المعرفة وثقافة التسامح

> د. سمير عبدالرحمن شميري:

>
د. سمير عبدالرحمن شميري
د. سمير عبدالرحمن شميري
يروي لنا الفقيه والعلامة محمد بن علي الشوكاني (1760-1834م)، في كتابه «أدب الطلب» أنه عندما كان صبيا في مشرق عمره قرأ كتابا عن الصلاة والطهارة، وفيه رأي مختلف عن رأي شيخه في المسجد، فأخذته الحيرة في عتمتها.. يصدق من!! فسأل أباه عن ذلك فقال له: حكم عقلك.

فأخذ هذه النصيحة الثمينة واجتهد، لأن المجتهد حسب قوله (هو الذي لا ينظر إلى من قال بل إلى ما قال).

فهناك كوكبة لامعة من المثقفين العرب تصدوا لنقد الخطاب الثقافي والمعرفي العربي لإبراز مواطن الضعف والقوة فيه ومنهم:

محمد عابد الجابري، عبدالله العروي، عبدالإله بلقزيز، حسن حنفي، عزيز العظمة، تركي علي ربيعو، برهان غليون، محمد أركون، علي حرب، أحمد موصللي، محمد جابر الأنصاري.. فهؤلاء وغيرهم ضد ثقافة التعصب والحقد والتبلد الذهني، فهذه الثقافة مدمرة تحرق شتلات المعرفة وتشكل طاقة خطر على التساكن الاجتماعي والوئام المدني.

(فلابد من فتح نار الأسئلة على المقولات المتحجرة والمناهج القاصرة والثنائيات العقيمة. فليس السؤال الآن: ما العمل؟ بل ماذا يحدث؟ لأننا اذا لم نفهم ما يحدث لن نسهم في صناعة الحدث) - علي حرب.

ولقد أثارت محاضرة الأستاذ الدكتور عبدالوهاب راوح، رئيس جامعة عدن الموسومة بـ «علاقة المعرفة بمنتجها.. قراءة نقدية في المنهج» التساؤلات وحفزت العقول على التبصر. فبعقلية حرة ومنفتحة تجاوز د. عبدالوهاب راوح منطقة الألغام ووضع إصبعه على الجرح، بعيداً عن الألفاظ الهجومية والنبرة الدعائية والانفعالية ولم يمل قط صوب الملاسنات اللفظية ولم يمازج بين خصال الخير والشر ولا بين المفسدة والمصلحة في الخطابات المعرفية، وتجنب الوقوع في مصيدة التصنيفات المتعسفة التي تضع الجميع في سلة بيض واحدة.

فانتقد الخطابات المعرفية المتكلسة التي (في ظاهرها معرفة وفي باطنها سياسة)، وفكك الخطاب السياسي غير الديمقرطي الذي يقوم على مداميك (التعليل والتبرير والوعود السرابية)، وبصوت خفيض أماط اللثام عن الخطابات المتنطعة للاتجاهات المذهبية المتشددة التي (تقوم على إقصاء العقل والتفكير)، وتقاطع مع الخطاب المتشنج (الذي بدأ بدعوة الناس إلى الشريعة وانتهى بإخراجهم منها).

ولقد أصاب كبد الحقيقة حينما أومأ إلى خصائص الخطاب العقائدي المتصلب الذي يتميز (بفقر معرفي وسكونية وتعصب وانغلاق وسرية وباطنية وتطرف.. يرفض الحوار والمراجعة).

فنحن بمسيس الحاجة إلى خطاب عقلاني متزن يتجاوز الصنمية والتيبس والضجيج الصارخ والبكاء والانفعالات الوجدانية والسباحة في بحر التوهمات والشطحات (فالتفكيك الفكري والعلمي لهذا الخطاب بكل صيغه اللاهوتية والفقهية والتاريخية سوف يؤدي إلى تفكيك الخطاب السياسي والممارسات التي تستمد أسس المشروعية الموصوفة تجاوزا أو تعسفا بالإلهية أو المقدسة والروحية) - محمد أركون.

فالخطابات المعرفية المستقلة عن المصالح الضيقة والتي لا تخضع للإملاء والتعصب والتقليد الأعمى تصب في حوض الثراء الثقافي وتوطد ثقافة التسامح.

لقد أكد د. عبدالوهاب راوح بما معناه، أن الخطابات التي تنتهج أسلوب التهييج والشحن العاطفي تكرس الانشقاقات والتبرعمات والتناحرات وتصب الزيت في النار لتشعل الحرائق وتحول المجتمع إلى ساحة احتراب وتطاحن.

فيجب نبذ العنف والاحتكام للغة العقل والمنطق واحترام الرأي الآخر، ولابد من تمتين ثقافة التسامح ومقارعة الحجة بالحجة وإزاحة الشبهات لأن (الرأي لا يعيش إلا إذا كان هناك راأي آخر يخالفه. أما إذا قال الجميع «آمين» فتلك علامة من علامات انتهاء الدعاء على الميت) - محمد عابد الجابري.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى