قبسات من سراج الحج الوهاج وإضاءات وذكرى لكل حاج

> جمال محمد الدوبحي:

>
جمال محمد الدوبحي
جمال محمد الدوبحي
ها هو موسم الحج قد أشرق، وها هي مكة المكرمة تستقبل مواكب الحجيج من كل فج عميق يملؤون الفضاء مهللين مكبرين وملبين نداء رب العالمين ، يحدوهم الأمل، ويغمرهم الفرح في مواكب مهيبة وحشود مباركة في صورة فريدة ومشهد مدهش يستوي فيه الصغير والكبير، والغني والفقير، والذكر والأنثى، رافعين أكف الضراعة إلى المولى - عز وجل- ولسان حالهم يقول:

إليك إلهي قد أتيت ملبيا

فبارك إلهي حجتي ودعائيا

قصدتك مضطراً وجئتك باكيا

وحاشاك ربي أن ترد بكائيا

يتكبدون مشقة السفر في سبيل الله، وقد تركوا الأهل والوطن والمال والولد، ابتغاء مرضاة الله، ومسّهم الرهق والوصب، وأصابهم التعب والنصب، كل ذلك للحصول على الأجر العظيم والفضل الجزيل من الملك الجليل.

وكيف لا يكون الشوق من هذه الجموع إلى هذا الركن العظيم والوقوف على المشاعر المقدسة والنزوع الى هذه المشاهد والبقاع الشريفة في أجواء روحانية عبقة، ونفحات إيمانية مباركة، مليئة بالحسنات ومحفوفة بالخيرات والوالطاعات، فيا لها من مواقف عظيمة وأعمال جليلة تبدد التعب والنصب وعناء السفر وفراق الديار، بل مما يجعل النفوس تهفو لأداء مناسل االحج على التمام، والوقوف على المشاعر العظام، ما جاء عن الحبيب المصطفى من آثار وأخبار تبين عظمة الحج المبرور، ومن ذلك ما جاء في البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» البخاري .

بل إن المتأمل لقول المولى تبارك وتعالى عندما قال:

{وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق. ليشهدوا منافع لهم} (الحج: 27، 28) يجد الأسلوب التنكيري، في سياق الامتنان، وهي صيغة من صيغ العموم لتعم منافع الدين والدنيا والآخرة، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية:

«منافع الدنيا والآخرة، أما منافع الآخرة فرضوان الله جل وعلا، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن والذبائح والتجارات» انتهى.

فلا عجب إذاً أن تجد هذه النفوس تجتمع من مشارق الأرض ومغاربها مشتاقة لهذا الأجر العظيم والخير العميم والفضل الجزيل، فالحج بالجملة، فرصة عظيمة من اغتنمها وجدّ فيها فاز فوزاً عظيماً ومن فرّط فيها وتغافل عنها خسر خسراناً مبيناً، والناس في ذلك بين رابح مرحوم وخاسر محروم، ولكن يبقى السؤال كيف نحقق الحج المبرور؟

قال ابن عمر -رضي الله عنهما- لمجاهد حين قال: «ما أكثر الحاج»!!

قال: «ما أقلهم ولكن قل: ما أكثر الركب».

ذلك لأن كثيرا من الحجاج - هداهم الله- لا يستشعرون عظمة الله جل وعلا في حركاتهم وسكناتهم وأقوالهم وأفعالهم مما يجعلهم يقعون في كثير من المخالفات والمنهيات والمحرمات التي تعكر صفو الحج المبرور.

والأدهى من ذلك أنهم لا يدركون مقاصد هذه الشعيرة وأسرارها العظيمة فيكون حظهم حينها من الحج التعب والنصب والنكد والكبد، وما ذلك إلا لجهلهم بالحكمة الجليلة لهذه العبادة العظيمة ومن هنا ومن أجل ألا يحرم حجاج بيت الله الحرام أجر الحج المبرور نقف بعض الوقفات الصادقات فيها من التذكير والتبصير ما يعين حجاجنا على إحراز الفضل العظيم والظفر بالأجر الجزيل وتجنبهم من الوقوع في الحد المحظور، وأول هذه الوقفات وأجلها تحقيق الإخلاص والتجرد من الرياء والسمعة فلا يكون مقصدكم- معاشر الحجاج - التطلع إلى مدح الناس لكم والثناء عليكم فيحبط عملكم، ويضل سعيكم، كما قال تعالى في الحديث القدسي: «من عمل عملاً اشرك فيه معي غيري تركته وشركه» أخرجه مسلم ، فالحج مظهر عبودية لله.

كذلك احذروا من العجب بعباداتكم وأعمالكم وليكن موقفكم من أعمالكم بين الخوف والرجاء ولتكونوا في غاية الذل بين يدي الله. ومما نذكر به حجاجنا الكرام التفقه في أحكام الحج وما يتعلق به من شروط وواجبات وأركان وسنن حتى تعبدوا الله على علم وبصيرة.

وكذلك سؤال أهل العلم عما يشكل عليكم قبل وقوعكم فيه، لتثمر أغصان القلوب، وتتساقط أوراق الذنوب، كذلك الحرص على اختيار النفقة الحلال والحذر الحذر من النفقة الحرام الخبيثة التي تكون من أكل أموال اليتامى بالباطل أو السرقة أو الرشوة وغيرها فهذه الحجة كما قال الشاعر:

إذا حججت بمال أصله سحت

فما حججت ولكن حجت العير

لا يقبل الله إلا كل صالحة

ما كل من حج بيت الله مبرور

فعليك بالتوبة إلى الله من جميع مظالم الناس وردها أو التحلل منها سواء كانت عرضاً أم مالاً أم غير ذلك.

كذلك ينبغي على الحاج أن يحرص على اختيار الرفقة الصالحة فإنهم خير معين على الخير، فيذكرونك إذا نسيت، ويعلمونك إذا جهلت ويحوطونك بالرعاية والمحبة.

كذلك ينبغي المحافظة على آداب السفر والاذكار المتعلقة به، ومما نؤكد أن السفر يسفر عن أخلاق الرجال فيجب عليك - أيها الحاج- أن تتحمل المشقة والتعب وتصبر على طاعة الله.

والحذر الحذر أن تبطل أعمالك بالمن والأذى وضيق الصدر والسب والشتم وتحويل المشاعر المقدسة إلى ساحات شجار وحلبات مصارعة تستعرض فيها عضلاتك ومهاراتك القتالية.

وعليك بالرأفة والرحمة والحرص على راحة إخوانك من الحجاج وسلامتهم من الأذى، فالحج معلم من معالم الأخوة والتراحم بين عباد الله.

كذلك الحذر من العجلة فهي من الخلال المذمومة في أعمال المرء العبادية والحياتية، والواجب على العاقل أن يلزم السكينة والوقار والتأني في الأمور كلها.. وتحصين الحج من الآفات المهلكة ولصوص الحسنات.

فالأيام فاضلة، والبقاع مفضلة تتضاعف فيها الأجور، فعطروا أوقاتكم بذكر وتسبيح وتهليل وتحميد فما هي إلا أيام معلومات معدودات ومباركات.

فباختصار- معاشر حجاج بيت الله الحرام- احذروا من جعل موسم الحج فرصة للمعصية أو أوقاته مهيأة للولوغ في المنكرات والمحرمات والشركيات، وعاملوا إخوانكم الحجاج المعاملة الحسنة، وتحلوا بحسن السجايا وكريم الشمائل واحذروا العجلة والتزاحم، وتحلوا بالرفق والتراحم.

واجتنبوا كل ما يعكر صفو هذه الشعيرة العظيمة فبذلك يكون حجكم مبروراً، وسعيكم مشكوراً، وذنبكم مغفوراً ، ويتحقق لكم وعد الله بإعادتكم من ذنوبكم كيوم ولدتكم أمهاتك.

وما ذلك على الله بعزيز، ولتعودوا إلينا بإذن الله سالمين وغانمين.

وقد ارتسمت آثار الحج على محيا كل واحد منكم، بل وأحسن مما كنتم عليه من قبل الحج معاهدين ربكم في السير على الدرب المستقيم، وعلى خطى المصطفى الأمين، عليه أتم الصلاة وأزكى التسليم، فذلك إمارة بر الحج وقبوله التي تسعون اليها وترومونها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى