الفنان نديم عمر المضي طائر عزف بأوتاره في سماوات الوطن

> «الأيام» عصام خليدي:

> ربما صار من المألوف أن نراه يتصدر أهم الفرق الموسيقية التي تصاحب نجوم الغناء والطرب في داخل الوطن وخارجه، فقد ابتدأ حياته ومشواره الفني عازفاً مبدعاً ومتمكناً على (آلة القانون) التي أحبها وعشقها إلى درجة (الانصهار والتوحد)، فنان برع بإجادة وإتقان في ممارسة أساليب وفنون التعامل مع (آلات الطرب والغناء الموسيقية) بمختلف تنويعاتها وأشكالها ونغماتها الساحرة المحببة إلى القلب والعقل والوجدان.

الفنان الرقيق والخلوق متعدد المواهب والقدرات نديم عمر محفوظ المضي حباه الله بكثير من (الملكات الاستثنائية) التي قلما يمكن أن نجدها في غيره من المبدعين، فهو شاعر، وملحن، وخطاط، ورسام، وكاتب للنوتة الموسيقية بدرجة امتياز.. بالإضافة لذلك اتسم بصفات وقدرات القائد المحنك ذي الخبرة العالية المتراكمة المشهود لها باعتراف (كبار الفنانين اليمنيين والعرب) في مجال تدريب وتلقين الفرق الموسيقية المؤهلة علمياً.

عرفته عن كثب (خارق الذكاء وجزيل العطاء) شرب فن الغناء ورضعه بمهده وطفولته وصباه في مدينة حضرموت الحضارة والتاريخ أحبه وعشقه في بيت عتيق عريق أسست ركائزه ودعاماته وشيدت بكل ما يتصل ويرتبط بالتراث والفلكور والأصالة (فنان عصامي) استطاع بفضل موهبته الحقيقية التي ولدت مبكراً أن يختط لنفسه طريقاً ومسلكاً (فنياً مستقلاً) معتمداً على ذاته التي طورها بالمعارف والاطلاع الحثيث، فقد عمل لفترة طويلة بالفرقة الموسيقية التابعة لإدارة الفنون (إنتاج الفنون)، وشهد وشارك بمعية زملائه من الموسيقيين والفنانين بشكل فاعل وبارز في نهضتها وانتشارها تحت رعاية وإشراف الفنان القدير أحمد بن غوذل في تلك الفترة الزمنية (الغنية والخصبة والأكثر إبداعاً وحضوراً وتميزاً) منذ تأسيسها، فحققت نجاحات متلاحقة مبهرة بمشاركاتها الفنية على مستوى اليمن وفي الجزيرة العربية والخليج العربي بشكل عام، ولا نستطيع أن ننسى بطبيعة الحال (الدور الإيجابي الإبداعي) الذي لعبه الفنان نديم عمر باعتباره من الموسيقيين القلائل الذين تركوا علامات وبصمات على (آلة القانون) أضافت ثراءً نغمياً موسيقياً واضحاً رائعاً وجميلاً وأثرت بشكل كبير وبالغ في ذائقة الجماهير العريضة من المستمعين، وكان ذلك بفضل ما يمتلكه من أسلوب ونهج متفرد راق في عزفه البارع المتقن، الممتلئ بشحنات متدفقة هائلة من الشجن والعواطف والأحاسيس الإنسانية الصادقة المرهفة التي يترجمها ويحيلها إلينا (بأنامله الذهبية) وبصفاء سرائره ودواخله المشرقة المضيئة إلى أصوات ونغمات موسيقية نستمع إليها ونستمتع على (آلة القانون) فتصبح (صداءات معزوفاته بأفئدتنا وأرواحنا كوشم حفر ذاكرة كل المعجبين المتلقين لأعماله الإبداعية) على امتداد عطائه الفني الزاخر والحافل.

امتلك والده (عمر محفوظ المضي) الصوت الرخيم الشجي وكان منزله الكائن في مدينة المعلا (منتدى فنياً) يحضره كبار الفنانين والشعراء المهتمين بشؤون الفن والغناء أمثال الأساتذة أحمد قاسم، محمد سعد عبدالله، ياسين فارع، أبوبكر فارع، سالم بامدهف، محمد صالح عزاني، حسن فقيه، أحمد بن غوذل وآخرين تربطهم صداقات حميمة ووطيدة، حيث تميز منتداه في ذلك الزمن الجميل (بالطقوس الفنية) المتنوعة التي تتخلل مجالسهم إذ يبدأون بسماع روائع الغناء العربي عبر (جهاز تسجيل) لأصوات أساطين الطرب ومشاهيره أمثال: محمد عبدالوهاب، أم كلثوم، صالح عبدالحي، سلامة حجازي، ليلى مراد، سيد درويش، محمد فوزي، فريد الاطرش، كارم محمود وآخرين، بالإضافة للموشحات العربية النادرة، ثم يدور الحديث حول مواضيع فنية ثقافية اجتماعية متعددة، بعد ذلك يتوسط اللقاء الاستماع لأغاني الفنانين الكبار ضيوف (منتدى عمر محفوظ المضي) الذين ينشدون أحلى ما لديهم ويختتم مجلسه بأغنيتين يشنف بهما آذان كل الحضور في مسك الختام.

في عام 1997م تم اختيار المبدع نديم عمر (أبوعمار) ضمن مجموعة من أفضل العازفين اليمنيين للاستفادة من خبرتهم وإمكاناتهم بالجانب الموسيقي في (دولة الإمارات الشقيقة) وبعد مضي سنوات عديدة من الغربة (يشتاق ويحن الطائر المغرد إلى عشه ووطنه) فلم يعد قادراً على البعد والفراق والاغتراب وهكذا خلق الله سبحانه وتعالى كائناته بالفطرة تعود كالطيور المغردة من المهاجر إلى أصولها وأوطانها مهما ابتعدت لتحلق مجدداً في فضاءاتها وسماواتها فتزداد بعودتها تألقاً وجمالاً وإبداعاً.يعتبر الأستاذ القدير أحمد باقتادة من أوائل الفنانين الكبار الذين تنبأوا بحماس لموهبة الفنان نديم عمر، قدم له الآراء والملاحظات والنصائح في المجال (الموسيقي والغنائي) ومنحه الثقة والدعم في توليه (قيادة فرقة الأصدقاء) التي أسسها وشكلها شخصياً مبدعنا المجدد أحمد باقتادة.

كلمة لابد منها

بهذا السجل الحافل والمشرف، المليء بالإنجازات والإبداع المتميز أصالة ومعاصرة نشعر أننا أسهمنا بشكل موجز ومقتضب (بقراءات نقدية) لمشوار فنان تعددت مواهبه وأوصافه الفنية والإنسانية يبقى لدينا سؤال ملح وهام مفاده: ماذا يمكن أن يقدم مبدعونا في ظل هذا الإحباط والعبث بأحاسيسهم ومشاعرهم مع سبق الإصرار والترصد، وهل نستطيع مطالبتهم بمواصلة المزيد من البذل والعطاء لأفكارهم وجهودهم حيال هذا التجاهل والنكران؟! نحن نطالب أن يخضع التكريم لمعايير وشروط ومقاييس فنية إبداعية واضحة محددة سلفاً ويؤخذ بعين الاعتبار أهمية ومكانة المبدع المراد والمطلوب تكريمه، نريد أن نسمو بأنفسنا في الابتعاد عن الرغبات والأهواء والمزاج والعلاقات الشخصية، خصوصاً في مثل هذه الأمور المهمة شديدة الحساسية والأثر. إن الدور الذي يجب أن تضطلع به جهات الاختصاص الرسمية ممثلة بوزارة الثقافة ومكاتبها في عموم محافظات الجمهورية القيام بمسؤولياتها المناطة باختصاصاتها التي تتمثل في (تقويم وإصلاح الاعوجاج الثقافي العام) وما سببه من إرهاصات وانكسارات نفسية مزمنة يعاني منها الجسد الإبداعي الثقافي المنهك والمتعب، عليها النهوض والقيام بواجباتها التي يفترض أن تصب بمجملها في خدمة مبدعي هذا الوطن، والأمانة ودقة الاختيار في التكريم الأدبي والمعنوي والمادي من أولويات المهام المسنودة إليها، بالإضافة إلى الاهتمام بقضايا وشؤون المبدعين وتحسين أوضاعهم وأمور حياتهم المعيشية والصحية والنفسية.. فلن نستطيع ملاحقة ومواكبة التطور المتسارع الذي يشهده العالم بأسره إلا باسثتمار الثروة الحقيقية في الوطن (المبدعين) صناع الفرحة والأمل والحياة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى