كــركــر جـمـل

> عبده حسين أحمد:

>
عبده حسين أحمد
عبده حسين أحمد
كنا ونحن صغار إذا أردنا أن نسبح في البحر.. نذهب إلى منطقة (جولدمور) في التوهي.. الشاطئ فسيح وعريض.. والمياه صافية زرقاء ونظيفة.. والرمال صفراء وناعمة ولامعة.. وكنا نستمتع كثيراً ونحن نسبح تحت الماء.. أو نعوم فوق الماء البارد في فصل الصيف هروباً من حرارة الجو الذي يشوي الأجسام في عدن.

< وكنا ونحن كبار إذا أردنا أن نتفرج على أضخم وأعظم البواخر السياحية نذهب إلى مدينة التواهي.. وكانت هذه البواخر ترسو في ميناء التواهي الذي كان يعتبر ثالث ميناء في العالم.. وكان السياح ينزلون في زوارق كبيرة إلى دكة (برنس أوف ويلز).. ثم يتفرقون في متاجر ومستودعات ومخازن المدينة يشترون ما يعجبهم من الأدوات والآلات الإلكترونية وغيرها.. الراديوهات والمسجلات والساعات والكاميرات والملابس.. قمصان (فان هوزن) و(دبل تو) والأصواف والهدايا الفاخرة.. من أجود الأصناف وأرخص الأسعار.. فقد كانت مدينة عدن مفتوحة.. وسوقاً حرة.. وكل شيء يباع فيها بدون ضريبة.

< وكان السياح يركبون سيارات الأجرة إلى مدينة (كريتر).. ليشتروا أيضاً ما يحتاجونه من السلع والبضائع أو لزيارة الصهاريج المشهورة في الطويلة.. والقليل منهم يذهب إلى الشيخ عثمان للفسحة والتفرجة وركوب الجمال.. يركبونها ويلتقطون الصور التذكارية وهم يمتطلون ظهورها.

< وفي مدينة التواهي كانت تنتشر أفخم الفنادق مثل فندق (كريسـنـت) و(روك هوتيل ) و(جراند هوتيل) و(مارينا) و(إمبسادور).. وفيها المطاعم الغربية الفاخرة (فيكتوري) و (REX) و(BLUE BAY) وفيها أفخر مستودعات الملابس والأزياء مثل (إنوفيشن) و(نيوفاشن) و(تيب توب ) و(جوزيف هاتوكا).. وفيها محطة الإذاعة.. والتلفزيون.. وكنا إذا سرقنا الوقت وتأخرنا ونحن نطوف مدينة التواهي نتفرج على السياح رجالاً ونساءً.. وقد اكتظت المدينة بهم من كل جنس.. وكل لون.. وكل بلد.. وهم عائدون من استراليا إلى بلدانهم لقضاء إجازاتهم السنوية.. أو ذاهبون إليها للعمل فيها من جديد.. وكان الوقت يمر بسرعة ولا نشعر به.. فإذا نظرنا إلى ساعاتنا وتسرب الشك إلى نفوسنا من عدم صحة الوقت.. تطاولت أعناقنا إلى ساعة التواهي الشهيرة فوق الجبل.. وهي تطل علينا من أربع جهات.. بأربعة وجوه.. لكي نضبط ساعاتنا عليها.

< وكانت أضخم البواخر السياحية تابعة لشركة (البينو) مثل (كامبيرا) و(أوريانا) و(استرات إيدن) وغيرها.. وهناك بواخر أخرى جميلة ومريحة ولكنها أصغر.. وهي التي تنقل الرجال والنساء بين أوربا وأستراليا.. منها وإليها.. وهذه البواخر كان يطلق عليها مجازاً بواخر (العيدة).. وهي تابعة لشركة (كوري براذرس) مثل (فيرسي) و(فير إسكاي).. وفي عام 1961 كانت لي أول رحلة بحرية على ظهر الباخرة (GAIR

SEA)إلى بور سعيد لقضاء الإجازة في مصر.. مع صديق العمر الأستاذ عبدالله محمد عوض بيضاني حفظه الله وأبقاه.
< وكانت هذه الباخرة عبارة عن مدينة عائمة فوق البحر.. الغرف واسعة ونظيفة.. والمطعم كبير وفخم جداً..وفيها صالة للرقص.. وسينما.. ومكتبة .. وحوض سباحة.. وملعب للكرة الطائرة.. وقد استغرقت الرحلة إلى بور سعيد ثلاثة أيام.. كانت قيمة تذكرة السفر على هذه الباخرة ذهاباً وإياباً 800 شلن فقط.. يا بلاشاه!!

< وفي مدينة التواهي كانت أكبر الشركات الملاحية التي تقوم بتموين البواخر السياحية وبواخر الشحن وناقلات البترول.. بكل ما تحتاج إليه من غذاء وخضروات وفواكه ومعلبات وسجائر وخمور.

< وهذا قليل من كثير عن مدينة التواهي.. فقدناه أو بالأصح ضيعناه.. ولم يبق لنا منه إلا الذكريات الجميلة..

«الأيام» العدد (4055) بتاريخ 23 ديسمبر 2003م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى