الحاجة إلى سلام عربي... ولو «طائفاً» ثانياً .. يستبق «الصواريخ الدستورية» وحروبها !

> غسان تويني:

>
غسان تويني
غسان تويني
عجّل، عجّل يا عمرو موسى! .. عجّل في مباحثاتك والمشاورات وصغ طلباً محدداً بحل الأزمة الدستورية في لبنان قبل ان يدهمك الوقت وتنتقل العدوى، فيبدأ في بيروت عهد "الصواريخ" التي يتوسلها اخواننا الفلسطينيون (الفلسطينيون؟) لايجاد مخرج من "الفراغ الدستوري" الذي قال بعضهم ان رئاسة الدولة (او المنظمة، لم نعد نفهم...) أوقعتهم فيه، فأطلقوا (مَن هم الذين أطلقوا؟) الصواريخ (صواريخ مَن؟ ومِن أين أتت؟) على منزل محمود عباس.

عجّل عجّل يا عمرو موسى وارجع الى بيروت بأي شيء، لأن أي شيء يمكن ان يُخرج لبنان من "الفوضى الدستورية" التي صار الشغف بها متنقلاً وقد سكن بعبدا الرئاسة غير الشرعية، وغير الصادقة، ولا الشاعرة بضرورة الصدق حتى في أبسط الكلام تطلقه على عواهنه وكأنه آيات من عند آلهة مجهولين إلا لديها هي!!

عجّل عجّل يا سيادة الأمين العام...

فالحكومة التي اتهموها بأنها مستعمرة للسفير الاميركي جف فيلتمان، ماذا يمنع غداً ان تصير متهمة بأنها، بسحر ساحر، حوّلت "الاشتراكية الدولية" مدرسة مستحدثة استعمارية يجب تحرير لبنان منها، ولو بمقاومة صاروخية؟

***

عجّل، عجّل يا سيادة الأمين العام. فأنت الآن في الرياض، العاصمة التي اقترح عليها أحد أسلافك أن تدعو إلى "قمة دستورية" لاخراج لبنان من حرب... فكان الطائف وخرج لبنان بفضله من مأزق الحكومتين والحربين والشرعيتين...

إنما العلة في ان الدستور الذي توافقنا عليه لم ينفذ كله، وإضافة الى ذلك تُركت فيه عمداً ثغرات على قياس مطامع الوصاية السورية التي كانت قائمة... واصطنعت في الدستور ونظامه عقداً لا يحلّها سوى الوصي، أبرزها أن يكون الحكم "ترويكياً" أو يتوقف الى ان يتفق "الرؤساء الثلاثة" (يا للهرطقة الدستورية: دولة بثلاثة رؤوس، وملزمة التوافق)... فماذا لو حرد واحد من الرؤساء او كان الآخر لا شرعياً واستهوى الانتقام بالتخريب وخرق الأحكام والأعراف؟ والثالث محكوم عليه بأن يحتمل الاتهامات، ويدور في العواصم كي يصرف هذه الاتهامات شهادات؟

فمن يفرض التوافق، بل أية مادة في الدستور البائس الناقص تمنع التمترس خلف أعراف يعوزها كلها مفسّر بل مجتهد يفسّر كل اجتهاد بأعقد منه؟

ولا في "الترويكا" من يريد أن يفهم أنّ فصل السلطات، الذي هو جوهر الديموقراطية، ليس معناه توزّعها وتمليكها لسلاطين يحتكرونها بدل ان ينشئوا من مراقبة الواحدة على الأخرى تناغماً وتكاملاً في اطار احترام متبادل للصلاحيات وممارستها.

***

والجيش قيل لنا انه صُنع كي لا يحارب، "ولا يذهب الى الحدود في زمن الحرب، لأنه اذذاك يحرس العدو"!... فلم نؤمن ولم نصدّق، لكننا حرسنا الجيش، كي ينزل جنوباً، بجيوش دولية وأساطيل صلاحياتها واضحة، ودساتير دولها أوضح، وأفصح، فصارت مقررات المنظمة الدولية التي ندينها هي موضع "الاجتهاد"، وكأنها "خرقة" مهترئة تنتظر من يسرّب سمومه والدماء عبر نسيجها...

وها هم بعضنا، في تذاكٍ مضحك، وقد اضطروا الى التنويه بنجاح الجيش في حفظ الأمن، يغمزون من قناته ملوّحين له بما استهوى قيادته مرة فقادتنا من حرب إلى أسوأ منها!!!

ثم... ثم نريد الحقوق، ولا نريد العدالة...

بل لا نطمئن الى عدالة تضمن مناعة القاتل ولا تسمح لدماء القتيل بأن تجفّ قبل أن تسيل عقب اغتياله دماء قتيل آخر نكاد نتهمه بالاستشهاد الذاتي (أي الانتحار، لو لم يكن الانتحار قد صار هواية المجرمين متى آن أوان ادانتهم!).

لقد فشلت "العدالة الذاتية" حتى في اكتشاف ابسط السرقات، و"العدالة العربية" التي يطالب البعض بها بديلا من العدالة الدولية هي عدالة "السجن العربي الكبير" حيث يصاب المسجون (ولو كان رئيس الدولة الثوري السابق) بالمرض ولا من يسمح بعلاجه او حتى بفحصه، او باتهامه وتسليته بالاستنطاق وبممارسة ولو حق دفاعٍ وهمي يروّح به عن كربه... إلى ان تصير وفاته العتيدة مؤكدة الموعد، فيخلى سبيله ليموت مقهوراً، ولكن ذليل الجسد بنسبة ما هو كريم النفس عزيز بحريته التي لم يساوم عليها ولا استرهنها للسجانين!!!

***

عجّل عجّل يا سيادة الامين العام المؤتمن على البقية الباقية من كرامة الشرعية العربية والسلام العربي، وشجّع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود على انقاذ الحكم الدستوري الذي استشرع في ظل اسلافه وضمانتهم، ولو كانت دمشق قد مزّق أسيادها يومذاك النص الذي كان يجعل الحكم الدستوري الذي انقذه "الطائف" وديعة في عهدة لجنة عليا ثلاثية تمرّد على تأليفها مستطيبو الوصاية على الوطن الحر الذي كان جهيضاً.

عجّل، عجّل يا سيادة الامين العام، فأنت والطائف العتيد في سباق مع صواريخ لم تعد لترتدع بدستور مهلهل... وقد يستدرج استعمالها اذا جن جنون ناقلها، الرد عليها بمثلها واكثر، وما اكثر السلاح والمسلّحين عند الحاجة، فيغرق لبنان في حرب لها سوابقها انما هذه المرة قد تفيض الى حيث اعترف الرئيس "البشار" بأنه يخشى ان تفيض... لأنه يعرف ان الغريق "ما خوفه من البلل"!

ولا يتركنّ جلالته الوطن الذي ليس لديه ما يبادله به غير الولاء لبقية من عروبة تأبى ان يصير سلامنا جميعاً حائراً في مَن بين اروقة الدول يدعو لمؤتمر ينقذ السلام والامن العربيين بلغة يفقهها الاعاجم، ولا نعرف اي ثمن سندفع نحن لنتعلمها.

قل يا سيادة الامين العام، بل اصرخ امام الملك مستصرخاً ان الحكم الذي ولد في طائف عام 1989، ثم ما لبث ان تعمّد بدم أول رئيس للجمهورية - الرئيس الشهيد رينه معوض - تولّى السلطة باسمه وبموجب دستوره... ان هذا الوطن لا يزال يتنقل من اغتيال الى اغتيال، وليس اقل هذه الاغتيالات مأسوية ذلك الذي اودى بالرجل الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي كان بمثابة "عرّاب" المؤتمر التأسيسي وعنوانه.

وها هي ماكينة الاغتيالات (الطائفة) تركز الآن على الشباب، حتى لا يبقى ثمة جيل يتذكّر الحرية والنظام الديمقراطي وشهداءه والأبطال.

عن «النهار» اللبنانية 19 ديسمبر 2006

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى