العيد في القبيطة والمسيمير بين الأمس واليوم .. هذا العام فرحة العيد مسروقة بطعم الغلاء

> «الأيام» أنيس منصور:

>
حلقة من المواطنين للتصافح بعد صلاة العيد في القبيطة
حلقة من المواطنين للتصافح بعد صلاة العيد في القبيطة
أيام وليال وتحل علينا مناسبة عظيمة جليلة .. ساعات ذهبية يلتقي فيها الأهل وتتعزز رابطة الدم ويتناسى الناس أضغانهم فيجتمعون بعد افتراق، ويتصافحون بعد انقطاع.. قبل سنوات ماضية كان للاعياد طعم ومذاق ورائحة وبالذات عيد الأضحى واليوم غدا عيد الأضحى هاجسا تحسب له الأسر مليون حساب. تحول عيد الاضحى من فرح إلى هموم ومن التقاء إلى قطيعة وهجر، كل ذلك بسبب الأوضاع القائمة من غلاء وفساد وبطالة وأمراض لم تدع باباً للفرحة والسرور إلا وأغلقته بأقفال البؤس.

في هذا الاستطلاع وجدنا فئات مختلفة من أبناء القبيطة والمسيمير يتحدثون عن عوائق تقف اليوم في طريق أعيادهم وعن الحنين إلى أعياد الأمس، ويتحدثون أيضاً عن عادات وتقاليد قديمة مُحيت تماماً .. فإلى التفاصيل.

ذكريات لا تنسى
< تحدث الوالد الشيخ أحمد علي سعيد العامري من قبيلة الصعيدة بالقبيطة عن ذكريات وقصص عايشها فيما مضى، حيث كان لعيد الأضحى حلاوة يتذوقها الجميع، كان جميع أبناء القرية الواحدة يلبسون الجديد ويذبحون الأضاحي. وأضاف العامري: «كنا نجتمع ونلتقي مهما تباعدت ديارنا، نبدأ من أول ليلة بما يسمى (التنصيرة) وهي وضع المشاعل فوق شرفات البيوت وإطلاق الألعاب النارية ونردد زوامل وأغاني وأناشيد». وقال الشيخ أحمد «زمان يا بني كان الجميع عندهم كباش وتيوس الأضاحي وكلهم عندهم ملابس جديدة واليوم تحولت حالة الناس من نعيم وفرح إلى فقر ومنازعات وظلم» وشكا شيخ الصعيدة مما تعرض له من ظلم وتعدٍّ على أملاكه المسماة القمعة التي خسر من أجلها وتعب بسبب تصرفات المتنفذين أصحاب الرتب العسكرية، وأكد أنه لم ولن يفرح بالعيد حتى تسترجع أملاكه ويخرج المتنفذون بحكم القضاء كما خرجت بريطانيا من عدن.

تلك صورة من صور المآسى التي جعلت الناس في حالة هيجان وعنفوان وأحقاد حتى في عيد الأضحى.

< كما تفضل الأخ محسن عبدالله الحذيفي من المسيمير بالحديث عن عادات وتقاليد أبناء المسيمير قائلاً: «الفرحة تبدأ قبل أسبوع حيث يلعب الأطفال بالطماش ويذهبون إلى مرتفعات الجبال يحرقون إطارات السيارات كما يبدأ الناس بتجميع حوائج وبهارات العيد وأدوات الزينة وبالذات الحناء والخضاب للنساء، كما يجتمع الناس بما يسمى (السمارة) قبل ليلة عيد الاضحى ويتم فيها التصالح والتسامح بين المتنازعين». واستطرد: «عادة يخرج الناس صباحاً مهللين ومكبرين إلى مصلى العيد حتى تتم الصلاة ويتم سماع خطبة العيد، وغالباً ما تتطرق خطب الأعياد إلى صلة الأرحام والعفو والتسامح ورد السلام وأهمية التزاور والحب في الله، وبعد الخطبة يلتقي الناس على هيئة حلقة يتراصون في صف واحد يتعانقون عناق المحبين ويتبادلون الفكاهات ولا يخرج أحد من الحلقة حتى يكون قد صافح جميع الحاضرين واحداً واحداً.. بعد ذلك يذهب كل رب أسرة إلى بيته فيذبح الأضحية ويقسمها أثلاثاً لثلاثة أيام، وهناك بعض الأسر الكبيرة تذبح كل يوم أضحية، ويلتقي الناس لمضغ القات في منزل واسع كما تلتقي النساء ايضاً في مكان متسع، ويلعب الأطفال ويمرحون». وأبدى محسن الحذيفي استغرابه من «اندثار بعض العادات القديمة بسبب جنون الأسعار وتردي الوضع الاقتصادي، وأصبحت أيام عيد الاضحى كابوسا يداهمنا ويؤرق حالنا، هذا الوضع أوجد خللا في الروابط الاجتماعية وسبب لنا حالات نفسية وجعلنا لا نُفرح أطفالنا بشراء ملابس لهم، وأصبحنا نتكلف في شراء كباش العيد على قدر الحال ونهرب ونتعذر بالنوم لأننا لم نجد قيمة (تخزينة القات) ونستحي أن نخرج بين الناس ونحن نرتدي ملابس قديمة».

أطفالنا والعيد
«اشتر لنا (عيد) مثل حق نديم» طلب كسر الهدوء من الطفل عزيز إلى أبيه عبدالرحمن علي ناجي القباطي. انتفض الاب مذعوراً: من أين؟ كيف؟ أنامل العيد بدأت ترسل تعابيرها، طلب الطفل عزيز هو عندما شاهد أبو نديم قد اشترى كبشاً (بربري).

طفل ثان اسمه هاني وجدته في أحد أزقة المسيمير، كان يرسل نظراته إلى محل بيع الملابس، قال : «أبي غير موجود (عسكري) ووالدتي منتظرة أن يرسل أبي الراتب لتشتري لي بذلة». وقالت الطفلة سماح: «ليس معنا فلوس والدي توفي في حرب الحوثي في صعدة والراتب اشترينا به كبشا ومعي فستان من عيد الفطر».

وقالت سماح: «كان أبي يشاورني في كسوة العيد قبل العيد بأسبوع» ثم رفعت سماح يدها على وجهها وتحشرج صوتها باكية قائلة: «أني قد نسيت وأنت ذكرتني». الطفل صلاح صالح أحمد سالم من كرش توفي والده بعد عيد الفطر الماضي قال لوالدته من سيشتري لنا (عيد) وكسوة؟ حاولت والدته الهروب مراراً من سؤاله ولكن إصرار الطفل وتكراره للسؤال أجهش جميع أفراد الأسرة بالبكاء. حاولنا أن نسأله ولكن اعترضني أحد الزملاء قائلا: أرجوك لا تثر المشاعر.

هكذا يأتي العيد بزفرات وأنات وبكاء الاطفال البائسين واليتامى، هكذا هي البرقيات التي يرسلها أحبابنا فلذات الأكباد إلى جهات الاختصاص الحكومية فهل لزفراتهم صدى.. وتلك هي لغة الصبيان ولا تعليق؟

شبابنا والعيد
< محمد هزاع يعقوب قال: «صدقني أو لا تصدق أعرف ورأيت بأم عيني أسراً تختفي أيام العيد للظروف التي يمرون بها، وأعرف شباباً يذهبون للنوم في فرحة العيد». ويستغرب كليم مجاهد (جامعي) من الكيفية التي من خلالها ستصل إليه الفرحة وهو عاطل عن العمل. ويضيف أن له خمس سنوات وهو منتظر الوظيفة حتى الذين يسلمون عليه و(يعاودونه) في العيد فإنهم يقولون: «من العائدين إن شاء الله وظيفة». كذلك الشباب أمين الحكيم وصالح جندوب وبدر الاقزعي كلهم يقولون «لم يعد العيد لنا فرحاً، إذ تمر السنوات والأعياد ونحن ما زلنا منتظرين الزوجة والبيت والوظيفة». فيما قال علي حازم صالح: «أي عيد وأي فرحة! أولادي جامعيون عاطلون عن العمل ولم أستطع أن أوفر متطلباتهم فبأي حال عدت يا عيد؟». وقال فؤاد جندوح (جامعي): «حياتنا فراغ، لم يعد هناك فرق بين العيد والأيام العادية لقد اختفت البهجة». فيما تنهد جامعي آخر اسمه عبدالعزيز فضل حسن ووصف عادة منتشرة في قرى القبيطة وهي كثرة الأعراس في عيد الأضحى، فيما لا يزال طابور كبير من الخريجين ينتظرون دورهم، لكن عدم وجود الوظيفة وقف عائقا فلا زواج إلا بعد الوظيفة لأنها أصبحت شرطا أساسيا لمن طلب الزواج.

أحد المواطنين يقف أمام الأضحية لتقطيع اللحم
أحد المواطنين يقف أمام الأضحية لتقطيع اللحم
عيد بطعم الغلاء
هذا العيد يأتي من بين مخالب الفقر وسوط البرد القارس يخرج من بين الثنايا ليعبر المسافات الطويلة في صورة مسافر أنهكه الطريق، ما عدت يا عيد كما كنت .. قال عشرات المواطنين: لقد شاهدنا في عيد العام الماضي أناسا يذبحون الدجاج بدلاً من الكباش وآخرون يضحون بأغنام صغيرة وهزيلة على قدر الحال، وأُسر تتقاسم الأضحية فلكل أربع أسر أضحية واحدة.. فقراء ومساكين ومعدمون ينتظرون بفارغ الصبر صدقات وهبات المحسنين، ينتظرون لعل ميسوراً يدق عليهم ويسعفهم باللحم وضع مأوساوي يتلظى به المعوزون، فساد وموجة غلاء وتلاعب بأقوات الناس وقفت الدولة مكتوفة الأيدي لوضع حد فاصل لهذا التلاعب المستمر.. أصبح الحديث عن العيد- كما قال نجيب قائد الحربي - خاصاً فقط بالمسؤولين وأولادهم الذين يجوبون عواصم المدن والمتنزهات بسيارات فارهة، أما المواطن فعليه أن يكتفي بنشرة الأخبار وعناوين الصحف الرسمية فقط.

الحقيقة أن الحديث عن عيد الأضحى ذو شجون وأوجاع تمتزج فيه الدمعة بالبسمة، والأحلام بالآلام، فهي مناسبة تقترن فيها الزهور بالاشواك في وطن يتكرر فيه البؤس الملعون الذي هو خليط من الفقر والجوع والظلم والأوجاع الدائمة، يساعدها في ذلك واقع تعيس ووضع معيشي مر مثقل بالحرمان والإهمال.

هكذا يأتي عيد الاضحى هذا العام ليس في القبيطة والمسيمير بل في كل أرجاء الوطن، يأتي العيد بغياب البهجة والأفراح وحضور قوي للأحزان والغم ووضع اقتصادي متدهور وارتفاع في أعداد الفقراء والمتسولين والعاطلين عن العمل الذين لم يعد يأبه أحدهم بفرحة العيد بقدر ما يهمه أن يكون مالكاً قوت يومه .. لقد أجمع أهالي مديريتي القبيطة والمسيمير أن فرحة عيد الاضحى لهذا العام مسروقة بطعم الغلاء.

وقفات لمن يهمه الأمر
< وجدنا الناس يترحمون على أعياد زمان لما فيها من معان ونفحات اجتماعية، فاللهم أعد لنا أعياد زمان.

< دائماً ومع كل عيد ترتفع أعداد ضحايا الألعاب النارية .. فأين هي الرقابة الأمنية على الأسواق أم أننا سنظل نرقص على جثت الضحايا؟

< عددٌ من الذين تحدثنا معهم وجدناهم عاجزين عن الزيارة وصلة الأرحام واقتصر الأمر على مكالمات هاتفية ورسائل الجوال لأن للزيارات تكاليف.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى