رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> 1- اللواء محمد ناصر الميسري (جابر):الولادة والنشأة .. اللواء محمد ناصر عبد أحمد الميسري من مواليد قرية (الديوان) إحدى قرى مكتب لبعوس بسلطنة يافع العليا عام 1939م في بيئة سادها فقر جعل الاغتراب هدفا لكل يافعي، وكديدن أهل الريف التحق محمد ناصر جابر بمعلامة القرية لأخذ قسط من تعلم القرآن ومبادئ القراءة والكتابة .

شب محمد ناصر جابر عن الطوق، وقرر الشيخ ناصر عبد أحمد الميسري شيخ قرية الديوان وأحد الملمين بالشعر التراثي الشعبي وأحد مبدعي الزوامل في المنطقة، إرسال ولده محمد إلى عدن لشق طريقه هناك.

عدن..عدن.. يا ليت عدن مسير يوم
لم يكن الطريق سهلاً للوصول إلى عدن كما هو اليوم، فقد كان على الفتى محمد ناصر جابر أن يكابد الطبيعة بكل تضاريسها ولذلك أطلق عصا الترحال سيراً على الأقدام في أعالي الجبال وبطون الوديان والمعابر والطرق ابتداء من مدينة الزاهر والبيضاء ومروراً بمكيراس ولودر حتى وصل إلى شقرة، أقرب المدن الساحلية إلى عدن، ومن هناك كانت الطريق أرحم للوصول إلى عدن عام 1955م بعد عناء المشوار الذي استغرق حوالي ثلاثة أيام.

بدأ محمد ناصر جابر حياته العملية في عدن في القطاع الخاص (العمل الحر) ليبدأ مرحلة تكوين الذات في مدينة تساعد على تفتح الوعي، فهناك المكتبات العامة والصحف وتفاعل المجتمع المدني مع مؤسساته: أحزاب ونقابات واتحاد مرأة ومنظمات طلابية، كما تفاعل المجتمع المدني مع كل المتغيرات السياسية، سواء على المستوى المحلي أو القومي من خلال الصحف والمجلات والإذاعة، لا سيما إذاعة صوت العرب التي أججت المشاعر القومية والوطنية في آن.

جابر والبدايات في الاتحاد اليافعي
برزت إلى جانب المؤسسات والتنظيمات الأهلية المدنية في عدن جمعيات أهلية مثلت مختلف مناطق الجنوب والشمال، وكان منها الاتحاد اليافعي ومن خلاله كانت البدايات الأولى لنشاط جابر الاجتماعي والسياسي (راجع كتاب التأبين المكرس للفقيد محمد ناصر جابر- ص 14)، وشكلت تلك البدايات خلفية انطلاق إلى النشاطات الثورية لجابر.

تداعت قطاعات من أبناء يافع في الداخل والخارج مع إخوانهم من مختلف مناطق الجنوب للدفاع عن ثورة 26 سبتمبر 1962م وثورة 14 أكتوبر 1963م في الجنوب، وكان من أهداف ثورة الجنوب تخفيف الضغط على الثورة والجمهورية الوليدة في الشمال على قاعدة خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، وكان من ضمن المفرزة الأولى التي ضمت من أبناء يافع: محمد ناصر جابر وسالم عبدالله عبدربه وعبدالرحمن عبدالرب السعدي ومحسن محمد المطري وآخرين من الذين هبوا إلى صنعاء للدفاع عن ثورة 26 سبتمبر.

كانت جبهة الإصلاح اليافعية أحد التنظيمات السبعة التي تشكلت منها ثورة أكتوبر في الجنوب، ولذلك كان المناضل جابر أحد القادة البارزين المؤسسين للجبهة القومية (ص 15 -مرجع سابق) وكان جابر واحداً من الذين انخرطوا في الدورات العسكرية الأولى في منطقة الجحملية بتعز على أيدي ضباط مصريين متخصصين تابعين للجهاز العربي (جهاز مخابرات مصرية) وتدرب جابر وزملاؤه على استخدام الأسلحة الفردية والمتوسطة والمتفجرات.

مع مطلق والمجعلي والمحضار وجودت
شكل محمد ناصر جابر مع زملائه عبدالله مطلق وسالم عبدربه والمجعلي وعلي المحضار وأحمد جودت فريقاً قيادياً متجانساً لتطوير وتعزيز العمل الفدائي والاجتماعي والإصلاحي في مناطق يافع وردفان وحالمين ولعبوا دوراً مهماً في تأمين متطلبات جبهات القتال من السلاح عبر البيضاء، وكان الشهيد المناضل صالح محسن بن حنش البري همزة وصل بين مركز الجبهة في البيضاء وأولئك القياديين.

بلغت السخونة في الساحة ذروتها خلال الفترة 66/1967م في عدن وكان محمد ناصر جابر من ضمن المجاميع الفدائية التي وصلت إلى عدن لتعزيز العمليات الفدائية في الشيخ عثمان والمعلا وخورمكسر والمدينة عدن (كريتر)، وعمل جابر مع زملائه من مناضلي يافع على حشد المورد البشري اليافعي في النضال من خلال عقد الصلح بين القبائل التي طحنتها الثأرات، وبدأ مع زملائه بعقد الصلح بين شيخ آل الديوان وشيخ آل أحمد وحالف التوفيق جهود مناضلي يافع (ص 16/17 مرجع سابق).

مشوار جابر بدايته قائد شرطة المعلا وخاتمته نائب أول لوزير الداخلية
التحق محمد ناصر جابر مع آخرين من رفاق السلاح في القطاع الفدائي بدورة تخصصية في كلية الشرطة بعد الاستقلال، وتخرج فيها برتبة ملازم ثان، وتحمل بعد ذلك عدة مسؤوليات أمنية منها قائد شرطة المعلا ثم قائد شرطة التواهي في العام 1972. ابتعث جابر إلى جمهورية ألمانيا الديمقراطية للدراسة في مجال علم الجريمة والبحث الجنائي، ورقي بعد عودته إلى رتبة رائد ثم عُين مديراً لسلاح الجمارك في الجمهورية عام 1977م ثم مديراً لأمن محافظة عدن عام 1982م ثم رقي إلى رتبة عقيد وشغل منصب نائب أول لوزير الداخلية وعضواً في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني.

جابر ينأى بمركزه عن توسيع دائرة الجراح
بعد قيام دولة الوحدة في 22 مايو 1990م عُين محمد ناصر جابر مستشاراً لوزير الداخلية وانتخب عضوا في اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام، وكان من أبرز المؤسسين للمؤتمر الشعبي العام في يافع.

ذاق جابر مرارة الحروب والصراعات الأهلية وخبر ويلاتها وتبعاتها، ولذلك نأى بنفسه عن توسيع دائرة تدمير وتخريب الوطن ورفض الانجرار وراء الفتنة بين الإخوة الأعداء، فغادر ربوع الوطن وعاد إليه بعد أن وضعت حرب صيف 1994م أوزارها، وصدرت أوامر فخامة رئيس الجمهورية بتسوية أوضاعه مع آخرين وتسلم مستحقاتهم، إلا أن مسؤولين من الإطار الأدنى لم ينفذوا الأوامر الموجهة على النحو المطلوب.

بدأت صحة محمد ناصر جابر في العد التنازلي ونصحه الأطباء بضرورة تلقي العلاج في الخارج، فمنحته الدولة تذاكر سفر وسافر على حسابه الخاص إلى المملكة العربية السعودية في أوائل مارس 2006م وأجريت له فحوص طبية، إلا أن إرادة المولى عز وجل شاءت انتقاله إليه في مكة وتمت الصلاة عليه في الحرم المكي في يوم الجمعة الموافق 28 أبريل 2006م.

جابر وصدر زاخر بالأوسمة والميداليات
حصل محمد ناصر جابر على عدد من الأوسمة والميداليات والشهادات التقديرية منها:

1- وسام الثورة 14 أكتوبر، 2- وسام الاستقلال 30 نوفمبر، 3- وسام الإخلاص من الدرجة الأولى، 4- ميدالية حرب التحرير، 5- ميدالية الإنجاز العالي والمبدع (أعلى درجات التفوق في الجمهورية).

وردت في كتاب التأبين المكرس للفقيد اللواء محمد ناصر جابر مداخلات لعدد كبير من أصدقاء وزملاء الفقيد، وتعتبر شهادات أصدرها أصحابها للأمانة التاريخية، ومن أولئك الذين منحوا الفقيد جابر شهاداتهم:

1- الرئيس الأسبق علي ناصر محمد.

2- الشخصية الوطنية البارزة السيد عبدالرحمن بن علي الجفري.

3- الشخصية الوطنية المعروفة سالم صالح محمد.

4- الأخ ياسين سعيد نعمان، الرئيس السابق لمجلس النواب، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني.

آخر استحقاق عسكري للفقيد جابر كانت رتبة (لواء).

خلف الفقيد جابر وراءه سيرة عطرة و(6) أبناء و(4) بنات.

2- العقيد قاسم صالح علي (لطفي):الولادة والنشأة

العقيد قاسم صالح علي (لطفي) من مواليد عام 1937م في قرية (مكيمة) مركز زارة بمديرية لودر في ما كانت تعرف بالسلطنة العوذلية. كانت نشأته الأولى في منطقته وفيها تلقى دروسه الأولى من القرآن الكريم والقراءة والكتابة في أحد كتاتيبها، وخرج إلى معترك الحياة مبكراً ليكسب لقمة عيشه ومساعدة أسرته، واستقر لبعض الوقت، وجاء في الكراس الخاص بأربعينيته على لسان صديق عمره موسى محمد عبدالله القرفوشي (من قرية المجلة، مديرية ذي ناعم، محافظة البيضاء) بأن معرفته بأخيه قاسم صالح علي (لطفي) تعود إلى عام 1958م في التواهي حيث كانا يعملان في جاراج البلدية في حي الروضة بالمعلا بقسم الميكانيك، وشهد بذلك أيضاً صديق عمره ورفيق نضاله علي محمد الفاطمي (مرجع سابق - ص 10) حيث أفاد بأن معرفته بالفقيد قاسم ترجع إلى عام 1958م وكانا يلتقيان عمه (أي عم لطفي) الشهيد قاسم علي نشفة، والشهيد قاسم بحسب إفادة الفاطمي معروف للكثير من المناضلين، وكان من ضمن قطاع الأمن وقدم المساعدة للفدائيين بالمشاركة معهم خلال حرب التحرير.

لطفي في خطوط عدن الجوية
يضيف موسى القرفوشي في إفادته عن صديق عمره لطفي بأنهما انتقلا للعمل في شركة خطوط عدن الجوية الطيبة الذكر عام 1960م واستمرت خدمات لطفي في الشركة المذكورة حتى عام 1964م، عندما بدأ يتفرغ للكفاح المسلح في صفوف الجبهة القومية.

ورد في شهادة الأستاذ علي صالح عباد (مقبل)، الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي اليمني أن لطفي كان من السباقين في الانخراط إلى صفوف الجبهة القومية، في حين كان العديد من أقرانه في العمر يبحثون عن الوظيفة والاستقرار، إلا أن لطفي عزم على تحمل مسؤولية المشاركة في العمل الوطني بروح صادقة ومقدامة.

لطفي صاحب مبادئ سامية
يضيف مقبل في شهادته (مرجع سابق - ص 8): «وللحقيقة إن لطفي المناضل كان في ظروف الصدامات المسلحة مع إخواننا وزملائنا في جبهة التحرير والتنظيم الشعبي غير مرتاح، وكان ناقدا هذا الصدام ويطالب بالمصالحة والتنسيق في سبيل جلاء المستعمر، وكان يرى في تلك الصراعات خدمة للمحتلين الأجانب ولن تتحقق مكاسب لا للجبهة القومية ولا لجبهة التحرير والتنظيم الشعبي».

وفي الاتجاه نفسه يدلي العميد عبدالله علي عليوه، وزير الدفاع السابق بشهادته وجاءت نصاً (مرجع سابق- ص 9):

«إن الفقيد الراحل (أي لطفي) كان وبحكم وطنيته المتأصلة دائم الرفض للصراعات بين الإخوة على أساس أن الوطن شراكة بين أبنائه لا يحق للبعض الاستئثار به دون البعض الآخر..».

لطفي مدير أمن مطار عدن الدولي
التحق لطفي مع عدد من قادة العمل الفدائي بدورة في مدرسة الشرطة (معسكر 20 يونيو حاليا) بكريتر، وتخرج فيها برتبة ملازم أول والتحق بمطار عدن الدولي بصدور قرار تعيينه مديراً لأمن المطار خلال الفترة 1968-1970م، واختلف مع بعض أفراد القيادة السياسية فتم نقله إلى مديرية لودر مأموراً لها، ونشأت خلافات بينه وبين بعض القيادات لأن لطفي كان له موقفه الخاص به الذي يحكمه المنطق واهتمام الناس فتخلى عام 1974م عن مهامه مأموراً للودر وعاد إلى عدن للعمل في طيران اليمدا، موقعه السابق، وتعرض للمضايقات فاستغل الامتياز الممنوح للعاملين في الشركة وسافر إلى القاهرة ومنها سافر إلى أبوظبي واستقر هناك بعد أن وجد فرصة عمل تدر عليه دخلاً يعينه على الوفاء بالتزاماته تجاه أسرته.

لطفي وديمومة الرياح المعاكسة
عاد لطفي من دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1983م ليستقر في وطنه مع أسرته وأهله وناسه، إلا أن دورة التقلبات التي عاشتها البلاد عكست ظلالها القاتمة عليه فأودع السجن بعد أحداث 13 يناير 1986م وأطلق سراحه ونزح إلى المحافظات الشمالية.

أعيد ترتيب أوضاعه بعد قيام دولة الوحدة في 22 مايو 1990م ومنح رتبة عقيد وبدأ ينعم بالاستقرار والتواصل مع الناس، وكان رحمه الله على درجة عالية من دماثة الخلق والتواضع والكرم، وكانت البشاشة تغمر محياه السمح، إلا أن القدر لم يمهله حتى وافاه الأجل في حادث مرور مؤسف بالقرب من وادي حسان بمحافظة أبين في 15 سبتمبر 1997م.

خلف قاسم صالح علي (لطفي) وراءه سيرة عطرة وذكراً حسناً وأرملة وثلاثة أبناء هم: 1- لطفي، 2- سميح، 3- شبيب وبنتين.

ورثة لطفي في مواجهة ذئاب الأراضي
يواجه ورثة الفقيد قاسم صالح علي (لطفي) مشاكل جمة افتعلها ذئاب الأراضي بغرض مصادرة حقوقهم في أرض مشمولة بوثائق تثبت شرعية ملكيتهم لها، فالعين بصيرة واليد قصيرة والمافيات لا ترحم، فهل ينتصر الحق؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى