شارع مستبد.. منفلت!

> أحمد الربعي:

> سندخل إلى نفق مظلم إن استمرت حالة حشد الجمهور وإنزاله إلى الشوارع لتصفية الحسابات السياسية، أو لاستعراض القوة، أو لفرض شروط أطراف ضد أخرى في المعادلات السياسية العربية!!

بدلا من أن تلجأ حركتا حماس وفتح إلى حوار الى طاولة هادئة، قام كل طرف بإنزال جمهوره، بل ومسلحيه إلى الشارع، وهي حالة سترتد على الجميع، فمن السهل إنزال الجمهور إلى الشوارع، لكن من الصعب التحكم بسلوك هذا الجمهور، بل قد تؤدي مثل هذه الأعمال إلى الدخول في حرب أهلية لا يستطيع احد التنبؤ بنتائجها.

في لبنان تسد المعارضة مدخل السرايا الحكومية، وتعتقد أنها ستسقط الحكومة عبر إنزال جمهور غاضب إلى الشارع، وهو سلوك يفتقد إلى الحكمة ويدل على العجز عن اللجوء إلى حوار متحضر بين القيادات المتصارعة، ولو اندس، لا سمح الله، احد كائنا من كان، أو طرف يعمل لإحدى الاستخبارات الأجنبية وألقى قنبلة وقتل وجرح الناس، فمن يمكنه ان يضبط الشارع المنفلت بعد ذلك.

في العراق تحرك قيادات سياسية طائفية معروفة مليشياتها للقتل على الهوية فتكون النتيجة قتلا، وقتلا مضاداً، عراقيون يقتلون عراقيين بدوافع تنتمي للجاهلية والعصبية الأولى، ومثل هذا السلوك المغامر قد يصل إلى مرحلة لا تستطيع هذه القيادات أن تتحكم فيها، فتكون النتيجة حرباً طائفية مدمرة.

الاستقواء بالشارع لمحاربة الخصوم السياسيين هو سلاح خطر، مثلما تستطيع حماس أن تحشد مسلحين، يمكن لفتح أن تفعل الشيء نفسه، ومثلما تستطيع المعارضة اللبنانية إنزال مئات الآلاف للشوارع تستطيع قوى الموالاة أن تفعل الشيء نفسه، والنتيجة شل المؤسسات الدستورية، وتعطيل الحوار العاقل والهادئ بين الأطراف المتنازعة واستبدال التفاهم بحرب غوغاء الشارع التي لا يمكن ضبطها أو التحكم بها، رغم أن أغلبية من ينزلون للشارع لديهم نوايا طيبة يتم استغلالها بطريقة خبيثة.

كانت الشعوب العربية تواجه مستعمراً أجنبيا وهي موحدة، وكان هناك صراع بين حاكم مستبد وشعب يطمح للحرية، لكن ما نشهده الآن من تحريك للشارع، ولجوء لتعطيل الحوار، واستعراض العضلات السياسية وانزال السلاح للشارع، هو حالة من الاستبداد الجديد الذي تمارس به الشعوب قمع نفسها بنفسها، وتخريب انجازاتها وتعريض وحدتها الوطنية لخطر ماحق.

علينا أن نتوقف عن لوم المستعمر المستبد والحاكم المستبد، فقد جاء زمن الجمهور المستبد، تحركه قوى خبيثة لمصالح ضيقة وبعضها من خارج الحدود.

حذار من الجمهور المستبد!

عن «الشرق الأوسط» 19 ديسمبر2006

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى