في الندوة المكرسة للذكرى الرابعة لاستشهاد جارالله عمر ..المخلافي: القواعد العامة التي يمكن أن نستخلصها من حياة أمثال جارالله تمثل دروسًا ليست للماضي فقط وإنما للحاضر والمستقبل

> صنعاء «الأيام» بشرى العامري:

> إحياء للذكرى الرابعة لاستشهاد الاستاذ جار الله عمر نظم منتدى التنمية السياسية صباح الاثنين بالتعاون مع المعهد الديمقراطي االأمريكي مكتب اليمن NDI ندوة بعنوان (جار الله عمر فارس الحوار ومهندس الوفاق) تناولت في جلستين ثلاثة محاور تم التحدث فيها والنقاش عن ذكريات وتجارب حوارات وتسويات سياسية مع الشهيد جار الله عمر.

< بدأ الحديث الأخ علي سيف حسن، الرئيس الفخري للمنتدى قائلا: «إننا اليوم نقف أمام عدد من المفاهيم التي تمثلها الشهيد جار الله عمر والتزمها منهجاً له أثناء مسيرته السياسية الطويلة والممتدة بامتداد حياته، فالحوار بالنسبة له كان مراسا ومراسا صعبا وكان هو فارسه، والوفاق كان بالنسبة له غاية ونتيجة منهجية للحوار، فلم يكن الحوار بالنسبة لجار الله عبثا أو ملهاة ومضيعة للوقت ولم يكن الوفاق الوطني ولا التسويات السياسية صورا وأشكالا نمطية جامدة، بل كانت كائنات تتخلق وتصاغ بمهارة هندسية وقدرات إبداعية قادرة على تصور أشكال وصور جديدة غير مألوفة لحالات الوفاق وصور التسويات السياسية، مما جعلنا نصفه وبحق بأنه مهندس الوفاق.

ولا أجدني بحاجة للتأكيد على مدى حاجتنا جميعا لتمثل روح وإرادة الشهيد جار الله عمر اليوم ونحن نقف أمام التحديات الاستراتيجية التي تواجه اليمن والتي تفرض على الجميع أن يتعامل مع الحوار بروح وإرادة المراس الصعب، وأن ينظر إلى الوفاق الوطني والتسويات السياسية بعقلية إبداعية قادرة على تخيل صيغ جديدة تتناسب مع الظروف والمعطيات المستجدة وتتوافق مع ضوابط النظام السياسي الديمقراطي وقيم التعددية السياسية.

الشهيد جار الله عمر ا لأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني شاهده العالم وهو يقدم في 28 من ديسمبر 2002م حياته ثمنا لمواقفه المبدئية وخياراته الاستراتيجية في إحلال الحوار والانفتاح والتوافق محل الصراع والاحتراق والانغلاق».

< وحضر الندوة ابنا الشهيد جار الله عمر وتحدث ابنه بسام قائلا: «تأتي هذه الندوة في سياق إحياء الذكرى الرابعة لاستشهاد الوالد التي تأتي في لحظة بدأنا نشعر فيها بأن الاهتمام بهذه الذكرى قد أخذ يتلاشى بعض الشيء.

لقد أثبت والدي بفكره وسلوكه أنه من الممكن للقوى السياسية أن تحقق أهدافها دون الوقوع في السلبيات، انطلاقا من الإيمان بحقوق الغير والحرص على تبني المواقف التي تخدم المصالح العامة لكل الوطن، كما أكد أنه من الممكن جعل الماضي بكل ما فيه مرجعا للاتعاظ والاعتبار وما أن كادت نتائج هذه الفكرة تبرز للعيان وتهز معها أقدام أنصار الضلال والعنف حتى نالت منه يد الغدر والإرهاب كأداة أُريد بها تغييب الشهيد عن ساحة العمل السياسي والوطني، ونحن اليوم نقتطف من ثمار ما زرعه والدنا الشهيد وقدم في سبيله تضحيات جساماً كان آخرها تقديم دمه الطاهر في سبيل إرساء دعائم الديمقراطية التي تستند إلى الاعتراف بالآخر والقبول بآرائه، ومثل الحوار فيه مفتتح الطريق صوب المستقبل، وشكل التسامح فيه سمة أطراف هذا العمل الديمقراطي، فإننا في الوقت ذاته نعول كثيرا على هذه الأطراف في الاستمرار على الطريق ذاته الذي خطه الوالد الشهيد، وترسيخ مبدأ الحوار في كل معالمه».

< كما تحدث أيضا السيد بيتر ديمتروف المدير المقيم للمعهد الديمقراطي الوطني الأمريكي حول استشهاد جار الله عمر قائلا: «قبل أربع سنوات لم يكن الرصاص موجها لجار الله عمر فحسب وإنما كان موجها أيضا ضد الأفكار التي يمثلها وضد قيم التسامح والقبول بالآخر وهذا ما يدفعنا للالتزام بهذه المبادئ والعمل على استمرارها.. ولنستمر في الحوار السياسي الذي يعتبر حدثا هاما لليمن لكي نشرف ذكرى جار الله عمر.

وأنا شخصيا لم يكن لي شرف اللقاء بالشهيد جار الله عمر، حيث إني بدأت العمل في المعهد الديمقراطي منذ أشهر ولكني أعرف تماما أنه كان صديقا للمعهد الديمقراطي الوطني وشارك في فعالياته وشارك في تعزيز الديمقراطية في اليمن، ونحن هنا جميعا كأصدقاء نرى أن الحوار السياسي هو موضوع حساس بين القوى السياسية وينبغي أن يتضمن في داخل الحوار السياسي ذلك الجدل المحتدم القائم بين القوى السياسية وأن يستمر من أجل خلق مناخ سياسي أفضل، وكما ذكر الولد بسام ينبغي أن يستمر هذ الحوار من أجل القضايا الوطنية العامة.

وهذا ما يمثله لقاؤنا اليوم في التوازن الحساس بين الحوار السياسي والقوى السياسية، ويفتخر المعهد الديمقراطي الوطني وكذلك منتدى التنمية السياسية برؤية قادة الأحزاب السياسية من كافة الأطراف السياسية معنا اليوم وفي الوقت ذاته أشعر أني وإياكم نقف على أرضية مشتركة طالما ولدينا هدف واحد وهو الالتزام بنهضة الوطن.

وأنتم تدركون كذلك بأننا لا نمارس السياسة لأجل السياسة فحسب وليست السياسة هي هدفنا الأخير، لأننا في نهاية المطاف نزيد أن نؤثر بشكل أفضل في حياة المواطن البسيط. وفكرة حضور كافة القادة السياسيين من كافة الأطراف السياسية معاً يخلق ويعزز الثقة في مستقبل هذا الوطن ويجذب الاستثمار، ويكون هناك اهتمام إقليمي بهذا البلد».

< وعن بدايات جار الله عمر ومواقفه منذ اللحظات الأولى لتوجهه السياسي وكيف فرض جار الله عمر هذه المرتبة العالية من التسامح والوفاق، تحدث الشاعر ورجل القانون محمد عبدالسلام منصور عن مرافقته له منذ بداياته الأولى، حيث ظل متابعا ومراقبا لتطورات جار الله عمر قائلا: «التقيت بجار الله عمر أول مرة سنة 1964م في كلية الشرطة، ومارسنا العمل السياسي معا وكانت تلك المرحلة مرحلة عراك سياسي من أجل تثبيت الجمهورية وكان جار الله عمر يميل منذ البداية إلى محاورة الأفكار السياسية سواء أكانت ممثلة في أحزاب أو مكتوبة في كتب، وكان ميالا إلى تفهم الآخر وقبوله وكان شخصية تلتزم باتجاهها وأولويات الحزب الذي تنتمي إليه، فهو من مؤسسي الحزب الديمقراطي الثوري اليمني الذي أسس في العام 1968م.

والتقينا بشكل مكثف في السجن لما يقارب الثلاث سنوات، وكان معنا الكثير من السياسيين الذين ينتمون الى أحزاب أخرى غير الحزب الديمقراطي، وكانت فترة السجن هذه فترة حوار عميق ومكثف إلى جانب أنها كانت مرحلة البحث عن الحقيقة وما تحتاجه اليمن من أجل تطويرها وما تحتاجه من تعاون القوى السياسية.

وأذكر أننا قبل دخولنا السجن كنا في خلافات سياسية مع بعض الأحزاب القومية، ولكننا جميعا تفهمنا أن تلك الخلافات كانت نتيجة عدم النضوج السياسي وفي السجن أعتقد أننا اتفقنا مع كل الأحزاب القومية واليسارية والجمهورية حتى من أجل الحوار السياسي لتطويق عيوبنا.

وكانت السلطة هنا متطرفة جدا مما أدى إلى تبعثر القوى السياسية وانتقل الكثير من الإخوة السياسيين وبالذات في الحركة القومية واليسارية وكثير من الجمهوريين إلى جنوب اليمن ونتيجة للتباين في رؤى الدولتين حينذاك حدث ما حدث في اليمن.

وأظن أن هذه الأحداث التي بدأت في المناطق الوسطى وانتهت في 13 يناير في الجنوب هي الأساس الذي اعتمد عليه جارالله عمر في ضرورة الحوار بين القوى السياسية ونبذ العنف الذي أدى إلى القتل والدم ولم ينتصر أحد، ومازالت الأفكار موجودة مهما ظن الظانون أنهم سيقضون عليها، ثم إن الوحدة أسست ذلك الأساس وأساسا آخر وهو أن القوة ليس لديها القدرة على أن تلغي الآخر وتلغي الأفكار السياسية الأخرى، وأدركنا جميعا - وكان جار الله معلما في هذا الجانب ومتصدرا - أنه لا بد أن تتفق كل القوى السياسية بما فيها الذين على طرفي نقيض وأقصد بذلك الإخوة في الإصلاح والذين مثلوا التيار الديني يتفقون على مسائل أساسية لن تصل اليمن إليها وهي الديمقراطية وقبول الآخر والمشاركة في السلطة.. هذه المسائل التي لم نستطع أن نحقق منها إلا القليل، فإذا ما تحاورنا جميعا وإذا ما اتفقنا على أساس النيل من الرؤى التي تحول دون تحقيق هذه الأفكار والوقائع السابقة الذكر وإلغاء الفساد والعبث فإن هذا الحوار هو المبدأ الأول والأساسي الذي يجب أن تستند إليه القوى السياسية جمعاء من أجل تحقيق يمن حديث يقوم على التعددية السياسية وقبول الآخر».

< أما السياسي المحنك عبدالملك المخلافي، الذي شارك جارالله عمر في حواراته وتابع حواراته مع الآخرين فد تحدث حول ذلك قائلا: «هناك أشخاص أمثال جار الله عمر ليسوا فقط في الماضي ولكن يمكن أن نستخلص من حياتهم عبرا ودروسا للمستقبل ولا ينبغي أن نذكرهم لمجر الذكرى فقط ولكن للتفكر إن صح التعبير في المستقبل، وكيف نستطيع من خلاله صنع واقع جديد، صحيح أن الأفراد التاريخيين لا يكررون إلا أنهم في النهاية نتاج زمانهم وظروفهم الحياتية وهي غير ظروفنا ولكن القواعد العامة التي يمكن أن نستخلصها من حياتهم تمثل دروسا ليست للماضي فقط وإنما للحاضر والمستقبل، ولقد تعرفت على جار الله عمر في مدينة عدن في أواخر عام 81م تقريبا، وكنت حينها قد انتخبت للتو عضوا في القيادة التنفيذية للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، وكانت صورة الرجل لدي غير محددة فهي خليط لانطباعات تأتيك لظروف العمل السري ومعلومات بعضها صحيحة وبعضها خاطئة، وبالتأكيد أن الصورة الأبرز أنه قائد في حزب يساري وواحد من المكتب السياسي للحزب الاشتراكي ويرأس أو سكرتير حزب الوحدة الشعبي أو فرع الحزب اليساري في الشمال وكان يمثل الإطار العام للجبهة الوطنية الديمقراطية والتي تواجه السلطة بشكل مسلح في الشمال وربما كانت الصورة التي تكونت في خيالي أنه شخص ذو سلطة حادة يميل إلى العنف ولديه قوة مطلقة.

ومنذ اللحظة الأولى أستطيع أن أقول إن الشهيد جار الله عمر يملك سلطة معنوية وليست سلطة تنفيذية وإن الرجل اختار السلطة المعنوية على أي سلطة أخرى.

ولهذا فإنه عندما ذهبت السلطة التنفيذية التي تمثل السلطة المادية وفي كل الأحوال بقيت سلطة جار الله المعنوية داخل الحزب الاشتراكي وخارجه، ولم تنقطع علاقتي بالشهيد جارالله عمر حتى استشهاده خصوصا في العام 85م عندما انتقلت للإقامة في دمشق بسبب ظروف سياسية، ومنذ ذلك الوقت وحتى استشهاده كان هناك حوار دائم ومشاركة دائمة وتبادل آراء.

وفي الشهور الاخيرة قبل استشهاده ولأسباب خاصة بي وبه لم التق به ربما لشهر أو شهرين وبقي الاتصال بيني وبينه تلفونيا كحل مؤقت. والجدير ذكره أنه يعد رجل المبادرات في الاتصال بالناس ومعرفة أحوالهم حتى على المستوى الإنساني.

وكان في أحد اتصالاته يعتذر عن انقطاع التواصل ويعتذر أيضا بسبب سفره للعلاج، ومازحني قائلا إني أسافر إلى الخارج على حساب اللقاءات التي في الداخل، ويوم الأربعاء الذي سبق استشهاده بثلاثة أيام كنا كلنا عائدين من اليمن وكان هناك مشروع أو رسالة أقرت الأحزاب التقدم بها إلى مجلس النواب بشأن قانون المظاهرة وقانون منعها، ووجدت الشهيد جار الله عمر في مكتب رئيس مجلس النواب الشيخ عبدالله بن حسين الأحمروعندما رآني رحب بي وجلست بجانبه، وبقليل من الوقت تبادلنا حديثا جانبيا عبر فيه عن الحاجة للقاء والشوق للحوار بيني وبينه وحددنا موعدا للقاء وفيه قال (ذهبت للعلاج والحمد لله وجدت أنه ليس لدي مرض خطير) حيث كان يعتقد حسبما شخصوا له هنا أنه مصاب بالسرطان».

وعن أسلوب جار الله عمر في الحوار وتقبل الرأي الآخر تحدث قائلا: «فرق بين من يعتنق الحوار كمبدأ وبين من يعتنق الحوار كأسلوب، لهذا لم ينقطع جار الله عمر عن الحوار وكان يعتقد بأن الحوار يجب أن يسود في كل الظروف وفي كل الأوقات والأحوال.

وليس فقط وسيلة للاستخدام السياسي في وقت من الأوقات أو للحاجة السياسية، لهذا لم تنقطع حواراته لا داخل الحزب الاشتراكي ولا مع الآخر سواء أكان حزبا أو سلطة، ولم ينقطع دعمه للحوار. وما أحوجنا إلى أن نؤكد أن الحوار مبدأ وقيمة وليس مجرد أسلوب نستخدمه وقتما نريد.

ومن خلال اعتناقه الحوار كمبدأ كان الرجل يمتلك القدرة على المباردة، لأن فكرة الحوار كانت تشغله باستمرار، وكان قادرا على أن يبادر وليس فقط يستجيب للحظات الحوار الذي هو سائد أو الفرصة السياسية السائدة، لديه القدرة على المبادرة بالحوار.

إن من يعرف جار الله عمر يجد أنه لم يتغير منذ أن كان عضوا في مكتب سياسي في حزب حاكم ومسؤولا عن أكثر فروع هذا الحزب، فهو نصف الحزب وذراعه الشمال الى أن صبح عضوا في المكتب السياسي للحزب الحاكم للسلطة على مستوى اليمن كلها، وهو وزير للثقافة.

يلاحظ أن سلطته في هذه المواقع كانت معنوية وليست مادية ولهذا استمرت وهو خارج السلطة أكثر مما كانت وهو داخل السلطة وكان آخر ما يذكر عن جار الله عمر أنه كان وزيرا لأنه لم يستمد منها أي قوة، والمؤكد أنه استفاد من ذلك السلطة المعنوية في تعميد الحوار داخل الحزب وخارجه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى