قُبلة لكل الأمهات في هذا الوطن

> حسن سعيد دبعي:

> بمناسبة ما يسمي بـ «عيد الأم» المبتدع والذي ما أنزل الله به من سلطان، أجدني مضطراً للتعامل مع هذه البدعة طالما وهي عالمية فأعدّها سانحة للتعبير عن أخلص المشاعر وأصدق الأحاسيس تجاه أمهاتنا العزيزات في هذا الوطن العزيز، كنوز الرحمة ومنابع الحنان ومصدر الدفء والأمان، مربيات الأجيال الصابرات في مواجهة النكران والجحود في هذا الزمن الرديء، والتحيات المباركة لأولئك الأمهات المكافحات المناضلات في كل ميدان خاصة منهن الأرامل ومقصوصات الجناح المتحملات كل أعباء الحياة لإعالة أولادهن وتنشئتهم النشأة الصالحة.

نحن نعرف أن في اليمن نماذج وعناوين ناصعة لكفاح المرأة وتحملها كافة المشاق والمتاعب وتصارع الحياة بكل اقتدار من أجل أن تضمن لأولادها لقمة عيش شريفة وكريمة.

ونعترف أن الأمهات عندنا يعانين من سلب مجحف لحقوقهن نتيجة الجهل وانعدام الثقافة الدينية، وعشن فترات كئيبة في مختلف المراحل يستحقين إزاءها الإنحناء أمامهن تبجيلا وتعظيماً.. عندنا أمهات يمثلن الوجه الناصع للوفاء وقفن مع أزواجهن في أصعب الأوقات وفي أقسى الظروف وربين أولادهن على الكفاف بعفة ونقاء ولم يسمع منهن شكوى أو تذمر وأثبتن انهن جديرات بأن تكون الجنة تحت أقدامهن.

غير أن الكثير منهن لاقين جزاءً مثل جزاء سنمار سواء من الازواج أو من الاولاد، فبعض الأزواج عديمي الضمير عندما ابتسمت لهم الدنيا أداروا لزوجاتهم ظهر المجن وبحثوا عن أخريات متناسين ما كان، ومتنكرين للتضحيات وأركنوهن في زاوية النسيان، وكذا بعض الأولاد عندما اشتد عودهم وتزوجوا رموا بأمهاتهم في دور العجزة والملاجئ وقد كن من قبل حضنهم الدافئ ومستقرهم الآمن.

والعجب أن يحصل هذا في يمننا العزيز يمن الإيمان والحكمة المتمسك بتقاليد وأعراف إسلامية ومعروف عنه أنه بلد يقدس الحياة الأسرية، لكن مع الأسف، الواقع يثبت ذلك وبصورة متزايدة مع ازدياد تحول المجتمع إلى الماديات الصرفة، فهناك نوعيات من الأبناء قفزوا فوق المألوف في تعاملهم مع أمهاتهم وداسوا على قدسياتهن وجعلوهن حالة استثنائية ورموهن وراء الذاكرة وارتموا في أحضان زوجاتهم، مبدين كل الاهتمام والرعاية لهن، وعندما يحين يوم 21 مارس يتذكرون أن لهم أمهات بعد أن صرن جزءاً من ماض لا يستحق الالتفات إليه وهذا توجه جديد خال تماماً من القيم والأعراف والتقاليد، نخشى أن تتسع قاعدته.

إننا بحاجة إلى المحافظة على تقاليد كانت جميلة وأعراف كانت أصيلة شكلت تجمعات أسرية مبنية على التكاتف والتراحم والحب والألفة كانت الأم في وسطها هي الجوكر وهي المرجعية في كل شيء، أما الآن انقلبت الأمور فأصبحت الأم مهمشة في أغلب البيوت اليمنية.

ونقولها بصريح العبارة إن أمهاتنا صرن في نظر البعض عبئاً يجب التخلص منه، ولن أبالغ إذا قلت إن هناك من يمد يديه ليضرب أمه ويهينها ويرميها إلى الشارع إرضاء لزوجته ناسياً أن هذه المخلوقة كانت فرشه والغطاء، تعبت من أجله واسترخصت روحها وكرامتها من أجل أن لا يشعر بجوع أو مسغبة وسعت في كل اتجاه لجلب الدواء له إذا مرض والكساء إذا عري.

إن يوم 21 مارس الذي اعتبر عيدا للأم وبقالب وتقليعة غربية ونأتي نحن فنقلدها بطريقة سمجة وننجر وراء هذه الترهات حيث نذهب إلى أمهاتنا المهملات محملين بالورود أو الهدايا الرمزية وقليل من القبلات فيتقبلن منا وقلوبهن يعتصرها الأسى والحزن لأن هؤلاء الأمهات لا يطمعن بهدايا، وقبلات جافة بقدر ما يطمعن بشيء من الحنان وقليل من المروءة واعتراف بالجميل على ما قدمن في سبيل أن نصير رجالاً ونساءً معتبرين.

فهذه الأم التي نحتفل بعيدها العالمي اليوم يجب أن لا ندجل عليها أو نتباهى في إعطائها حقها الكامل ولا يجوز للولد أو البنت أن يذهبا إلى أمهما ليقدما لها وردة أو هدية وهي غاضبة عليهما وغير مستريحة منهما.

فهما بذلك يكذبان على الله وعلى أنفسهما، فالأم تحتاج إلى معاملة طيبة واحترام وخضوع تام لها، هذه الأم وحدها إذا سجدت تحت أقدامها طلباً لعفوها فلن تحاسب على ما فعلته ولن يستنكرك أحد خاصة إذا عرفنا أن السجود لا يكون إلا الله.

وأخيراً قبلة نطبعها على جبين كل أم في هذا الوطن سواء كانت مرتاحة ممن حولها أو غاضبة فهي في نهاية المطاف الكائن الذي لا يعوض فلها التحية والإكبار ولها التقديس والإيثار ولها أسمى الاعتبار.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى