خطة بوش: خواء في التكتيك وفي الاستراتيجية أيضا

> زبيغنيو بريزنسكي:

>
زبيغنيو بريزنسكي
زبيغنيو بريزنسكي
أحسب أن تقييمي الأولي لخطة الرئيس بوش الابن تجاه العراق والتي قدمها مساء الأربعاء الماضي، يذهب إلى أن المنهج ، يبدو وبصورة عامة، خاويا من الناحية التكتيكية، وغير مفيد من الناحية الاستراتيجية. ولنأخذ هنا بدءا، عدد القوات الذي اقترحه الرئيس، فالحكم القاطع هنا أن ذلك العدد لا يمكن ان يوقف التمرد، والسبب هنا بسيط وبديهي، وهو أن وقف التمرد من خلال القوة، يحتاج إلى حشد هائل للقوات. ولذا، فإن حديث بوش في هذا الشأن لا يعدو أن يكون أكثر من محاولة لإرضاء مؤيديه المهووسين.

أما على صعيد الرؤية الأشمل لتلك الأزمة، فيقيني أنه يتعين على الولايات المتحدة، وعلى المدى الطويل، مواجهة حقيقة أن وجودها في العراق، يؤجج من لهب النزاع بين السنّة والشيعة، دعك من التمرد الموجود هناك أصلا بسبب وجود القوات الاميركية. ومن هنا، ومن الناحية المنطقية، فالزيادة المقترحة للقوات الاميركية ستؤجج العنف ولن تهدئه.

وهناك بالطبع السؤال المنطقي والملحاح والذاهب الى أنه ليس هناك حل عسكري في العراق، وما يستتبعه من قول بأن ذلك عينه قد أخذ تجلياته في القول الفصل للناخبين الأميركيين في نوفمبر الماضي يوم أن صوتوا لأغلبية ديمقراطية في انتخابات الكونغرس الأخيرة، ومداخلتي هنا على هذا الأمر الواقع، هي أنه ومن الناحية النظرية، يمكن أن نقول إنه من الممكن أن يصبح هناك حل عسكري في العراق، ولكن إذا لم تكن الولايات المتحدة دولة ديمقراطية، وإذا كان بوسعها نشر نصف مليون جندي في العراق، فيما تقوم بإطلاق أيديهم هناك ليفعلوا ما يشاءون بما ذلك اللجوء للطرق الوحشية. لكننا، والحمد لله ، بلد ديمقراطي، ولن نفعل ذلك، على الرغم من أن المهووسين في إدارة بوش ومؤيديها من المحافظين الجدد يريدوننا أن نفعل ذلك ونستمر لنهاجم إيران أيضا.

وعلى ضفاف هذا الشأن، وعلى ذكر إيران، فهناك الأسئلة التي تلاحقني عن مداهمة قوات اميركية للقنصلية الإيرانية في العراق، وسبب ذلك خاصة أنه أتى بعد يوم من خطاب بوش.

وتجدونني هنا، ومن باب الاستغراب، أود أن اعرف أولا وقبل كل شيء ما إذا كان وزير الدفاع الجديد روبرت غيتس على علم بأن عملية المداهمة هذه ستحدث. لأنه وإذا كان على علم بها، فإن ذلك سيطرح تساؤلا حقيقيا حول الوجهة التي تقود هذه الإدارة الولايات المتحدة نحوها، وأعني وجهة باتجاه الحرب مع إيران. أما إذا لم يكن غيتس على علم بذلك، فإن ثمة حاجة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه الجهة المسؤولة، لأن عملية المداهمة هذه تنطوي عليها مؤشرات خطرة ومثيرة لزعزعة الاستقرار في المنطقة.

وفي موضوع ذي صلة، هناك قول إدارة بوش بصورة علنية، أن واحدا من أهدافها في العراق مواجهة ميليشيات مقتدى الصدر بغرض تخفيف الضغوط والتأثير على رئيس الوزراء نوري المالكي. وهنا يظل تقديري أنه وإذا ما قدر لواشنطن أن تدخل في مواجهة مع مقتدى الصدر، فإن خطوة كهذه ستقود إلى توحيد كل الشيعة ضدنا. وحتى لا نعبر هذه الجزئية أو نمر عليها مرور الكرام، لا بد أن نذكر بأن عدد أفراد ميليشيات الصدر يقدر بحوالي 60000، ومن هنا فلا أرى، حتى على الصعيد التكتيكي، أي فائدة لزيادة عدد القوات الاميركية سواء كانت للعراقيين أو للاميركيين.

وهناك وجه العملة الآخر حينما تأتي سيرة إيران، فلطهران مصالح مشروعة في ما يحدث في العراق. وما يمكن قوله هنا هو انه من المنافي للعقل تبني موقف يكون للولايات المتحدة بموجبه الحق في إملاء ما يحدث في العراق، وكأن إيران ليس لديها ما تقوله. ودعوني أذكر هنا أيضا أن توصيات لجنة بيكر ـ هامليتون اشتملت على توصية بالتفاوض مع دول المنطقة التي لديها مصلحة في ما يجري في العراق، حتى إذا كانت مصالحها لا تتطابق مع مصالح الولايات المتحدة.

وأخيرا، فمجمل المشهد هنا في واشنطن كان قد أوشك على الوصول لقناعة تقول إن ادارة بوش بدأت «تعود إلى الواقع»، وذلك من خلال النظر منها لتوصيات لجنة بيكر ـ هامليتون واكتساح الديمقراطيين للكونغرس. وقد يستغرب كثيرون تقديري الذاهب الى الضفة الأخرى ، بمعنى بعد هذه الإدارة عن الواقع، لأنها وبزيادة عدد القوات في العراق، أراها تسير الآن صوب الاتجاه الآخر فتذهب الى تصعيد الحرب.

ومن هنا فالثابت أن هناك هروبا من الواقع من جانب الرئيس ونائبه ووزيرة الخارجية وخبراء الشرق الأوسط في البيت الأبيض. ومن هنا أيضا فالأمر متروك للكونغرس وللرأي العام الاميركي والمؤسسة الجمهورية لكسر العزلة الذاتية وسط هذه المجموعة الصغيرة التي تعيش في حالة إنكار للواقع.

صحيح أن خطاب الرئيس بوش في عمومياته بنظر البعض خطوة الى الأمام ، بمعنى انه اعترف الآن بمشاكل هائلة نواجهها في العراق، ولكني ولهؤلاء أقول ان تفسيره لهذه الحقائق والوصفات الخاصة بكيفية التعامل معها جاءت مفارقة للواقع تماما. وصدقوني، الوضع اليوم هنا، وفي البيت الأبيض يعيد إلى الأذهان مناخ اللاواقع داخل البيت الأبيض إبان ووترغيت.

مستشار الرئيس الاميركي الأسبق جيمي كارتر لشؤون الأمن القومي .

عن «الشرق الأوسط» 13 يناير 2007

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى