قراءة تركية في الحوار السعودي الإيراني

> سمير صالحة:

> تسعى حكومة "العدالة والتنمية" التركية منذ اكثر من اربع سنوات تاريخ وصولها الى سدة الحكم في البلاد للترويج لسياسة اقليمية جديدة تقوم على "التوازن الايجابي" على عكس عشرات السنين من ديبلوماسية رجحت "التوازن السلبي".

هذا الخيار الذي لم يتركها خارج الكثير من المعادلات فحسب بل حرمها العديد من الفرص وحق المشاركة في تحديد استراتيجيات المنطقة التي اعيد طرحها بعد زوال القوة السوفياتية في مطلع التسعينات وبروز حالة كبيرة من الفراغ الاقليمي.

حكومة "العدالة" ورموزها القيادية التي تصر على قراءة القاموس السياسي الديبلوماسي التركي بأسلوب وتفكير مختلفين تركز في شعار التغيير هذا على شمولية التحليل والاستنتاج ومرجعها هنا هو تاريخ الديبلوماسية العثماني وضرورة الاستفادة من النظريات ومواد التطبيق العملي الايجابية الكثيرة في التعامل مع المسائل التي حاول الغرب ابراز نواقصها والتوقف عند سلبياتها تشفيا وانتقاما.

خلاص المنطقة كما يرى رجب طيب اردوغان واعوانه هو في ان تتمرد على حالة الاستسلام لحتمية الارتهان للخارج واحتكاره حق فرض نفوذه وقراراته وخططه عليها بل على العكس تطالب هذه القيادة الشابة دائما ببناء ائتلاف اقليمي لا يستثني احدا يكفل بتوجيه الرسائل الضامنة لقدرة المنطقة دولا وشعوبا على التعامل مع ازماتها ومشاكلها وحلها دون "عون" خارجي مفروض.

"تيار العدالة" التركي الذي لا يعجبه كثيرا ان تلصق به صفة "الاسلام المعتدل" دخل منذ عام تقريبا في حلف عربي - اسلامي فرضته الظروف الصعبة المهددة وهو حلف ينمو ويكبر يوما بعد آخر وينشط في التعامل مع اكثر من ازمة وقضية. كان آخر اجتماع له بصفة شبه رسمية في اسلام اباد بمشاركة سبع دول اسلامية تمثل قاعدة سكانية وجغرافية واقتصادية لا يستهان بها. لا بل ان صدى هذا التكتل كانت عاصفة في قمة وزراء الخارجية العرب الاخيرة حيث حل وزير خارجية تركيا عبد الله غول ضيفا على المجتمعين تأكيدا لدعم بلاده جدول الاعمال المتشابه تقريبا في قمتي باكستان والسعودية، وهو ليس مصادفة طبعا.

خيار تركيا الاستراتيجي الاخير رغم تضمنه اكثر من رسالة طمأنة علنية الى القيادة الايرانية يذكّرها فيها بأن انقرة لن تكون جزءا من اي مخطط عسكري يستهدف ايران لا من قريب ولا من بعيد، وانها رفضت حتى الآن العديد من الاقتراحات والدعوات الاميركية للمشاركة في النظام الدفاعي الصاروخي لحلف دول الاطلسي وانها افشلت اخيراً اكثر من محاولة اميركية سياسية ديبلوماسية امنية تطالب بتنسيق المواقف حيال ايران وسياستها النووية، فإنه لا يخلو من الافكار التي تحذر القيادة الايرانية وتدعوها أن تأخذ في الاعتبار جملة من الحقائق والمعطيات القائمة على الارض وان تتعامل معها بواقعية وتفهم تجنبا للكارثة التي تهدد المنطقة:

- الجميع قادر على اشعال فتيل بارود التفجير وتوتير الوضع لكن الشجاعة في الحؤول دون وقوع الكارثة وهي ميزة لا يملكها الا القليل من دول المنطقة، وايران بحكم تجاربها وخبراتها عبر التاريخ هي في مقدم هذه الدول طبعا.

- التهديد بلعب الورقة النووية في المنطقة او التفكير في اللجوء اليها واستخدامها هي سياسة لن تلقى دعما من جانب معظم دول المنطقة والتصعيد الايراني - الاميركي لا يمكن ان يكون على حساب هذه الدول ومصالحها، وتالياً لا يمكن ان يفرض فرضا او ان يكون حقا لإحدى الدول تحتكره كخيار. وما طروحات قمتي اسلام اباد والرياض سوى رد فعل لا بد منه حيال هذه المعادلة المفروضة.

- وقوف ايران الى جانب الرافضين للاقتتال المذهبي العرقي الطائفي بين دول المنطقة وشعوبها وترجمته العملية في التعامل مع قرارات اتفاق مكة الفلسطيني - الفلسطيني والوساطة السعودية الاخيرة حيال الازمة اللبنانية.

من الضروري ان تصحبه مراجعة مواقفها حيال محاولة بناء تحالف مضاد يقف في وجه لقاء اسلام اباد الذي لن تتأخر ايران حتى تكتشف انه يحمي مصالحها ونفوذها وحقوقها الاقليمية ولو لم تكن ممثلة فيه. ذروة اسلام اباد تعمل على وضع الكرة في ملعب الغرب لتطالبه بتحمل مسؤولياته في المسألة النووية التي كان هو السباق لادخالها الى المنطقة من خلال دعمه السري والعلني لاسرائيل لتتحدى السلم الاقليمي بخيارها النووي الطائش وتشجيع شاه ايران وقتها للتفكير بجدية في خدمات مشابهة.

- موقف طهران وردود فعلها حيال اجتماع دول الجوار العراقي والقمة العربية المقبلة في اواخر هذا الشهر ستعكس حتما مدى استعدادها لقبول ديبلوماسية اقليمية جديدة قررت دول المنطقة اطلاقها من خلال المراهنة على قدرتها في اقناع الكثيرين بها ولن تفرط طهران هنا بالظهور بمظهر من يعمل على افشال هذا التحرك الذي يجمع عواصم ودولا لا يهمها اطلاقا توتير علاقاتها مع ايران.

- الملك السعودي عبد الله حاور الرئيس الايراني احمدي نجاد باسم اكثر من دولة عربية واسلامية تتقدمها مصر وتركيا والاردن وباكستان والعاهل السعودي حاول باسم هذا التحالف اقناع ايران انه قادر على ايصال رسائله الى عواصم اوروبية وغربية كثيرة، فهل ستفسد طهران مثل هذه المحاولة وتظهر بمظهر من يقطع الطريق عليها؟ وهل هي قادرة على تحمل مثل هذا العبء وسط هذه الظروف التي تترك اكثر من عاصمة ودولة وجها لوجه امام الانفجار والتفكك؟

- لقاء اسلام اباد وما بعده يعكس استعداد المشاركين في طرح خطة سلام عربي - اسرائيلي يعيد الارض ويضمن الحقوق العادلة المشروعة فهل ترضى ايران ان تكون في موقف من يعرقل، وان تكون خارجه وبعيدة في مثل هذه الاوقات الحرجة؟ التفريط بمثل هذه الفرصة يحرم سوريا بالدرجة الاولى من فرصة لعب ورقة هذا التكتل العربي - الاسلامي الذي ابدى استعداده لان يكون ورقة ضغط مهمة بيد سوريا قبل غيرها.

هي المرة الاولى التي تغامر فيها حكومة "العدالة والتنمية" التركية على هذا النحو المكشوف في تبني سياسة اقليمية جديدة بهذا القدر من الوضوح والشفافية، لكنها سياسة تحتاج اليها ايضا لقطع الطريق على الكثير من الصعاب والعوائق في الداخل اولا وللاستفادة من هذا الائتلاف الاقليمي الواسع وكسب دعمه في ازماتها الاقليمية الكثيرة في شمال العراق وقبرص والمسألة الارمنية. ولكنها فرصة تاريخية لا تعني تركيا وحدها من هنا دعوتها لرفع شعار "قوة هذا الاتحاد تعني اتحاد القوة"، وهي حالة تكتل بامتياز نادرا ما عاشتها منطقتنا على هذا النحو.

عن «النهار» اللبنانية 19 مارس 2007

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى