على أميركا... (وهذا ما أعلنه المرشد علي خامنئي أكثر من مرة ولم ينفه ولا مرة عندما تصدّى له ممانعون يقولون إن أميركا ليست في لبنان كي يحاربها هنا).

***

من هذا المنطلق، نتوجّه الى سيادة الصديق الأمين العام الأستاذ عمرو موسى قائلين ان مهمته الكبرى ليست الوساطة بين الرئيسين البري والسنيورة، ولا هي في مناشدة "حزب الله" أو أي حزب لبناني آخر، بل في التوجّه، باسم الجامعة، كما فعل في مجلس الأمن طارحاً مشروع السلام العربي كصفقة واحدة متكاملة لطي صفحة ما سُمّي مجازاً "قضية الشرق الأوسط" وهو في الواقع الصراع العربي - الاسرائيلي الذي صار الآن يحتضن صراعات متكاثرة، بين العواصم العربية وبين إيران وتركيا وسواهما، فضلاً عن النزاع الاسرائيلي - الإيراني، ولو بالواسطة...

... وغداً ربما، من يدري، ساحة "حرب فاترة" انما سهلة التسخين بين الجبابرة العالميين المتكاثرين، وكلهم يتحدّون "الاحادية الاميركية" التي زال "مجدها" قبل ان تستكمل ذاتها امبراطوريةً خليفةً للعثمانيين الذين تمرّد عليهم العرب ما يزيد على خمسة قرون.

***

"اتركوا شعبي يعيش"؟

لا، بل: "اتركوا العرب تعيش" هو الشعار الأصح الذي نأمل من الأمين العام أن يرفعه باسم الجامعة التي لم تعد تجمع شيئاً ولا توحّد بين "أحد" وأحد... فكيف لا تزول؟

"اتركوا العرب تعيش". نعم دونك يا ايها الأمين العام هذا الشعار، تحمله باسم لبنان الدامي الممزّق إلى العرب أجمعين ومن بعدهم إلى العواصم الغربية والشرقية وصولاً إلى الصين، بل تجوب به العواصم الأقرب، كطهران... و"الاقربون أولى بالمعروف".

وبصورة عملية، في الزمن الذي تتسابق فيه المراجع الأوروبية وحتى الأميركية الى دعوة بعضها البعض للحوار مع إيران، لماذا لا يكون المنطلق حواراً عربياً مع طهران؟

حواراً باسم جميع العرب، بل باسم من يُظنّ انه الأبعد، اي السعودية ومصر، فلا يستمر الحوار الإيراني - العربي محاولة استئثار بالصداقة الإيرانية في متناول عاصمة عربية دون سواها، ولا يتحوّل كما يحاول البعض، أو هكذا يخشى، تمنيناً بردعٍ لخطر إيراني(!!!) على هذه الدولة أو الإمارة العربية دون سواها.

***

بكلام صريح فصيح: لا تضيّع وقتك يا سيادة الأمين العام هنا في بيروت حيث معظم الأفرقاء ليسوا أسياد مصيرهم ولا صنّاع قرارهم.

دونك رأس النبع.

ودونك الكلام الصريح الذي تتقن أكثر من أي مسؤول عربي، وهو في متناولك، بل هو مسؤوليتك قبل الآخرين.

بلور الرسالة العربية الجديدة، قبل ان تفوت الفرصة في الدعوة الى "رفع الأيدي عن المصير العربي"...

نعم، "المصير العربي" لا مصير لبنان وحده الذي قد يستحيل صورة لما ينتظر العربَ من المحيط إلى الخليج!

وكرّر للحكّام، والمعارضين ذلك، وللمرشدين والثائرين، كرر تحذير أم عبدالله لابنها عشية ضياع الأندلس:

لا تبكوا كالنساء، دولاً لم تعرفوا كيف تحافظون عليها كالرجال!

ولبنان هو الامتحان لانه أندلس العرب اليوم!.. ويكاد يُزال لولا الاعجوبة فيه التي تجعل من الممكن ان تتزامن عنده، في السرايا ذاتها صلوات المسلمين والمسيحيين، وفي ساحة السرايا دعوات مسعورة الى الثورة، وعلى مسافة أمتار منها مهرجان موسيقي لفيروز خلاصته كاريكاتور لحاكم أضاع خاتم الحكم وشعبه يقول له ان الحكم لا يضيع، فيلقاه عائماً على سطح المياه في البئر حيث سقط "الخاتم". وكل واحد يصفّق لذلك على هواه ويفسّر كما يتمنى!

ثم... ثم، قبل الظهر سباق ماراتوني دولي يقطع شرايين الحياة في المدينة بينما القادمون الى ساحة الثورة يجدون إليها طريقاً وهم يهزجون!

عن «النهار» اللبنانية 4 ديسمبر 2006

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى