وهل في حضرموت ثقافة؟!

> «الأيام» صالح حسين الفردي:

> تتغنى الأجيال الحضرمية بأمجاد التاريخ، وحضارة الجدود، وأصالة الجذور، فتلوك الألسن عبارات المديح الخالية من الروح (حضرموت الأصالة والثقافة والتاريخ). ويخالجني شعور بصدق هذه العبارة، وعمق معانيها الراهنة، الكاشفة لخواء اللحظة، واتكائها على الماضي القريب، والبعيد وحين أحاول الفكاك من خيوط الوهم، وملامسة الحاضر، استشرافاً للقادم، تتداعى مشاهد كئيبة، ووجوه باهتة، يتطاير من أعلاها دخان الزيف، ومن جانبيها مسمامير التسطيح، ومن تقاطيعها مناشير التشويه، للحظة أبت إلا أن تعلن عن نفسها، مهما حاولت أن تواري سوأتها بورقة توت لم تعد قادرة عل تغطية المستور، إلا على طريقة أغاني الفيديو كليب، وكيف لها أن تستطيع وكل قطعة من فستان المشهد الثقافي بحضرموت قد تم انتزاعها أو تمزيقها رويداً رويداً.

ونحن نرسل الخطوة الأولى صوب العام الميلادي الجديد، نقف قليلاً ومنافذ الوعي والثقافة والفنون الإبداعية بحضرموت.

المسرح
تاريخ عريق من الأعمال المسرحية العالمية والعربية (المحضرمة) والمحلية منذ المسرحية الأولى التي شهدتها ساحة قصر السلطان القعيطي (سابقاً)، 14 أكتوبر (حالياً)، في العام 1938م (المهلهل بن أبي ربيعة) وقد نشط المسرح وتنافست الفرق المسرحية التابعة لمكتب الثقافة، اتحاد الفنانين، واتحاد نقابات العمال بالمحافظة، وبرزت أسماء مسرحية (تمثيلاً وإخراجاً)، واستمرت هذه العطاءات المسرحية حتى القريب المنظور، فتوارت الوجوه النشطة في الإبداع المسرحي، ولم يعد لهذا الفن الإنساني العميق أي وجود إلا من مسمى لدائرة (وهمية) في مكتب ثقافة حضرموت.

السينما
دخل المجتمع الحضرمي في جدل كبير فقهي وثقافي وصحفي، عن أهمية السينما كنافدة للوعي والحراك الثقافي في مدينة المكلا الناهضة وقتئذ، وحضرموت عامة، فجاءت ولادة السينما الأهلية، بعد إرهاصات البدايات التي شهدتها ساحة القصر لعرض الكثير من الأفلام المصرية والهندية والثقافية، وكان أول عرض تشهده هذه الدار التي أسست كشركة مساهمة بين الدولة القعيطية والمواطنين، وتم استخراج التصريح بممارسة الفعل بمرسوم سلطاني حدد طبيعة النشاط الذي يجب أن تمارسه هذه الشركة المساهمة في العقار المعني، كان ذلك مطلع عام 1966م، وبعد أربعين عاماً تغتال هذه الدار السينمائية في ليل فتصبح (مطبخ مندي) وبمسمى صالة (الملكة) للأفراح، ولا تعليق!.

الفنون الشعبية
لن نجافي الحقيقة عندما نصف حضرموت المحافظة الأولى في عموم محافظات الجمهورية اليمنية في التنوع والتعدد الثري في الفنون الشعبية خاصة الألعاب الشعبية التي تمارس في كل أيام السنة، وحتى وقت قريب كان الكثير من ساحات مدينة المكلا تشهد ألعاباً شعبية عصر كل يوم جمعة، وحين شكلت فرقة الفنون الشعبية بالمحافظة في سبعينيات القرن الماضي بعد بحث وتجوال لفنون الرقص بمدن وقرى حضرموت، طافت هذه الفرقة بالعديد من العواصم العربية والأوروبية ونالت شهرة واسعة فدغدغت عواطف المهاجرين اليمنيين في كل زيارة تقوم بها بنقلها أريج الأصالة وملامح روح الوطن إليهم، ماذا حدث لهذه الفرقة؟! اسألوا رائدها ومؤسسها ورئيسها (أبو عمر) سعيد عمر فرحان.

الفنون التشكيلية
نقرأ كثيراً في صحافتنا المحلية، عن افتتاح الأستاذ خالد عبدالله الرويشان، وزير الثقافة لبيوت الفن والمعارض الفنية التشكيلية، وبمعدل تصاعدي في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات الأخرى، وفي حضرموت التي عرفت رواداً في الفن التشكيلي ليس أقلهم الفنان العالمي (علي غداف)، وبقية زملائه (عمر مرزوق حسنون، سالم أبوبكر باذيب، عبدالقادر سعيد حداد، أنور غلام، حسن بخيت، محمد عوض باصالح)، واليوم نجد المبدعين في فن الخطوط والألوان لا يجدون حتى غرفة صغيرة منزوية بمركز بلفقيه الثقافي بالمكلا، وهو ما دفعهم لممارسة عشقهم الأبدي في منازلهم، والفنان المبدع سالم محفوظ باسليم، من غرفة صغيرة بمنزله شكل ملامح قاعة محاضرات اتحاد الأدباء والكتاب بتقاطيع وجوه كل مبدعي حضرموت ومثقفيها، فأصبحت قاعة معرض تشكيلي دائم، استُغني بها عن زمن محدود، في إحدى قاعات المركز الثقافي بالمكلا.

فرق غنائية وإنشادية
جاء تشكيل الفرق الموسيقية الغنائية والإنشادية بحضرموت متزامناً مع الحراك الفني والثقافي بالمحافظة، فتعددت الفرق الفنية كفرق بلقيس، الأنوار، النجوم، ثم جاءت الفرقة الفنية التابعة لرعاية الشباب بقيادة الموسيقار الراحل غالب عوض اليزيدي، فتخرج فيها العديد من مبدعي الغناء والعزف اليوم، إذ كانت بمثابة أكاديمية فنية مصغرة، وفي بداية ثمانينيات القرن الماضي جاء تشكيل الفرقة الفنية للإنشاد التابعة لمكتب الثقافة، التي شاركت في إحياء كل المناسبات الوطنية، وغاصت في وجدان التراث وجددته بتوزيع موسيقي حديث، فأصبحت منافسة قوية للفرق الإنشادية الأخرى حينئذ وإن لم تتجاوزها، فبرزت أصوات غنائية شابة (عبدالغزيز باسعد، عبدالعزيز عبدن) إضافة إلى عمالقة الغناء بالمحافظة، ما المصير الذي آلت إليه هذه الفرقة الشبه رسمية؟! الجواب.. لا ندري! ومن يدري يبوح لنا بما يدري!.

معهد محمد جمعة خان للفنون
جاء إغلاق معهد محمد جمعة خان للفنون، بعد صيف 1994م الساخن، بعد أن نهب كل أرشيفه، وأدواته الموسيقية، وكتبه ومراجعه الخاصة بالمنهج الذي يدرس للطلاب المنتسبين، وهو المعهد الوحيد بالمحافظة الذي عني بتخريج المبدعين في مجالات الفنون الإبداعية، موسيقياً، وتشكيلياً، ولكن طمس معالم وهوية هذا المعهد، مازالت من الأسرار التي تحتاج إلى جرأة من قبل المعنيين بنشاطه وقتئذ، خاصة آخر إدارة تحملت عبء تسييره، فهل تمتلك هذه الجرأة وتعمل على وضع المسؤولين أمام حيثيات الإغلاق، خاصة وهي اليوم قريبة كل القرب منها، محاولة إعادة الروح إلى صرح تهاوى بتواطؤ البعض وصمت الآخرين.

جمعية فناني حضرموت
جاءت تأسيس جمعية فناني حضرموت للتراث الغنائي على أنقاض اتحاد الفنانين اليمنيين وذلك في عام 1995م، فغدت بذلك من الجمعيات الأهلية، وآل إليها دور الاتحاد ووظيفته، وظلت هذه الجمعية تسعى لتحقيق الأهداف التي رسمتها لطريقها في حماية التراث الغنائي، ومازالت حتى اللحظة تحاول، كما يبدو المستحيل، ففي عام 2000م كان المهرجان الأول للأغنية اليمنية الحضرمية وبفضله بنيت غرفتان ومسرح بساحة العرض التاريخي بقصر 14 أكتوبر، وبقي الحال كما هو، ثم شجرت الساحة الامتداد للمسرح، ضمن سياسة الشد والجذب بين الهيئة العامة للآثار والمتاحف بالمحافظة، وقيادة الجمعية التي وجدت نفسها محاصرة، فلجأت إلى السلطة، وأزالت، ولكن هل لهذا الحال مخرج؟! وهل هناك من بدائل لدى قيادة الجمعية؟! أم ستكتفي بالشكوى، ونسيت شعارها الذي رفعته في انتخاباتها الأخيرة (من أجل حركة موسيقية متطورة)؟.

مركز بلفقية الثقافي بالمكلا
افتتح مركز بلفقيه الثقافي بالمكلا، بمناسبة الاحتفاء بالذكرى (15) للعيد الوطني، الذي احتضنته مدينة المكلا، وأُثث بملايين وجهزت قاعة المسرح بأجهزة صوتية وسمعية متطورة جداً.هذا الصرح الثقافي الوحيد بمدينة العشق والجمال، الساحرة المكلا، ماذا قدم من فعل ثقافي لعشاق الفن والإبداع والثقافة، منذ افتتاحه حتى آخر يوم من أيام العام الراحل؟ لا شيء، وهل كانت المخصصات المالية محجوبة عن إدارته، وإن لم يكن، فأين الخطط الشهرية والفصلية والسنوية التي يجب أن تقر بعد نقاشات مستفيضة من قيادات المركز ومكتب الثقافة بالمحافظة بإشراك كل الأطر الإبداعية الأخرى لتفعيل النشاط (الجامعة، اتحاد الأدباء، فرع نقابة الصحفيين، جمعية الفنانين، المنتديات الإبداعية) فهل دعيت هذه الأطر لمناقشة جدول تفعيل المركز؟ قد يجيب 2007م على هذا التساؤل.

المساحة الفنية والثقافية.. (إذاعياً وصحفياً)
تزداد اليوم الحاجة إلى رسالة الإذاعة، ولغة الصحافة، لما لها من أهمية في إيصال الرسالة الثقافية والفنية، المشكلة للخصوصية والهوية، وتغدو هذه النوافذ أدوات مؤثرة في عملية التراكم الكمي والنوعي لمنتج الفعل الثقافي والحراك الفني والنشاط المسرحي والإبداعي، ولكن يبدو أن القائمين على هاتين النافذتين، اكتفوا باليسير، دون عناء ومشقة، (فما حد أحسن من حد) كما يقول المثل العامي.

كلمة أخيرة
في طرحنا لهذه القضايا الثقافية والفنية المحافظة، ومن خلال صحيفتنا الغراء «الأيام» نرسل إشارات هامسة لكل المهتمين الحقيقين، والمبدعين المهمشين، بضرورة الوقوف بجدية لتفعيل هذه النوافذ الثقافية والفنية في حضرموت. وتبقى الدائرة تنفتح على دوائر كثيرة نترك للآخرين الغوص فيها، فالسباحة والغوص من الفنون التي لا يجيدها إلا من درس البحر واقترب من محاره وأصدافه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى