رجال في ذاكرة التاريخ .. مصطفى خضر..فصول معاناته: إبداع واغتراب وبحث عن حقوق

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

>
مصطفى خضر
مصطفى خضر
المولد والنشأة:مصطفى خضر محمد أحمد الخضر من مواليد 27 مايو 1935م في قلب مدينة كريتر (عدن)، وكان منزل الاسرة مجاورا لمسجد خواص، وقال لي صديق عمره أبوبكر عبدالقوي خليل إن بيت مصطفى خضر كان قريبا من بيت باشنفر وبيت البليط وبيت عبدالقوي خليل وغيرها من بيوت «حافة حسين» أحد الاحياء العريقة لمدينة كريتر الجميلة. تلقى مصطفى خضر دراسته الابتدائية في مدرسة الاقامة Residency School ثم انتقل إلى المدرسة المتوسطة بمنطقة الريزمت (ثانوية لطفي أمان حاليا)، أما دراسته الثانوية فقد تلقاها في مدرسة القديس يوسف العالية (البادري) بكريتر.

مصطفى خضر من رجال الشرطة في عدن
التحق مصطفى خضر بسلك الشرطة في الفاتح من أغسطس 1957م وعند الاطلاع على قائمة الموظفين التابعين لحكومة عدن لعام 1963م تمكنت من رصد البيانات الأساسية عن مصطفى خضر منها تاريخ تعيينه، وعرفت من بيانات القائمة المذكورة أن الضباط الذين تعينوا معه عام 1957م هم: علي حسين حبيشي، صالح علي سعد، ناصر عبيد محمد، علي سعيد سيف (مغارف)، محمد بن محمد أحمد، فضل أحمد خليل وعبدالملك عبدالحميد.

التحق مصطفى خضر مع زملاء آخرين فور تعيينه بمدرسة الشرطة المسلحة Armed Police (معسكر 20 يونيو حاليا) بكريتر وتخرج فيها برتبة ضابط مرشحCadet وصدر أمر إداري بعد تخرجه بتعيينه بإدارة المرور وانتقل بعد ذلك إلى قسم شرطة الشيخ عثمان فقسم شرطة البريقة ثم قسم شرطة المعلا.

قضى مصطفى خضر فترة أطول في مكتب الادعاء العام، وكان من مهامه الترافع في المحاكم نيابة عن مفوض الشرطة Police Commissioner في عدن وكان الترافع باللغة الانجليزية بل وكان يترافع ضد محامي الخصوم وكانوا على مستوى عال من الكفاءة والخبرة وقال القاضي المشهور آنذاك (سلول) لمصطفى خضر: «تمنيت لو أنك أكملت دراسة الحقوق». وهي شهادة لكفاءة وحنكة مصطفى في الترافع القانوني.

مصطفى خضر أحد شعراء الأغنية العدنية
يشير كتاب (لمحات من تاريخ الأغنية اليمنية الحديثة في الخمسينات) ص 62، لمؤلفه الطيب الذكر طه فارع رحمه الله، إلى قائمة طويلة من شعراء الأغنية اليمنية وعندما أردت أن أفرز شعراء عدن رأيت ضرورة ضم شعراء لحج لأن عدن ولحج تشكلان توأما روحيا ووجدانيا وكم طرب الناس في عدن للأغنية اللحجية حتى إن مصطفى خضر نفسه قال وهو في ضيافة منتدى «الأيام» عصر الخميس 18 يناير 2007م إن اللهجة اللحجية ساحرة جدا وكأن الله قد خلقها هي واللهجة المصرية ليكونا عنوانين للأغنية أياً كان نوعها (راجع «الأيام» في عددها الصادر السبت 20 يناير 2007م) ولذلك فقد جاء الفرز على النحو التالي:

أحمد فضل القمندان، محمد عبده غانم، علي محمد لقمان، لطفي جعفر أمان، علي عبدالله أمان، أحمد بومهدي - عبدالله هادي سبيت، مصطفى خضر، أحمد الجابري، صالح فقيه، إدريس حنبلة، علي عوض مغلس - الامير صالح مهدي، عبدالكريم مريد، أحمد شريف الرفاعي، صالح نصيب، عبدالله عبدالكريم، محسن بريك - الامير عبده عبدالكريم، محمود لقمان، محمد سيف كبشي، مسرور مبروك، أبوبكر بغدادي وجعفر ميسري.

ولكن كيف كانت البداية؟
في سياق حديثه الشائق في منتدى «الأيام»: «فأنا كما قال الاخ نجيب (يابلي) وقال الاخوة أتيت في زمن العمالقة، أتيت في زمن لطفي ومحمد عبده غانم وجرادة ووجدت نفسي أنني لو ابتدأت من حيث انتهوا لضعت فأنا أمام عمالقة....» ويستطرد الاستاذ مصطفى قائلا: «وكان الفضل في ذلك قبل كل شيء بعد الله هو للاستاذ سالم أحمد بامدهف، هو كان من محبي أم كلثوم وكانت أم كلثوم وستظل الى نهاية العمر من الروائع، وأنا يومها لم أكن أفهم ماذا تقول أم كلثوم فحبب (إي بامدهف) إلي أم كلثوم وبتحبيبه لي هذه السيدة أحببت عملاقا ليس له مثيل وهو أحمد رامي...».

اهتز مصطفى خضر كثيرا لشعر رامي وافتتن به وأمسك خضر بأول الخيط ووجد شيئا يقوله، فإذا قال رامي وقيض الله له من يترجم أحاسيسه الصادرة بالكلمات إلى أحاسيس تصدر لحنا وأداء فوجد ضالته في العملاقين رياض السنباطي وكوكب الشرق أم كلثوم، تمنى خضر أن يقيض الله له مبدعا كما أكرم رامي من قبله. صرخ مصطفى خضر كما صرخ ارخميديس «وجدتها! وجدتها!»، نعم وجدها خضر وكانت ملكة محمد عبده زيدي التي ساحت إبداعا في اللحن والأداء.

أول مثلث أضلاعه خضر وفقيه وجعفر
كان أول نص غنائي مسجل للخضر في وسائل الإعلام بعنوان (شوه عمل بك قلبي قل لي ليش يا خاين تخونه)، وقام بتلحين ذلك العمل للخضر والذي كان باللهجة اللحجية الجميلة، الفنان حسن فقيه رحمه الله، وقدمه الفنان جعفر عبدالوهاب، متعه الله بالصحة (راجع صحيفة «14 اكتوبر» - 16 يناير 2007م - علي حيمد: مصطفى خضر الشاعر الذي خضر قلوب العاشقين).

وكيف كانت الذروة؟
من ضمن إفاداته التي جاد بها أثناء حديثه في منتدى «الأيام» قال الاستاذ مصطفى خضر «إن كل كلمة قلتها وكل قصيدة كتبتها كانت من واقع صادق وإن 25% مما قلته كانت عن أحاسيس الفنان الراحل محمد عبده زيدي و75% كان لي» ويستخلص من ذلك أن عواصف داخلية في الاجواء الرومانتيكية لمصطفى خضر هي التي حركت سفينة إبداعه لتبحر في يم القصيد، التي تناثرت الى شظايا وحملت كل شظية عنوانا ومنها: «أغلى حب» وتعارف عليها العامة بأغنية «وراسك» و«فقدان كثير» و«أنا عارف ظروفك» و«عتاب» و«السعادة» و«باراعي لك» ووقعت شظية أخرى على الفنان المبدع محمد صالح عزاني، فكانت «اتفقنا اننا ما نتفق».

أما شظايا مصطفى خضر التي وقعت على الفنان الكبير أحمد بن أحمد قاسم فكانت «هب الصفا» و«نعم أهواك» (التي سكنت وجدان أهل عدن ومن أحب أهل عدن ومطلعها: اقولها حقيقة واعنيها وليش باخاف اني اخفيها..) و«ابتدينا يا حبيبي» (وهي الأخرى سكنت في وجداننا جميعا ومطلعها: ابتدينا يا حبيبي بعد ما قالوا انتهينا.. ذا انتهى كل اللي قالوا.. انما نحن ابتدينا).

اسطوانة «وأرداه قتيلاً» طالت الأخضر واليابس
ارتفعت درجة السخونة في ساحة عدن بعد عام 1965م، وهنا يقول مصطفى خضر: «لم تكن لدي اهتمامات في السياسة ولكن وجدنا أنفسنا مكرهين أمام مفترق طريق: إما جبهة قومية وإما جبهة تحرير» وكانت الاخيرة هي خيار مصطفى خضر، فقد ضمت جبهة التحرير الكثير من أحبائه ومنهم محمود صديق (ابو جمال) أخوه من الرضاعة وصديق عمره ورفيق شتاته في دولة الكويت الشقيقة، التي كانت ملاذا للعديد من القادمين إليها من مختلف المناطق اليمنية ومن كل ألوان الطيف واستقر فيها بعد استقلال الجنوب عدد لا يستهان به من المجاميع المحسوبة على الشخصية الوطنية والنقابية الكبيرة عبدالله عبدالمجيد الاصنج.

فاحت من الساحة رائحة كريهة تمثلت في اسطوانة «أطلق مجهول النار على..... وأرداه قتيلاً» وراح ضحيتها مئات الأبرياء فبدأ الناس بالنزوح إلى تعز وكان مصطفى خضر أحدهم وذلك في العام 1967م، واستقر فيها لبعض الوقت ثم غادرها إلى الحديدة، وذكريات مصطفى خضر في المحافظات الشمالية لا تسر الخاطر وبلغت ذروة معاناته هناك عام 1975م فعزم على شد الرحال إلى ارض الكويت الطيبة، ومما زاد الطين بلة أن السلطات الحاكمة في الجنوب صادرت مسكنه في منطقة حافون بمدينة المعلا وطردت أسرته منه وصادرت أثاثه وسيارته.

غزو الكويت لم يحرك ساكناً لمصطفى خضر
لو وقف أحدنا أمام سيرة ومسيرة الشاعر المبدع والشرطوي المتألق مصطفى خضر وقيمها بلغة الأرقام لوصل إلى حقائق مذهلة فعمره الآن 72 عاما قضى منها في عدن 32 عاما (44.4%) وقضى منها في الكويت 32 عاما (44.4%) وقضى منها في تعز والحديدة (8) أعوام (11.1%) أي أن الرجل قضى حياة ممزقة هنا وهناك وعند دخول جحافل صدام إلى الكويت في 2 أغسطس 1990م لم يجد مصطفى خضر ما يحفزه على الهروب فأحضر أسرته إلى المستشفى الخاص للإقامة فيه وكان يصد جنود صدام بالقول (هذا حق أبويمن) ولم يصدق الكويتي صاحب المستشفى الخاص أن مشفاه لم يصب بأذى فكافأه بالبقاء معه حتى اليوم.

بعد سنوات الشتات لا يعلم خضر بما هو آت
بعد ثلاثين عاما من فراق عدن وتحديدا في 2 سبتمبر 1997م عاد مصطفى خضر إلى الوطن والتقى في صنعاء مع من تبقى من أصدقائه ومنهم الأخ والزميل حسين عبدالكريم جاوي، أحد ضباط شرطة عدن من الذين نالوا كامل حقوقهم من الذين شملهم مع مصطفى خضر وآخرين قرار وزير الداخلية رقم (40) لسنة 1991م وبتاريخ 18 يونيو 1991م بشأن عودة بعض الضباط للخدمة في وزارة الداخلية وترقيتهم إلى رتبة «عقيد»، ولكن ولحدوث خطأ في اسمه إذ بدلا من كتابته (مصطفى خضر محمد)، كتب خطأ (مصطفى محمد خضر)، وتم تصحيح الاسم رسميا عند حضوره إلى ديوان الوزارة عام 1997م إلا أن فاسدين استمرؤوا نهب معاش الرجل بحجة خطأ في الاسم.

تعاون بعض الكرام في السفارة اليمنية بالكويت مع مصطفى خضر بإثارة قضيته مع الجهات المختصة، فرفع الأخ نائب رئيس الجمهورية الفريق عبدربه منصور هادي مذكرة الى وزير الداخلية بتاريخ 14 يناير 1998م بإعادة الحق إلى نصابه وترقيته (أي مصطفى خضر) إلى رتبة «عقيد» أسوة بزملائه.

ماذا يقول أبوبكر خليل عن صديق عمره مصطفى خضر؟
الشخصية الاجتماعية المعروفة في مجال الادارة وحب أم كلثوم أبوبكر عبدالقوي خليل، أفادني بأن «مصطفى خضر ابن حارتنا (حافة حسين) وهو يتقدمني بعامين وجمعتني به وبأخيه محمد، يرحمه الله علاقة حميمية، كان لطيف المعشر وعنده روح النكتة ومن قواسمنا المشتركة أيضا أننا كنا من عشاق نادي الحسيني الرياضي وإن كان من كلمة أقولها عن مصطفى فهي: وراسك يا مصطفى أنا أهواك».

مصطفى خضر متزوج، رزقه الله بأربعة أولاد، اثنان منهم على قيد الحياة وهما:1- خالد، 2- بثينة.. وقضيته المركزية الآن هي استعادة حقوقه في الخدمة والرتبة والمعاش، وهي أساس الاستقرار ولا يعقل أن تكون الكويت وطنه لـ (32) عاما ولا يتسع له وطنه اليمن بمنحه حقوقه أسوة بالآخرين من زملائه!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى