هل ينجح (الحصان) في اجتياز (العقبة)؟

> د. محمد حسين حلبوب:

>
د. محمد حسين حلبوب
د. محمد حسين حلبوب
منذ بداية الإصلاح الاقتصادي في مارس 1995م، والدولة اليمنية تواجه متطلبات ضرورية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والإدراي، بحيث لو تم تنفيذها جميعها، وفقاً لتكامل وترابط محدد،لأمكن لليمن الانتقال الى مستوى اقتصادي واجتماعي وسياسي أعلى، يسمح لها بالانطلاق ضمن الركب الآسيوي، الذي يسير بخطى سريعة نحو التقدم و الحضارة.

لكن الحكومات اليمنية المتعاقبة تعاملت مع برنامج الإصلاح بشكل انتقائي، ولم تحافظ على ضرورة تكامل وترابط إجراءاته فكان تنفيذ إجراءات برنامج الإصلاح يتـم إما بناء على إلحاح أزمة سياسية أو اقتصادية، وإما انطلاقاً من حسابات سياسية، لم تكن فيها المصلحة العامة دائماً فوق كل المصالح الاخرى، وإما تحت ضغوط سياسية وماليـة شديدة من الأطراف الدولية.

ونستطيع إثبات أن الحكومة اليمنية كانت أنانية، وغير عادلة في توزيع أعباء الإصلاح، حيث نفذت معظم متطلبات الإصلاح الاقتصادي(التي يقع عبئها على المجتمع) بسرعة، وحسم، ودون رحمة فمثلاً:

- تم تنفيذ معظم التصحيحات السعرية(الجرع)، في زمن متقارب، وباستخدام طريقة (العلاج بالصدمة) ولم تتراجع الحكومة حتى عندما وصل القتلى بين المتظاهرين في صنعاء الى 54 قتيلاً.

-وتم تحرير التجارة الخارجية، بقرار سريع، ومفاجئ، ودون تدرج. وتحملت الصناعة الوطنية أعباء أكبر وأشد مما يجب.

-كما تم تحرير الفائدة على القروض، دون تدرج، فوصلت إلى 34% ثم استقرت بين 17-23%، ولم يسمح لها بالتراجع أكثر لتعنت الحكومة بالابقاء على الفائدة على الودائع مرتفعة (13%) وهذا يؤثر سلباً على الاستثمار .

من جانب آخر فإن الحكومة قد أجلت أو تساهلت أو ماطلت في تنفيذ تلك المتطلبات (التي يقع عبئها على السلطة وعناصرها ومؤسساتها والمتنفذين فيها) حتى وإن كانت ضرورية وملحة، فمثلاً:

- تم تأجيل تنفيذ إجراءات الإصلاح الإداري الشامل ومحاربة الفساد. كما أدت محاولة تجزئة الإصلاح الإداري إلى تعثر الإصلاح القضائي.

- تم تأخير تطبيق برنامج شبكة الأمان الاجتماعي، المخصصة لتخفيف عبء الإصلاح على المجتمع، لمدة ثلاث سنوات. وكانت إعانات الفقراء هزيلة جداً، ولم يتم تعويض المصنعين المتضررين.

- تمت المماطلة والتأجيل في تنفيذ برنامج الخصخصة على بعض المؤسسات العامة، التي يحظى مدراؤها بنفوذ أكبر.

- تم التأجيل والتساهل في تنفيذ إجراءات إصلاح مصرفي ملح، استجابة لضغوطات متنفذين .. بسبب ذلك، كان من الطبيعي أن تكون نتائج الإصلاح الاقتصادي في اليمن ناقصة وغير مضمونة، وخلاصة لأحد عشر عاماً من الإصلاح الاقتصادي، فقد تمكنت الحكومة اليمنية من النجاح في (ايقاف التدهور) الاقتصادي وإيجاد (استقرار نسبي) في الاقتصاد الكلي، في وقت مبكر، لكنها تعثرت - حتى الآن- في الانتقال من (الاستقرار) إلى (النمو) الاقتصادي الطبيعي أي (النمو) المستدام، الذي لا يرتكز على عوامل خارجية غير مضمونة - بعكس حال دولتنا اليوم، المرهون بقاء الاستقرار فيها على استمرار اسعار النفط على ارتفاعها الحالي.

ويرجع سبب عدم تحول (الاستقرا ) إلى ( نمو اقتصادي مستدام) إلى الفشل في توفير (مناخ ملائم للاستثمار). وأهم العوامل التي ساهمت في عدم توفير هذا المناخ الملائم للاستثمار هو (ضعف عناصر الحكم الرشيد) وتحول أجهزة الدولة ومؤسساتها والمتنفذين من عناصرها إلى العائق الاكبر أمام الاستثمار.

وقد توصل خبراء البنك الدولي، في نهاية تقرير لهم، مكون من 119 صفحة، عن ( النمو الاقتصادي في الجمهورية اليمنية، المصادر، العوائق والامكانيات) إلى خلاصة تنص على التالي: «توحي الادلة الواردة في هذا التقرير بأن العقبة الرئيسة أمام تحقيق نمو اقتصادي سريع ومستدام، هو ضعف عناصر الحكم الرشيد، وهو ما تتميز به اليمن، إضافة إلى ضعف الوضع الأمني، وضعف في حقوق الملكية، وفي انظمة الضبط القانوني». (راجع دراسة البنك الدولي المشار اليها- ص 94).

وفي دراسة مشهورة أجراها (كوفمان وآخرون) حصلت اليمن على مستويات متدنية في مؤشرات الحكم الرشيد فجاءت ضمن قائمة الـ15% من الدول الاسوأ في العالم. ومن بين (19) دولة في الشرق الاوسط احتلت اليمن المركز (17) في مجال الاستقرار السياسي وعدم وجود عنف، ولم تأت خلفها إلا الجزائر والعراق، واحتلت المركز (16) في مجال الاحتكام للقانون ونفس المركز (16) في مجال محاربة الفساد، والمركز (15) في مجال فعالية الحكومة، والمركز (14) في مجال توفر وتطبيق الانظمة، ولم تحتل مركزاً متقدماً (6) إلا في مجال حرية التعبير.

ومن الجدير الإشارة إليه، أن تلكؤ الحكومة وتأجيلها تطبيق اجراءات الإصلاح الاداري الشامل، ومحاربة الفساد، كانت لأسباب أهمها الخشية من أن تؤدي إجراءات محاربة الفساد إلى زعزعة (المصالح المشتركة) التي تمثل أساس التوافق التنظيمي لأعضاء الحزب الحاكم وبالتالي انقسامه، خاصة وأن الحكومة متطابقة عملياً مع الحزب الحاكم، وأن الحزب الحاكم لم يمتلك آلية مستقلة لتداول السلطة بداخله إلا في مؤتمره السادس المنعقد مؤخراً في عدن.

ولحسن الحظ، كان المجتمع الدولي ولا يزال حريصاً على نجاح التجربة اليمنية في مجالي الديمقراطية والإصلاح الاقتصادي. لذلك فهو يقدم الدعم المالي والمعنوي لليمن ويحاول أن يساعد الحكومة اليمنية على تجاوز نواقصها وعثراتها ويعطيها الفرصة تلو الأخرى للتصحيح. لذلك فقد تم عقد مؤتمرين دوليين للمانحين لليمن، كان الاول في اكتوبر من عام 2002م في مدينة باريس، وفيه تعهد المشاركون بمنح اليمن (2.2) مليار دولار بكل أسف لم تحصل اليمن منها الا على 10% فقط. وذلك لعدم إيفاء الحكومة اليمنية بما تعهدت به من إصلاحات اقتصادية وإجراءات في مجال محاربة الفساد.

ومرة أخرى وخلال الفترة 15-16 نوفمبر من عامنا الحالي 2006م، تم عقد المؤتمر الدولي للمانحين لليمن، في مدينة لندن، وفيه حصلت اليمن على دعم مادي ومعنوي كبير، وتعهد المشاركون فيه بمنح اليمن (4.7) مليار دولار.

وبكل تأكيد فإن حصول اليمن على هذه الأموال لن يتم بسهولة، بل إن ذلك مرهون بمدى نجاح الحكومة اليمنية في إقناع المجتمع الدولي بأنها جادة في تجاوز (الضعف في عناصر الحكم الرشيد)، أي في اجتياز (العقبة الرئيسة) - كما سماها تقرير البنك الدولي - وهو الأمر الذي أصبح اليوم مطلباً ملحاً للمجتمعين اليمني والدولي على حد سواء .

فهل ينجح (الحصان) في اجتياز (العقبة)؟

أم يخسر (العاقبة)؟

سيتضح الأمر في الانتخابات العاقبة.

استاذ الاستثمار والتمويل المساعد- جامعة عدن

Mohamed [email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى