عدن.. في النقوش اليمنية القديمة

> «الأيام» عبدالله طالب السريحي:

> لم تجد عدن العناية اللازمة والاهتمام فيما يخص توثيق تاريخها وتدوينه ووصف معالمها التاريخية كغيرها من المدن التاريخية القديمة كصنعاء ومأرب وغيرهما من المدن التاريخية اليمنية القديمة، فميناء عدن من أهم الموانئ اليمنية القديمة استضاف خلال تاريخه الطويل أضخم السفن، ونافس أشهر الموانئ العالمية دهراً من الزمن وقاوم عبر العصور أعنف المعارك للسيطرة عليه.

ويعتبر ميناء عدن من أهم المنافذ البحرية لليمن منذ أزمنة موغلة في القدم، فهو يتحكم بالمدخل الجنوبي للبحر الأحمر مشكلا نقطة امتداد لخط ساحلي طويل يدور من خليج السويس غرباً إلى رأس الخليج العربي شرقاً. ذلك المدخل يعتبر حلقة الوصل بين قارات العالم القديم آسيا وأفريقيا وأوروبا ومعبراً أساسياً للتجارة بين الشرق والغرب ولا يزال كذلك خاصة بعد فتح قناة السويس إلى يومنا هذا (1) .

1- عدن في المصادر القديمة:

يكاد لفظ عدن يعز ظهوره في أي من النقوش اليمنية القديمة التي تزيد عن خمسين ألف نقش تم العثور عليها في مختلف مناطق اليمن.. إلا من نقشين ذكرا عدن كميناء بشكل مباشر ونقشين آخرين بشكل غير مباشر وبلفظ عدن وسوف نستعرض النقوش فيما بعد.

فلعل أول المصادر القديمة التي ذكرت عدن هي (التوراة) سفر حزقيال الإصحاح السابع والعشرين الآية 23 ، يذكر عدن في القرن السادس قبل الميلاد كواحدة من المدن والأسواق التي يجلب العبرانيون منها عبر تجار سبأ الكثير من السلع (2).

أما الكتّاب الكلاسيكيون فبعضهم أورد شذرات لأوصاف (عدن) الميناء من خلال كتاباتهم فها هو صاحب كتاب الطواف حول البحر الارتيري يطلق عليها اسم (العربية السعيدة) ويذكر أن السفن التجارية القادمة من مصر تلتقي سفن الهند في هذا الموقع (عدن) حيث تنشط الحركة التجارية عند ملتقى تجار الشرق والغرب.. كان ذلك في القرن الأول الميلادي.

أما الجغرافي بطليموس الذي عاش في القرن الثاني الميلادي فقد حددها على خارطته مطلقاً عليها اسم مركز بلاد العرب التجاري، وفي القرن الرابع الهجري - العاشر الميلادي- نجد لسان اليمن الحسن الهمداني يحدد موقع عدن حسب خطوط الطول والعرض ويصفها بأقدم أسواق العرب وذلك في كتابه: صفة جزيرة العرب.

أما ابن المجاور (حوالى القرن 13 الميلادي) فقد وصف بعض معالم عدن في كتابه: تاريخ المستبصر، وبشكل مطول. ثم يأتي بامخرمة الذي وصف عدن بأنها عدن الفقهاء والعلماء ورجال السياسة والحرب وأنها مدينة زاخرة بالجوامع والمدارس ومجالس الأدب والعلم. وعمل المقدسي على وصف جغرافية عدن ومعالمها ومساكنها(3).

1- عدن في نقوش أقيال ردمان وخولان:

يعتقد الكثير من المثقفين بل والمتخصصين في الشؤون التاريخية لليمن أن اسم (عدن) كميناء وكمنطقة لم يرد في النقوش اليمنية القديمة إلا أننا هنا نثبت عكس ذلك تماما: فلقد وردت (عدن) كاسم لمنطقة وميناء في نقوش أقيال مقولة ردمان وخولان (نقوش المعسال) هذه المقولة التي قامت في الأراضي الممتدة من رداع والسوادية في محافظة البيضاء- حالياً- إلى مديرية الحد يافع وقد سميت مقولة ردمان وخولان نتيجة للاتحاد بين المقولتين في فترة القرون الميلادية الثلاثة الأولى وهي فترة اشتهرت بتشعب الصراع بين الممالك اليمنية القديمة سبأ وقتبان وحضرموت وحمير ثم أكسوم، وعلى إثر ذلك الصراع تطور اللقب الملكي الحميري إلى ملك سبأ وذي ريدان.

لقد كانت مقولة ردمان وخولان موالية للملوك الحميريين على اعتبار أنهم جميعا ينضوون تحت اسم أولاد عم (الذين يعبدون إله القمر) وكذلك بحكم النطاق الجغرافي المتقارب بين ظفار عاصمة الحميريين و(وعلان المعسال) عاصمة مقولة ردمان وخولان في السوادية محافظة البيضاء (4).

ففي نقش المعسال 5، المؤرخ بعام 268م يبرز لنا القيل حظين أوكن بن معاهر قيل مقولة ردمان وخولان والمنضوي تحت إمرة الملك الحميري ياسر يهنعم وذلك عندما كلفه الملك بمهمة الدفاع عن ميناء عدن جراء الغزو الحبشي بقيادة الملكين ذتونس وزقرنس، فقد توجه القيل بجيشه مارا بوادي بنا وذي صهيب (بوادي خبان) وهي مناطق معروفة، حتى وصل إلى ميناء عدن .. بعد اصطدامهم وتعاركهم مع بعابعة الأحباش كشعب حدلن ذي رحبان وشعب خدنتن الذي بالمطاود والذين هربوا إلى البحر، كما استطاع القيل المذكور إخضاع شعب يهنطل وبعض أرض ذي أشرق وخدار(5).

كما أن للقيل نفسه نقشاً آخر سطر على صخرة جبل المعسال في السوادية ويسمى المعسال 6 ، فهو يذكر في السطرين الثاني والثالث التالي:

1- حظين أوكن بن معاهر وذوخولان أصحاب البيتين هران وهران أقيال الشعبين ردمان وخولان تقرب إلى الآلهة ومولاته شمس صاحبة جبل شحرار ومجّدها وتضرع إليها واستعان بها إذ.

2- منحته فضلاً وأصدقته كل وحي استوحاها ووعدته وبشرته (به) يوم أن بعثه مولاه ياسر يهنعم ملك سبأ وذي ريدان وكلفه بمهمة بميناء عدن يوم خشي أن تطوقه قوات وخميس الأحباش بميناء عدن وأن تسيطر عليه فقدموا (هو وشعبه) المدد وقاموا بالدفاع في ذلك الميناء.

2- نقوش أخرى تذكر عدن:

النقش الثالث: من النقوش اليمنية القديمة التي ذكرت لفظ عدن النقش (504 (CIH المحتوي على: قيلز أد أمة بني فوقم قدمت للربة بعدان مسنداً عقاباً (كفارة) لأن ابنتها أبعلي جلبت الماء من صهريج عدن وهي غير طاهرة. وكثير من المؤرخين يستبعدون أن تكون المقصودة هي عدن الميناء إلا أن ذكر الصهريج يمكن أن يدل على احتمال أن تكون هي المقصودة على اعتبار أن عدن تحوي الكثير من الصهاريج.

النقش الرابع: الذي ذكر لفظ عدن هو نقش (قفط) الذي عثر عليه في منطقة قفط في صعيد مصر وهذا النقش مكتوب باليونانية ذكر صاحبه بأنه تاجر ومواطن من مدينة عدن على البحر الارتيري وقد أُرِخ له بما يوافق 9 أغسطس 70م(6).

(1) أ. د الجرو، أسمهان سعيد : عدن ثغر اليمن - الماضي - الحاضر - المستقبل، الندوة العلمية مايو 1999م .

(2) الورشة العلمية حول حماية الآثار والمعالم التاريخية في عدن - هشام عبدالعزيز - أبريل 2005م .

(3) «الأيام»: العمل الآثاري في عدن، د. أحمد بن أحمد باطايع، العدد 796، ص 3.

(4) للاطلاع أكثر عن مقولة ردمان وخولان ينظر رسالة ما جستير للباحث.

(5) بافقيه، محمد عبدالقادر، ريدان، حوليه الآثار والنقوش اليمنية القديمة (6، 1994م) ص 58، ص 63، ص86، ص 87.

(6) الورشة العلمية حول حماية الآثار والمعالم التاريخية في عدن - أبريل 2005م.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى