الهند.. خسارة سبعة ألف أنثى يوميا

> فاروق لقمان:

>
فاروق لقمان
فاروق لقمان
كان تطور وسائل تحديد جنس الجنين في الشهر الرابع من الحمل كارثة كبرى على الشعب الهندي بأسره وعلى شعوب كوريا والصين وإلى حد ما تايلند وأيضا إفريقيا وبعض البلدان العربية وإن كان الناس عندنا لا يحبذون الإعلان عنها بصراحة تامة.

لكن الخطورة تفاقمت في الصين والهند لأن القانون الصيني لا يسمح بإنجاب أكثر من طفل لتحديد عدد السكان الذي تجاوز ألفاً وثلاثمائة مليون نسمة، فإذا وجد الأب أن زوجته تحمل أنثى عمد إلى إجهاضها عسى أن تحمل ذكرا في المرة القادمة، وكل ذلك يجري سرا، فالذكر حسب العقلية الصينية والهندية كما كانت ولاتزال العربية تفضل الذكر على الأنثى لأسباب عديدة أشبعتها الدراسات تحليلا وتفسيرا منذ بداية التأليف، ولا داعي اليوم للعودة إليها إلا لأنها أصبحت ظاهرة خطيرة للغاية في الهند خصوصا وشبه القارة عموما منها باكستان ونيبال وبوتان وسري لانكا.

فقد أظهرت الدراسات التي أمرت بها اليونيسف أن النسبة القائمة حاليا بين الذكور والإناث تؤدي إلى خسران الهند حوالى سبعة آلاف أنثى يوميا بحيث وصل المعدل الحالي إلى 882 بنتاً مقابل ألف ولد بينما كان من المتوقع أن يكون 954 إلى ألف، وذلك يعني ضياع أكثر من مليونين ونصف مليون أنثى سنويا.

وهذا الوأد الجديد يحدث بعد معرفة جنس الجنين بواسطة وسائل تحديده بالصور والألتراساوند وهو من أسهل الأمور رغم أن القانون الهندي مثل الكوري والصيني يمنع اللجوء إليه لكن لا يحترمه أحد أو يلتزم به.

فالمهم في المحصلة النهائية هو إنجاب ذكر ولا يدري الأب بالطبع أن البنت كانت ستكون أنفع وأصح وأذكى وأعظم من الذكر الذي قد يأتي بليدا أو سيئا في كل جوانب حياته.

لذلك تناقص عدد الإناث في الهند بالنسبة للذكور إلى أن 31 ألفا منهن يرين النور بدلا من 38 ألفا بسبب الوأد العلمي الجديد بدلا من القتل العمد السابق الذي حرمه ديننا الحنيف.

فالأب المزارع والعامل يعتقد أن الذكر سيكون عونا له في بلد لايزال يعتبر في عداد الدول الفقيرة وأن البنت تشكل عبئا عليه لأن على الأب أن يدفع مهرا عاليا للولد الذي سيتزوجها.. فالهندوكي يدفع مهرا لعريس ابنته يتفاوت من المسكن إلى السيارة إلى النقد والأثاث حسب قدرته، كما أن عليه شراء الذهب الصافي لها لتحمله إلى بيت زوجها.

وكذلك أصبح يفعل المسلمون في الهند والدول المجاورة مع أن على العريس المسلم أن يدفع مهرا لعروسه لكن تفشي العادات الهندوكية فرض على المسلمين اتباعها وإلا لظلت بناتهم عوانس يلجأن أحيانا إلى الانتحار بشنق أنفسهن من مروحة السقف إن وجدت أو بالموت في الآبار المهجورة.

يجري ذلك بينما يحرم القانون كما تقدم طلب المهور أو دفعها في الصين أو شبه القارة كما يحرم بالطبع الانتحار.

مع ذلك نسمع في البرلمان الهندي تقارير سنوية عن جرائم إحراق العرائس اللاتي يتأخر آباؤهن في تسديد الأقساط الأخيرة من المهور، يتم قتل العرائس بصب الكيروسين ـ الجاز ـ عليهن في المطبخ الذي عادة ما يكون خارج الكوخ ثم إشعالهن بالكبريت والادعاء بأنها حادثة مأساوية أو محاولة انتحار، وقد لا يمر يوم إلا وتقرأ في الصحف عن عشرات الحوادث المماثلة في شبه قارة يبلغ سكانها ألفا ومائة مليون نسمة.

بعد الاطلاع على بعض تفاصيل المأساة في بداية الثمانينات قلت في مقال استنكاري إن المصيبة ستتجلى في العقود القادمة عندما يتناقص عدد الإناث إلى حد يهدد باختلال التوازن السكاني، وتصبح الأنثى حقيقة غالية الثمن في مجتمع لايزال الذكر يطالبها بدفع مهره.

لذلك أدى تناقص عدد الفتيات إلى امتناع الشباب عن المطالبة بالمهور من الفتيات، كما أدت الدراسات المختلطة في المدارس والجامعات والعمل في الشركات إلى الزواج بدون شروط وبعد الزواج الاشتراك في تحمل تكاليف الحياة المعتادة.

هذه ظاهرة واحدة.. والثانية امتناع الفتيات عن التهافت على الاقتران بالطريقة التجارية السابقة والاعتماد على دخلهن من الوظيفة وانتظار شريك العمر المناسب في الوقت المناسب.

وأدى ذلك إلى تطور إيجابي إذ لم يعد الرجل الذي يحتل مركزا بارزا نسبيا قادرا على المطالبة بمهر عال، كما كان الحال في الماضي عندما كان لكل مقام مقال، أي أن ضابط الشرطة المتقدم للزواج له سعر خاص، والموظف الدبلوماسي الثاني أو الأول في سفارته والطبيب البارز أعلى منه، كذلك ابن مالك أراض زراعية أو بنايات شامخة الأركان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى