مكافحة الفساد تبدأ بتطوير قانون السلطة المحلية

> علي هيثم الغريب:

>
علي هيثم الغريب
علي هيثم الغريب
لا نستطيع أن نقول إن هناك تقارير تقييمية معقولة عن أعمال المجالس المحلية، ولا توجد حتى تقارير دورية للجهاز المركزي للإحصاء والمحاسبة تكشف عن الخروقات والتلاعبات التي قد تظهر في بعض المجالس المحلية.. وكذلك لا يوجد دور يذكر لمجلس النواب حول أعمال المجالس المحلية في المحافظات لأن القانون لا يكلف وزير الإدارة المحلية برفع أي تقرير إلى مجلس النواب. ولا شك أنه خلال الفترة الماضية منذ الانتخابات المحلية الأولى (20 فبراير 2001م) وحتى الانتخابات الثانية الحالية (20 سبتمبر 2006م) قد كُشف عن ظواهر مخالفات خطيرة وانحرافات شابت أعمال بعض المحليات منها: إهدار المال العام، تعثر المشروعات، التعدي على الأراضي، النهب من صناديق الحسابات الخاصة بالدخل وبالتنمية المحلية، مخالفات تخص موارد حسابات الصناديق المحلية، التراخي في تحصيل الرسوم المحلية (وهي أعلى مورد محلي يسمح به القانون) أو فرض رسوم بدون سند للقانون.. وغيرها من مظاهر انحراف دمرت راتب الموظف البسيط وضيعت على الخزينة المحلية أو العامة الملايين من الريالات.

وتشير الأنباء الى تعثر العديد من المشروعات الاستثمارية وعدم استكمال بعضها ووضع العقبات أمام بعض المستثمرين، بالإضافة إلى عدم الاستفادة من المعدات والآلات والأجهزة التي منحت للمحافظات كمساعدات خارجية أو تم شراؤها لهذه المشروعات بالمحليات. بالإضافة الى نهب المعدات والآلات (الاسطول البحري والاسطول البري في عدن) ومبان حكومية ومنشآت عامة ومباني خدمات (تم حرمان مطار عدن القروي - عفوا الدولي - من كافة معداته وتم نقل آخر مهندس وآخر صندوق (للبانات) إلى صنعاء) وتم نقل أضخم الآلات التي كانت تعد من أملاك الإنشاءات في عدن إلى المجهول، وتم الاستيلاء على مشروعات ونوادي الشباب والمرأة ومشاريع كثيرة حرم منها المواطنون في عدد كبير من المحافظات وخاصة المحافظات الجنوبية والشرقية.

وبما أنه وفي كافة البلدان التي خطت خطوة المحليات توجد لجنة خاصة للسلطة المحلية في مجلس النواب (البرلمان) تشرف على أعمال المحليات والإدارة المحلية وتناقش داخل البرلمان أهم أعمال المحليات وتقارير الجهاز المركزي للمحاسبة وتقارير الإدارة المحلية، وهذه الأعمال معدومة فعلياً وقانوناً.. وتكشف الصحافة بحذر كبير عن تعامل بعض فروع الوزارات في المحافظات مع بعض المقاولين والمتعهدين بالمحافظات، حيث تصرف لهم مبالغ بالزيادة عن مستحقاتهم نتيجة لعدم تنفيذ شروط التعاقدات أو بالمخالفة للاتفاق، ومنها إثبات أعمال وهمية تزيد عن ما تم تنفيذه أو عدم المحاسبة عن العيوب الفنية أو غرامات التأخير أو فروق الأسعار، وفي هذا الجانب أهدرت أموال طائلة وبمختلف العملات، حيث تشمل المخالفات عمليات البناء ورصف الطرق (شق وسفلتة الطرقات وبناء مدارس ومستشفيات وعيادات طبية ومساكن ومبان حكومية وإدارية ومشروعات خدمية) وهو ما يعني حرمان المواطنين من الاستفادة من هذه الخدمات، بالإضافة إلى ضياع ملايين الريالات وذلك لانعدام رقابة المجالس المحلية بالمحافظات.

وفي المحافظات الجنوبية والشرقية تفشت بعد حرب 94م ظاهرة الاعتداء على أراضي المحليات بصورة بشعة، في الوقت الذي تم تسهيل هذه المهمة من قبل فروع الوزارات المركزية، وتراخت بعض المحليات عن التصدي لها ومنعها، والأخطر أن بعض هذه التعديات يقوم بها بعض الرموز والقيادات بهدف المتاجرة، وتحدث هذه الأفعال حدثها في التمييز بين أبناء الوطن الواحد.. وبعضهم يقوم بالاعتداء المباشر على الأراضي ثم باللجوء الى الجهات المختصة بهدف إقامة مشاريع استثمارية وهمية من أجل الحصول عليها، مستغلين علاقتهم بدوائر مختلفة وبأصحاب القرار، مما أدى الى الاستيلاء على الأراضي والمتاجرة بها وظهور الفساد والثراء غير المشروع.

والمجالس المحلية خاصة في المحافظات الجنوبية والشرقية رغم جهودها المبذولة في اتجاه حل هذه القضية إلا أنها لم تذكر في تقاريرها الدورية ولم تقم بحصر التعديات على الأراضي خلال الفترة السابقة، وكذلك تكشف تقارير الجهاز المركزي للمحاسبة أن بعض الحسابات الخاصة تستخدم في أغراض تخرج عن طبيعة أهدافها، كما أدى عدم الإشراف والرقابة على فروع الوزارات والمصالح والمؤسسات في المحافظات من قبل المجالس المحلية فيها إلى زيادة السرقات والتلاعب بالمال العام وفي عمليات المشتريات للأدوات والأجهزة والمعدات وغيرها.. بالإضافة الى عدم تحصيل بعض الرسوم وعدم سدادها لحساب المحافظات، وقد أدت هذه المخالفات الى ضياع أموال طائلة.. كذلك انعدام دور المجالس المحلية في الإشراف والرقابة والمحاسبة لكثير من المشاريع التي أقيمت بدون أن توضع لها دراسات فنية اقتصادية وعدم اختيار المواقع الملائمة لإقامتها (الموقع الذي تصب فيه مجاري محافظة عدن مثلا) وعدم سلامة تقدير الاحتياجات الفعلية والموارد المالية (ما تعانيه مستشفيات محافظة عدن مثلاً).

أما إذا انتقلنا الى المخالفات التي تقوم بها بعض أجهزة الدولة في المحافظات ولم تستطع المجالس المحلية التدخل لحماية المال العام فيها فهي كثيرة، منها عمليات تحصيل الإيرادات المحلية (الرسوم والإيجارات المقررة على بعض الخدمات والتراخي في بيع الأراضي الثمينة)، في الوقت الذي تفرض زيادة الرسوم والضرائب عن طريق أجهزة الدولة دون تدخل المجالس المحلية بالرفض أو الموافقة أو الاستشارة، ومن تلك فرض زيادات في تسعيرات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، ثم يتبع ذلك فرض رسوم إضافية عن تلك الفواتير مما حمل المواطنين في المناطق الحارة أعباء كثيرة، هذا بالإضافة إلى فرض رسوم محلية بدون وجه حق وبالمخالفة للقانون، هذا غير الزيادات المتوقعة على الخدمات المحلية التي ستزيد الأعباء الاقتصادية والاجتماعية على المواطنين مرة أخرى، خاصة وأن الإصلاحات التي تستهدف الخدمات العامة لن تتوقف إلا في ظل أوضاع اقتصادية جديدة.

وهذا الفشل في دور المجالس المحلية في حماية السكان في المحافظات من العبث بالمال العام والأملاك العامة يرجع إلى انفراد سلطات الحكومة بالسيطرة شبه الكاملة على المحليات بقوانين المركزية واللوائح التنفيذية الداخلية للوزارات والمصالح والمؤسسات، بالإضافة الى الخلل في قانون السلطة المحلية رقم 4 لسنة 2001م المعمول به حالياً لتنظيم المحليات، وهو القانون الذي سلب الكثير من الحقوق المحلية وكشف عيوب ونواقص وخلل العلاقة بين المجالس المحلية والسلطة التنفيذية، وحول السلطة المحلية إلى إدارة محلية تابعة، بل ولم تستطع المجالس المحلية أن تتعقب أبسط فاسد.. هكذا أصبحت المجالس المحلية لا حول لها ولا قوة وظلت اجتماعاتها المتواصلة أسبوعياً وقراراتها وتوصياتها حبرا على ورق.. والغريب في الأمر أن الحكومة بدلاً من أن تقوم بتعديل قانون المحليات نحو مزيد من الصلاحيات، وحتى تضمن مواجهة الفساد في المحافظات وتحسين مستوى الخدمات وتخفيض تكاليفها التي أصبحت محل شكوى مريرة من المواطنين، تفكر في مواجهة الفساد بطرق بعيدة.. وإذا كانت هناك إرادة لمواجهة الفساد فليبدأ ذلك في المحافظات بإعطاء صلاحيات للمجالس وبرفع التضارب بينها وبين الأجهزة التنفيذية، بالإضافة الى التحسين الذاتي للمحليات وأن يقر القانون أن المحليات مسئولة عن الموظفين بمن فيهم المعينون مركزياً.

إن الفساد الذي تسجله الدول المانحة قبل الحكومة في تقاريرها الرسمية وتسجله تقارير الجهاز المركزي ويؤكده المواطن في تعامله اليومي لن يتغير إلا بتعديلات جوهرية محددة تشمل تعديلا دستوريا يجعل من المجالس المحلية حكماً ديمقراطياً تنتقل إليه السلطة كاملة ويجعل اختيار المحافظين - كما قال فخامة الأخ الرئيس - بالانتخابات الحرة المباشرة وبتعديل قانون السلطة المحلية بحيث تكون المجالس مسئولة عن املاك السكان فيها وأمنهم وتغذيتهم وتوظيفهم وحق الاستجواب وسحب الثقة من القيادات التنفيذية المحلية التي يثبت فسادها وانحرافها.

ويكون المجلس المحلي مسؤولاً ومحاسباً أمام مجلس الشورى (إن كان منتخباً)، ويتولى الإشراف على تنفيذ القوانين وإدارة شئون المحافظة في كافة المجالات، خاصة وأن قانون السلطة المحلية قد أشار في المادة (161- 3) إلى أنه يحق في أي مؤتمر سنوي يعقد - يدعو إليه رئيس مجلس الوزراء - تقديم مقترح للانتقال «إلى انتخاب رؤساء المجالس المحلية من بين أعضاء المجالس المحلية المنتخبين».

إلغاء المادة 156 التي تعطي لرئيس الوزراء صلاحيات واسعة في مجال تنفيذ المشاريع الإنمائية في المحافظات، وبسبب ذلك حدث تدنٍّ في مستوى النمو الاقتصادي والاجتماعي والخدمي، حتى أن دخل المحافظات والإجهزة التنفيذية فيها كان بسبب (الجباية) وليس بسبب النمو الاقتصادي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى