إسلام واحد... لا إسلامان ..الطريق إلى الجحيم من بغداد إلى اليمن ؟

> غسان تويني:

>
غسان تويني
غسان تويني
مرة أخرى، نعود نكرّر في ظل ما رشح عن "مؤتمر" بغداد وما سيؤدي وما لن يؤدي اليه من ترتيبات في المنطقة:"اسلام واحد لا اسلامان"...

يزيد في اقتناعنا بضرورة التوصّل الى هذا الوضع، بدل القليل الذي صار متوقعاً من المسالمات بين الاضداد والخصوم.. بل الكثير من المخاوف والهواجس التي تطرحها أخبار اليمن الذي كان يقال عنه انه "السعيد"، وإذا به ما ان يستقر حاله فترة من غير ان تعود الصراعات الدفينة، التاريخية "المعتّقة" كتلك التي استحدثتها تطورات "اليمنين" منذ استعمار عدن مروراً بتحررها، فالثورة الناصرية في الشمال، فسقوط الإمامة... ثم "الناصرية" وجمهوريتها. فالوحدة التي كان يظن انها مستحيلة فاذا بها تغالب التاريخ وقبائله والحزبيات والمذهبيات وتستمر، انما تكاد لا تقدر على التعمية والتمويه اخفاءً للحروب الصغيرة الكامنة وراء سلام دستوري كبير المظهر بنسبة ما هو قليل الفاعلية.

والعارفون بما لا يسمّى علناً في اليمن، من باب ممارسة "ثقافة الخفر" والاستغناء عن اعلان المحظور باسمه خشية اثارة فأل الشؤم... هؤلاء يسقط في أيديهم هذه الايام اذ يرون ان ما مُنع او أمكن تفادي اشتعاله في لبنان (هذا المختبر العالمي لتعايش الثقافات والديانات والمذاهب والحزبيات والقبليات) قد لا يكون من الممكن الاستمرار في الحؤول دونه في اليمن.. اذا استمرت "الحوادث" تتفاقم. واذذاك، الله أعلم الى أين نحن صائرون في كل مكان مسلم او عربي.

****

الى أين؟

اذا كان اللبنانيون المتسربلون بهواجسهم وبعودة اشباح الحروب وأسلحتها و"أدبياتها" والشعارات (آه من الشعارات، انها هي الصواريخ التي يجب ان تُمنع وتُصادر!!!).

اذا كان اللبنانيون قصيري النظر في الحسابات اليمنية ("السعيدة" سابقاً!) فالذين اشتركوا في ما صار يسمّى "مؤتمر بغداد" بمن فيهم خصوصاً المشاركون من دون ظهور فاقع... هؤلاء بالاخطار اليمنية أدرى وبشفافية الحال اليمنية لمثل مجريات بغداد، ومن ثمّ - وهذا هو المحظور الأعظم بشفافية ما ومن يحيط باليمن بحيث تسقط اذذاك كل الدفاعات والسواتر والمحرّمات أمام زحف الشرور، ولو لم يخطط لها أحد، بل هي الشرور ولو بدأت محرجة مترددة التي تطلق ديناميتها الخاصة المتصاعدة الزخم الهدام.. وحينذاك قد لا تجدي نفعاً الدعوات السلمية وربما حتى الصلوات تفقد فاعليتها حين تكون هي الخير الوحيد الباقي.

هل من حاجة الى مزيد من الافصاح؟

حسب الراغبين في الرسوخ في المعرفة ان يقرأوا الخرائط والدراسات الجيولوجية وما قد تثيره من شهوات فوق الارض وتحتها، ناهيك بالطموحات الغريزية، الى حكم ذاتي من هنا وتصحيح حدود من هناك وضمان حقوق من هنا لك...

وناهيك، ناهيك أخيراً وليس آخراً بالحضور الدولي المبطّن بالحنين الامبريالي والامبراطوري فالاستعماري وقدرة الحاضرين (وقد حضروا كلهم، الكبار والأصغر قليلاً والمكابرون...) على توسّل الشعوب وتوظيفها في المشاريع الانتحارية والحروب التقليدية التي لا غالب فيها إلاّ الشيطان، متنكراً في الغالب بالتديّن ومظاهره والشعارات، الشعارات.واذذاك تتفجّر المجتمعات وتتبخّر الدول والسلطات ولا يبقى في الساحات سوى الارهاب بما فيه الارهاب الذاتي وذاك الذي يصطنعه من يدّعي الحرب عليه ويقول باستمرار: أكثر فأكثر!

****

حيال ذلك كله، ماذا نظن ان «مؤتمر بغداد» قد صنع؟

في تقديرنا، الجميع في حالة هلع وخوف حتى مما به يطالبون خشية ان تتمرّد "عفاريت" الأمين العام للجامعة العربية وتنطلق وحدها من الزجاجات التي ظنوا انهم اسروها في داخلها، ولا رجعة بعد ذلك.وفي شوارع العراق ومؤسساته الشواهد، شهادات ناطقة وشهداء ابرياء...

والخوف الأكبر هو ان تبتلع حرب الشياطين ما قد تجوز تسميته "مناقبية الحروب" وأصولها فيصير كل شيء نظيرا لضده، ولا يبقى ثمة فرامل تجدي حتى في لجم تسارع الخراب والدمار والتدمير والقتل والاغتيال! وكل محرّمات الارهاب.

****

وبعد، سيحار المؤرّخون غداً، كما يحار المعلّقون اليوم في بحثهم عن صيغة تبرر تسمية لقاء الأحبة والأعداء، والضحايا "مؤتمراً" وهم لم "يأتمروا" بالكاد تآمروا، وفي السرّ عن بعضهم البعض؟

عام 1919، انعقد مؤتمر الصلح في فرساي ليفرض على الدول المنهزمة شروطاً تمنعها من معاودة الحرب.. ولم يطل فلاحها. الأهم من ذلك تقاسم المنتصرون غنائمهم والأسلاب من أراضي الامبراطورية العثمانية وسائر المهزومين كما بعد كل حرب، ولكن المؤتمر تميّز بأنه أقام "جامعة أمم" لها شرعة اعترفت بحق الشعوب في حكم نفسها. ثم أقامت الشرعة نظام انتداب هو في الواقع وصاية على الشعوب التي كان قد اعلن حقها في حكم ذاتي - أي بالاستقلال.

ومن أجل هذا الاستقلال ناضلت بعض الشعوب ضد المنتصرين الذين كانوا قد انتدبوا انفسهم لقيادة هذه الشعوب نحو الاستقلال وتدريبها عليه، فلم يفعلوا. وكان على الشعوب المطالِبة باستقلالها ان تنتظر حرباً عالمية اخرى (لم تمنعها "عصبة الأمم") لتفيد من التناقضات حتى بين المنتصرين لتخطف استقلالها في ساعة غفلة من الاستعمار.

هكذا كان في سوريا ولبنان اللذين دعيا الى المشاركة مستقلّين جنباً الى جنب مع الدول التي بالكاد كانا قد تحررا منها في مؤتمر سان فرنسيسكو الذي انعقد عام 1945 . وهو جدير بأن يدرس من جديد في العمق لأنه استشرع معاهدة دولية اقامت "منظمة الأمم المتحدة" التي تمثل الآن العالم بأسره: الذين انتصروا في الحرب العالمية الثانية والذين انهزموا، انما بعدما استكملوا شروط التعايش بسلام على اساس مبادئ الديمقراطية التي اقنعت منظمة الأمم المتحدة نفسها بأن ثمة إجماعاً كونياً على الايمان بها دستور حكم وحياة.

ولم تمنع المنظمة قيام حرب باردة، انما ضروس، بين حلفاء الأمس الذين لم يجمعهم سوى العداء المشترك للمحور الذي انهزم، فقط لأن كبرى الديمقراطيات اميركا وجدت نفسها مضطرة الى استعمال القنبلة الذرية اياها التي تريد الآن منعها عن ايران.. رغم ان اسرائيل، ومن بعدها باكستان والهند وسواها، تملك هذه القنبلة التي ثمة معاهدة دولية لمنع انتشارها.

هذه المفارقات يجدر بنا، نحن العرب والمسلمين مشرقاً وشرقاً اقصى ومغرباً، ان نتعمّق في درسها وان ننعم التأمل فيها حتى نحمي انفسنا مما يمكن ان يكون "مؤتمر بغداد" قد قرره ولم ندرك ولن يبلِّغنا عنه!

****

هل ثمة في الافق حرب عالمية يجب ان نتعظ بتاريخ الحروب الماضيات حتى «نحفظ رأسنا (وديننا) عند تغيّر الدول»؟

غالب الظن، وليس من يملك اليوم مقاييس منطق ستراتيجي تخوّله التحسّب لأكثر من حقبة اولى من حرب ممكنة ساخنة كانت أم باردة أم فاترة، "بين بين".

فإلى أين من هنا؟

المسلك الأبسط أن لا نلقي بأنفسنا، أرضاً وحدوداً وديناً وانساناً وخيرات في "أتون كبريت" يشعله سوانا ونحن اليه نهرول بجهلٍ هازجين!

****

مرة أخرى نعود نعلن ختاماً:

اسلام واحد لا اسلامان... والسلام ان يكون عربياً سلاماً واحداً لا سلامات"... ويكون "سلام واحدنا على الآخر وداعاً!!!

لماذا "محورة" الاسلام في هذا الشكل؟

لأن الخرافة التي يقع "العالم الخارجي" (ما أبشع التعبير وما أسخفه!) في فخها هي ان الصراع العالمي المقبل سينجم عن "صدام حضارات" مع الاسلام، وان شكل هذه الحرب وسلاح الاسلام فيها هو "الارهاب"...

... في حين ان الواقع يصرخ بأننا نحن موضوع الحرب، مواقع وخيرات وثروات. والطريقة الوحيدة لمنعنا من ادراك ذلك والتحسب للوقوع في شَركه هو استدراجنا الى جولة جديدة من "حروب الآخرين" على أرضنا، وكأنها مجرّد ساحة، وبأجسادنا وعقولنا المعطّلة المخطوفة.

وقمة الجنون (بل الخمول) ان نسبق المؤتمرين في بغداد وسواها، فنتحارب مذهبياً أو طائفياً او دينياً بدلاً من أن نقلب السحر على الساحر ونفيد من البقية الباقية من وسائلنا حرة سليمة لتوظيف قدرات "العالم الخارجي"، أياً كان، لجعله هو الشريك في منع حربه عنه وعنا.

ولعل الخطوة الأولى هي أن نسأل اليمن ان يمنح نفسه فسحة سلام. وان نمنع انفسنا كلنا عن الطرب بطبول الحرب وبأننا عبيد الله زوراً، ونحن نتهافت لقذف بعضنا البعض على الطريق الى الجحيم.ولنتساءل قبل ان نثور غضباً: ماذا يمكن ان نجني من الحرب؟ مما هو ليس في متناولنا بالسلام؟

عن «النهار» اللبنانية 12 مارس 2007

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى